في إمكان اللبنانيين ولا سيما جماعة "المقاومة"، أن يهنئوا النائب نواف الموسوي بعد خروجه من "الصمت" الإجباري الذي فرضه عليه حزب الله ، وهو ينتمي إلى صفوفه ويمثل شريحة من محازبيه الجنوبيين في المحلس النيابي. إختصرت قيادة الحزب العقوبة التي كانت انزلتها في النائب، من سنة الى نحو شهرين، في ما يشبه التسامح الذي يجري الكلام عنه كثيرا في لبنان الآن. وكان الحزب عاقب الموسوي لتصديه في إحدى الجلسات البرلمانية لأحد النواب الكتائبيين تصدياً طائفياً، رافعاً صوته وشاهراً "سلاحه" اللفظي، وهاجم رئيس الجمهورية الراحل بشير الجميل، الذي يعده كثير من المسيحيين واحداً من رموزهم، مردداً المقولة الجاهزة حول مجيئه إلى الرئاسة "على الدبابة الإسرائيلية". ولم يكتف بهذا التحريض بل ذكّر النواب أيضا ان الرئيس (الماروني) ميشال عون جاء الى الرئاسة "على دبابة المقاومة الإسلامية". وسرعان ما أثار كلام الموسوي حفيظة الشارع المسيحي، فأقيمت تظاهرة استنكار ألقيت فيها خطب ضد حزب الله. حتى جماعة الرئيس ميشال عون أو "التيار الوطني الحر" لم ترض عن كلام النائب الحليف فاعترضت بشدة، وفي اعتقادها أن الجنرال أتى الى الرئاسة من القاعدة الشعبية وليس على "دبابة المقاومة"...
كاد موقف نواف الموسوي أن يكون مجرد كلام إنفعالي غاضب ومستنفر ويشبه المواقف الإعتباطية التي تصدر عن سوء إدراك وإلمام، لو لم يقدم حزب الله على معاقبة هذا النائب المثقف الذي يعدّ "صوت" الحزب الفكري والعقائدي، وعزله. ربما فوجئ الموسوي النائب "المثقف" بمثل هذا العقاب غير المألوف وغير المتوقع، مثلما فوجئ اللبنانيون جميعاً، سياسيين وحزبيين ومواطنين ومثقفين... فعوض ان يعاقبه الحزب بصفته "رفيقاً" حزبيا عاقبه بصفته نائباً ينتمي إلى قاعدة شعبية. سمح حزب الله لنفسه أن يعاقب نائبه باسم المواطنين الذين انتخبوه وليس باسم الحزب الذي ينتمي إليه، وكأن كل الذين انتخبوه ينتمون إلى الحزب، وهذا أمر غير صحيح. أما ألا يعير الحزب اهتماما للبعد الفكري والثقافي الذي يتسم به نائبه، فهذه قضية معقدة.
إختفى إذاً النائب المثقف والايديولوجي، طوال شهرين، فغاب عن المجلس وعن الحياة العامة والندوات والشاشات، راكناً إلى ما يشبه العزلة الجبرية. هذا الإختفاء أو هذه العزلة، كان لا بد ان ينزلا نزول الصاعقة على المثقفين اللبنانيين الذين كانوا يجدون في الموسوي (سابقاً) نموذجاً للمثقف في حزب الله.
عندما ترجم نواف الموسوي كتاب المستشرق الفرنسي الكبير هنري كوربان "عن الإسلام في إيران: مشاهد روحية وفلسفية" إلى العربية عام 2000 (دار النهار) بدا صاحب مشروع ثقافي داخل "حزب الله" الذي كان في صفوف رعيله الأول. لم يكن سهلاً نقل فكر هذا الفيلسوف الفرنسي الذي يحتل مرتبة عالية في تاريخ الاستشراق والذي أمضى ردحاً من عمره في قراءة الفلسفة الإسلامية والصوفية والكتابة في حقليهما، وترجمة نماذج من نصوصهما الى الفرنسية. تصدى الموسوي لفكر كوربان الأكاديمي وغدت ترجمته لكتابه الشهير هذا، بمثابة حدث ثقافي كان في إمكان حزب الله أن يتباهي به، لا سيما أن الموسوي واصل ترجمة الجزء الثاني من الكتاب واصدره عام 2007. كان منتظرا من هذا الحزبي الشاب (مواليد 1965) أن يمثل تياراً فكرياً متنوراً ومعتدلاً ، وأن يؤدي دور "المنظر" الايديولوجي المنفتح داخل الحزب. وقد عُيّن الموسوي لاحقاً مسؤولاً عن العلاقات الخارجية في حزب الله، وهذا منصب لا يُستهان به مبدئياً، ويدل على رغبة في الحوار ليس مع الجهات الاهلية والعربية فقط، بل مع العالم أجمع. لكنّ هذه "المهمة" التي تنكّبها الموسوي لم تؤت ثماراً بل ظلت شكلية، فعقيدة حزب الله حالت دون توسع هذه العلاقات وقصرتها على جهات صديقة و"رفيقة".
غير ان نواف الموسوي ظل يُنظر اليه بصفته حزبياً مثقفاً، ضليعاً في الفكر الإسلامي والفلسفة والصوفية، وقد منحته ترجمته للمستشرق الفرنسي كوربان وتعمقه في فلسفته بعداً فكرياً، فهذا الفيلسوف والمؤرخ والاكاديمي الذي تخرجت على يديه دفعة من وجوه الاستشراق الحديث، كان واحداً من رواد الحوار بين الإسلام والغرب، وبين الفكر الشرقي والفكر الغربي، وقد جمع بين السهروردي وابن عربي وصدر الدين الشيرازي وسواهم من المتصوفة والفلاسفة، وفتح أمام الدارسين الغربيين أبواباً عدة للدخول إلى رحاب الفكر الإسلامي. وبينما كان مفترضاً أن يحافظ الموسوي على هذا البعد الفلسفي والإنسانوي الذي اكتسبه من كوربان، راح يميل إلى الأيديولوجيا العقائدية شبه المغلقة، وإلى الإلتزام الحزبي الضيق والموجّه. وعندما رشحه الحزب لخوض المعركة الانتخابية وأصبح نائبا في البرلمان اللبناني عن "كتلة الوفاء للمقاومة" راح "خطابه" السياسي يتبدل ويزداد راديكالية وطائفية ومذهبية، وبات يشبه سائر الحزبيين الذين لا يحيدون عن الخط المرسوم، مع أن الموسوي عضو في لجنة حقوق الانسان البرلمانية، ومن أهداف هذه اللجنة ترسيخ حقوق المواطنين في الرأي الحر والاختلاف والعيش الكريم... وعلى غرار النائب محمد رعد الذي وصف مرة بعضاً من أهل الثقافة والفن في لبنان ب"الفلتان" والخروج عن "الأخلاق" كما يفهمها هو، متوعدا إياهم بهزة إصبعه، سخر النائب الموسوي من المخرجة نادين لبكي عندما فازت بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان" السينمائي الفرنسي عن فيلمها "كفرناحوم"، وصرّح قائلاً وكأن الغيرة تفتك به: "بلا لبكي ولا وجع راس، وقت الجد ما في غير سلاح المقاومة بيحمي". وجاء كلامه في سياق الحملة التي قامت بها شاشة تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله على هذا الفوز اللبناني الفني.