تستخدم أوليفيا كوك الشتائم مثل بحار سكّير. تتردد كلمة "تباً" بكثافة خلال مكالمتنا عبر تطبيق زوم، ومع ذلك تتمتع الممثلة بهيئة ملائكية للغاية، لدرجة أنكم لا تتخيلون أبداً أنها فتاة من مدينة مانشستر الإنجليزية "سليطة اللسان". إنها ترتدي فستاناً وردياً مزركشاً بأكمام فضفاضة وياقة عريضة مكشكشة، وشعرها مسرح الى الخلف ما عدا بعض الخصلات المجعدة التي ظلت منسدلة حول وجهها لتبرز ملامحها المميزة، عينان واسعتان فضوليتان.
يحب المخرجون أن تركز عدساتهم على وجهها فقط، وتحديداً عينيها، سواء كان الخوف يغمرهما كما في فيلم الرعب المثير "الهادئون" The Quiet Ones عام 2014، أم كانتا في حركة سخرية شبه دائمة كما في فيلم "أنا وإيرل والفتاة المحتضرة" Me and Earl and the Dying Girl الذي فاز بجائزة مهرجان صندانس لعام 2015. كما أن عينيها كانتا فارغتين بشكل ينذر بالسوء عندما لعبت دور فتاة ناشئة مختلة عقلياً في مواجهة فتاة ثرية تعاني اضطراباً اجتماعياً، جسدتها الممثلة آنيا تايلور جوي في فيلم "أصيلون" Thoroughbreds العام 2017، وكانتا تغمزان بنظرة شيطانية في دور عدوة البطلة في النسخة التي قدمتها القناة الثالثة البريطانية "آي تي في" لرواية "سوق الأضاليل" Vanity Fair.
ومن المؤكد أيضاً أنها ستستفيد من الحضور السينمائي لعينيها في دورها في مسلسل "منزل التنين" House of the Dragon المقبل الذي تدور أحداثه في الفترة السابقة لمسلسل "صراع العروش"Game of Thrones .
في العمل التالي الذي تشارك فيه الممثلة البالغة من العمر 27 عاماً، فيلم "صوت الميتال" Sound of Metal الحاصل على ترشيحات عدة لجوائز الأوسكار، لم تكن عينا كوك هي التي لفتت انتباهنا، لكن الحاجبان الكثان فوقهما وقد صبغتهما بلون شاحب من أجل أحدث أدوارها. تقول ضاحكة، "عدد التعليقات التي أثارها الحاجبان غير معقول"، لقد استعاد حاجباها منذ ذلك الحين لونهما البني، لكنها تفكر في صبغهما باللون الأشقر مرة أخرى في المستقبل.
يروي فيلم "صوت الميتال" قصة روبن، عازف طبل مبتدئ في مجال موسيقى الروك، يلعب دوره الممثل البريطاني ريز أحمد، يفقد سمعه بشكل كارثي من دون مقدمات. تؤدي كوك دور "لو" شريكته في الفن والحياة. عندما نتعرف على البطلين للمرة الأولى، كانا يشكلان ثنائياً غنائياً، ويقومان بإحياء حفلات موسيقية في أكثر حانات الجنوب إثارة.
إنهما يقضيان لياليهما وهما يصرخان عبر الميكروفونات وصباحاتهما نائمين تحت أشعة الشمس المتسلسلة إلى منزل متنقل أو "كرفان" حولاه إلى منزل لهما. عندما يصاب روبن بالصمم بشكل غير متوقع، يهتز الوجود الهش للزوجين بشدة. تؤدي كوك شخصية "لو" بشكل رائع، حيث تُظهر التنوع والضعف الذي قدمته سابقاً في أعمال درامية ذات موازنة محدودة، مثل فيلم "كيتي تقول وداعاً" Katie Says Goodbye عام 2016، الذي لعبت فيه دور نادلة في ريف أريزونا. كان بإمكانها خوض السباق نحو أوسكار أفضل ممثلة في دور مساند في التصفيات التي تجرى الشهر المقبل عن فيلم "صوت الميتال" لو كانت مساحة ظهورها في العمل أكبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على كل حال، فإن هذا الدور الغنائي كان تحدياً جديداً بالنسبة إليها. تتكلف كوك، التي استعانت بخبرتها التي اكتسبتها من دروس آلة الفلوت التي تلقتها في مرحلة الطفولة باعتبارها التجربة الموسيقية الحقيقية الوحيدة، بنظرة معذبة أمام الكاميرا. تقول، "ما أقصده هو أنك تعتقدين أنك طالما كنت قادرة على إقناع نفسك بأنها شخصية، فستكون الأمور على ما يرام، لكنني كنت أرتجف من رأسي حتى قدمي بسبب وقوفي على خشبة المسرح والصراخ بكل جوارحي".
ومع ذلك، فهي تعترف بحبها لـ "كاريوكي". تقول كوك إن اختيار الأغنية يعتمد على مدى استيائها، إذ تختار أغنية "توتال إكليبيس أوف ذا هارت" المؤثرة لبوني تايلر إذا كانت متألمة، وإن لم تكن كذلك فتفضل أغنية "آي بيت يو لوك غود أو ذا دانس فلور" لفرقة آركتيك مانكيز لموسيقى الروك. لكن أداءها الغنائي الضعيف ما كان سيساعدها في "صوت الميتال". ومن أجل السيطرة على توترها، خضعت الممثلة للتدريب على الأداء الصوتي مع المغنية مارغريت شاردايت، المعروف أيضاً باسمها الفني "فارماكون"، ذات الحنجرة القوية والأستاذة في مجال الموسيقى الصاخبة التي تؤديها شخصية كوك في الفيلم.
الضجيج الذي دار خلال موسم الجوائز حول أحدث أفلامها، جعل التعامل مع الممثلة على أنها تتمتع بمكانة نجمة سينمائية، لكنها لا تكترث لذلك.
لو كانت "كوك" ستزين الصفحات الأولى للصحف الشعبية وهي ترتدي قبعة بيسبول تخفي ملامحها بينما تأكل السلطة ككثير من النجمات الأخريات، لحدث هذا بعد الدور الرئيس الذي لعبته العام 2018 عندما قدمها ستيفن سبيلبيرغ كموهبة جديدة في الفيلم الترويجي "استعد أيها اللاعب الأول" Ready Player One، أو ربما خلال السنوات الخمس التي أمضتها في لعب دور الفتاة التي يعجب بها نورمان بيتس بشكل غريب في المسلسل الرائج جداً "نُزل بيتس" Bates Motel - الذي تدور أحداثه خلال فترة سابقة لأحداث فيلم "سايكو" Psychoالشهير لألفريد هيتشكوك، ومتوفر للمشاهدة في المملكة المتحدة عبر خدمة "بي بي سي آي بلاير".
تقول ملوحة بيدها، "وضعي الحالي جيد لأنني كنت أعمل بجد، لكنني لم أصل أبداً إلى مكانة المشاهير، وأنا سعيدة بذلك، فما زلت مجهولة تماماً لأنني لا أحضر كل تلك الحفلات". كوك وأصدقاؤها، الذين يعمل بعضهم في مجال التمثيل أيضاً، ليسوا من النوع الذي يحضر "حفلات الظهور السخيفة".
إذاً، لا عجب في أنها تشعر براحة أكثر في قطاع الأفلام المستقلة. تشعر بالاعتزاز عندما تفكر بقرار المشاركة في فيلم "صوت الميتال" Sound of Metal الذي "بدا أقرب ما يمكن إلى أسلوب تصوير الأفلام محدودة القدرات". تتذكر الحرارة الخانقة أثناء التصوير داخل الكرفان مع أحمد في عز الصيف. كان بإمكانهما إعادة تصوير المشاهد مرتين أو ثلاث مرات فقط. تهمس بطريقة ميلودرامية قائلة إن المخرج داريوس ماردير يصور فيلماً "باهظ الكلفة للغاية".
في عيد ميلاد كوك، قدمت لها والدتها مجموعة كبيرة من مقاطع الفيديو القديمة المصورة في المنزل كهدية. تقول ويبدو الإحراج عليها، "يا إلهي، كنت أرسم تعابير سخيفة على وجهي في كل لحظة كانت الكاميرا موجهة نحوي". يمكن مشاهدة أحد هذه المقاطع على حسابها على "إنستغرام"، حيث تظهر فيه كوك الصغيرة جداً وهي تصرخ خلف زجاجة ويسكي مغطاة". تقول، "أعتقد أني كنت أحاول فقط إضحاك الجميع وإمتاعهم". وتضيف أن هذه ربما كانت البداية التي دفعتها لاحتراف التمثيل.
لم يكن الطريق الذي سلكته كوك الطريق المعتاد لدخول عالم التمثيل، إذ لم تكن أمها مصرة على ذلك ولم تدرس في معاهد تعليم الدارما المرموقة. بدلاً من ذلك، تركت المدرسة الحكومية في منطقة أولدهام Oldham بسبب الفرصة الكبيرة التي حصلت عليها العام 2012 في المسلسل الدارمي "غيبوبة" Blackout من إنتاج "بي بي سي".
لعب كريستوفر إكليستون دور والدها. في وقت لاحق، وفي الشهر نفسه الذي تلقت فيه رسالة رفض من الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، حصلت كوك على أول دور سينمائي لها في فيلم "الهادئون" The Quiet Ones. وبعد مشاركتها في الموسم الأول من "نزل بيتس" Bates Motel عام 2013، كانت هناك مواسم أربعة أخرى، إضافة إلى سلسلة من الأدوار في الأعمال الأميركية التي أبقتها في الولايات المتحدة.
عادت الممثلة إلى المملكة المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي. كانت تحن إلى مطاعم السمك المقلي والجعة اللذيذة واليخنات التي تطبخها والدتها ووجبات الشواء التقليدي أيام الأحد. تخبرني، "يقول الجميع إن الطعام هنا رديء لكنني اشتقت إليه". لكن أكثر ما اشتاقت إليه كوك هو برامج التلفزيون المحلية مثل "غوغل بوكس" Gogglebox "لوف آيلاند" و "ساترداي نايت تيكاوي" وذلك الشعور النابع من كونك "جزءاً من مشاهدي التلفزيون على مستوى الوطن". تقول شارحة كيف أن "هذه الثقافة غير موجودة في أميركا". تتحرك خصلات شعرها حول صدغيها وهي تضحك على نفسها لأنها جمعت بين "غوغل بوكس" و"الثقافة" في جملة واحدة.
بعد ذلك، تتحدث الممثلة بنبرة أكثر جدية وتقول، "شعرت أيضاً أنني فقدت جزءاً من شخصيتي لم يظهر هناك حقاً". في الواقع، من الصعب تخيل وقع حس الفكاهة البريطاني المتشائم على الجماهير الأميركية، كما أن كوك كانت تفتقد خلال فترة وجودها خارج الوطن إلى "المزاح مع بعضنا من دون الشعور بالإهانة".
ومع ذلك، كانت هناك مزايا لبدء حياتها المهنية في الولايات المتحدة. لم أعانِ من مشكلة وضعي في زاوية معينة "لأنني من الطبقة العاملة أو بسبب لكنتي، لأن الناس كانوا يرونني امرأة إنجليزية وحسب". وتضحك قبل أن تضيف، "لقد ذكرت هذا في السابق وبطريقة ما فُهم أنني لم أتمكن من الحصول على عمل في المملكة المتحدة، وهذا ليس صحيحاً، لكني أتساءل عما إذا كانت لكنتي الشمالية وقفت في طريقي أو أن هناك كثيرين مثلي هنا".
التعامل مع الشهرة يعد أمراً صعباً بالنسبة إلى أي ممثلة شابة، ويفترض أن يكون الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لشخص يتمتع بصراحة كوك. عندما تنسى التحلي بالرزانة، وهو أمر يحدث من حين لآخر، يمكنكم تخيل أنها فتاة قابلتموها في حمامات النادي الليلي ورحتم تتبادلون بعض القصص من حياتكم قبل أن تفترقوا إلى الأبد. تقول بأسلوب مسرحي ساخر، "هناك كثير من الأشياء التي قلتها في المقابلات، وعندما أفكر فيها الآن أقول اللعنة، كان علي كبح لساني!"، مضيفة أنها لن تكررها الآن خوفاً من زيادة الإحراج.
تقول، "في بعض الأوقات كنت ساخطة حقاً حول أمر ما كانت تتم إثارته باستمرار، وبالتالي أقول شيئاً مثيراً للاشمئزاز فعلاً كي أنهي الحديث، ويتحول هذا الشيء المقزز الذي قلته طبعاً إلى عنوان رئيس لاحقاً". تحرك عينيها بسخرية، لكن نبرة صوتها تعكس انزعاجاً صادقاً، وتضيف، "أنت تتعلمين بسرعة كيفية التعامل بحذر مع هذه الأشياء".
لقد تعلمت كوك أشياء أخرى أيضاً، بما فيها مدى أهمية العمل مع أشخاص "تحبينهم بالفعل"، لكنها لم تذكر أي أسماء، وأنها أيضاً في الواقع تجيد ما تقوم به. لقد احتاجت لعقد من الزمن فقط كي تدرك ذلك. "أن تقولي إنك بارعة في شيء ما لا يعني نهاية العالم . ينتابني شعور غريب جداً عندما أقول ذلك لكوني شمالية، فنحن الشماليون نعتقد دائماً أننا فاشلون في كل شيء".
في حين ينظر إلى العام الماضي على أنه كان جافاً سينمائياً، إلا أنه كان جيداً بالنسبة لكوك، ففي أكتوبر (تشرين الأول)، لعبت دور "بيكسي" في مسلسل الجريمة الإيرلندي الذي يحمل عنوانه اسم بطلته Pixie. وتقدم الآن في "صوت الميتال" أداء مؤثراً لا يقل عن أداء "أحمد" شريكها في البطولة الذي حصل على ترشيح لجائزة الأوسكار.
بعد ذلك، ستلعب دور البطولة في دراما الخيال العلمي "سمكة صغيرة" Little Fish كشابة في علاقة تعاني من فيروس يمحو الذاكرة، ولاحقاً ستجسد شخصية جاسوسة شابة إلى جانب كريستين سكوت توماس، غاري أولدمان وجوناثان برايس في معالجة تلفزيونية تنتجها خدمة "آبل تي في" لروايات "الحصان البطيء" للكاتب ميك هيرون، إضافة إلى دورها في مسلسل "منزل التنين"، أحد أكثر العروض المنتظرة بفارغ الصبر.
تقول كوك بنبرة متأملة في محاولة لتذكير نفسها، "الحمد لله أنا في مكان لم يعد يهمني ما يقدمه الآخرون بعد الآن. أنت تقومين بعمل رائع ولا فائدة من التحسر على الأشياء التي لم تحصلي عليها أو الأدوار التي رفضتها". تقول لي إنها سعيدة، قبل أن تطلق ضحكة تناقض نفسها وتردف، "لمرة واحدة".
(يتوفر فيلم "صوت الميتال" عبر خدمة أمازون برايم فيديو اعتباراً من 12 أبريل (نيسان) ويعرض في دور السينما بدءاً من 17 مايو)
© The Independent