اضطربت العلاقة بين موسكو وأنقرة في الآونة الأخيرة على خلفية قصف روسي لمواقع في شمال غربي سوريا في 21 مارس (آذار) الجاري عبر غارات استهدفت منطقة باب الهوى مع تركيا وبلدة سرمدا في إدلب، ومناطق على امتداد طريق (M4)، تلاه استهداف لمستشفى الأتارب، بريف حلب والواقعة ضمن منطقة خفض التصعيد.
استياء أنقرة العارم من تلك الغارات دفع بها إلى استدعاء السفير الروسي، أليكسي يرهوف وناقشت الخارجية معه اعتراض بلادها على الهجمات، وإخلال بلاده بالتفاهمات، في المقابل وضعت وزارة الدفاع التركية قواتها في حالة تأهب للرد على أي هجوم مماثل في المستقبل وفق بيان لها.
الحرب ووقف التصعيد
وعلى الرغم من سير الدولتين على مسار متوازن لضبط إيقاع النزاع المسلح المتأججّ في شمال سوريا يعتقد المتابعون للشأن السوري بأن الضربات المفاجئة مثّلت بالتأكيد صفعة من القياصرة لحليف ودود منذ الحقبة العثمانية إلى اليوم، على الرغم من كل التجاذبات وتأرجح العلاقة بين مد وجذر تاريخياً.
وتدور أحاديث عن خلافات بين الحليفين في سوريا، وتهيئ إلى انفجار في أية لحظة بحسب صحيفة "كوميرسانت" الروسية مع توقعات بتعطيل الاتفاقية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان بخصوص سوريا، بعد ما اتهمت الفصائل المعارضة روسيا وقوات النظام السوري بقصفها إدلب، بينما تتظاهر موسكو بعلاقة مستقرة مع نظيرتها على رغم وجود صعوبات تهدد مستقبل العلاقات الثنائية.
وكما يرى مراقبون أن واقع الحال يشي بترتيب جديد للأوراق قد تصل لدرجة الإطاحة بالتفاهمات بين الدولتين، بينما يعتقد المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو استدعاء السفير الروسي لإسباغ الصبغة السياسية للاتفاقات بين الدولتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إنه لم يعد اتفاق خفض التصعيد وفتح المعابر ميدانياً أو شبه عسكري بل تعدّاه إلى المرحلة السياسية ولإدراجه على المستوى العالمي وليس فقط على مستوى الجانبين.
وفيما يعتبر المحلل السياسي أوغلو، في معرض تعليقه حول التوتر الدبلوماسي الأخير، بأنه لن يصل بواقع الحال إلى قطع حبل الوصال والوفاق بينهما بل اليوم "يبقى التفاهم الروسي والتركي حاضراً، ولن يتغير بل هناك محاولة لتحسين الأمور ربما لأن المثال الحاصل في ليبيا يُحوّل بشكل شبه رسمي على القضية السورية، إلا أن المسألة في سوريا تعد أكثر تعقيداً".
(الممرات الإنسانية) مخرج الأزمة!
في غضون توتر يخيم بين الجانبين على الأرض السورية، وافقت تركيا على طلب روسيا بفتح ثلاثة معابر في إدلب وحلب اعتباراً من 25 مارس الجاري.
ووفق بيان صحافي لنائب مدير مركز حميميم للمصالحة، اللواء البحري ألكسندر كاربوف قد أعلم الجانب التركي عن أوضاع إنسانية صعبة تحيط بالمدنيين، وعليه فتحت ممرات (سراقب وميزناز) في إدلب وممر واحد أبو زيدرين في حلب.
وترى أوساط محايدة أن فتح الممرات الإنسانية تأتي نتيجة لاستدعاء السفير الروسي، وبعد توتر شاب العلاقة أسفر بالنتيجة عن نافذة ليتنفس الطرفان الصعداء قبل أي اشتباك عسكري محتمل، لا سيما تأهب الجيش التركي للرد المحتمل على الروس أو قوات النظام في منطقة خفض التصعيد.
المعابر بين القبول والرفض
من جانبه، أعلن محافظ إدلب محمد نتوف عن وجود تنسيق مع الروس لمساعدة إخراج الأهالي من مناطق سيطرة ما وصفهم بالمجموعات الإرهابية وعودتهم إلى حضن الدولة، بحسب تصريح لوكالة الأنباء الرسمية "سانا"، ونقلهم إلى حماة وسط البلاد، بالمقابل أطلق ناشطون معارضون وسم (لا لمعابر مع النظام) رداً على المقترح المقدم من روسيا لتركيا.
من جهته، يقلل أوغلو من خطر انفجار الأوضاع عسكرياً "الاتفاقيات والتفاهمات موجودة، وهذا الاعتراض التركي يندرج ضمن التفاهمات من قبل، ومن جهة أن روسيا طالبت بفتح المعابر الإنسانية وهي ضمن الاتفاقية التي حصلت قبل سنة، وهذا حقها".
نزع فتيل الحرب
ويعتقد أوغلو أن تركيا ستلتزم مع روسيا بالاتفاقية قائلاً "لا يستطيع الروس في سوريا فتح معابر من طرف الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية لأنه بالأصل لا يوجد حوار بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية"، ربما تنسيق ببعض الأمور وليست موسكو قادرة على أن تفرض شيئاً على أميركا ولا حتى أن تقصف أي موقع، بحسب قوله.
ومع ذلك يعتقد فريق سوري أن فتح المعابر والممرات الإنسانية يعني بأي حال من الأحوال وجود اشتباك قادم يلوح في الأفق، لا سيما إصرار دمشق على إعادة الأراضي إلى سيطرتها بما بقي منها في إدلب أو الاتجاه نحو الشمال الشرقي للبلاد والتي تعدّ غلّة البلاد النفطية والغذائية.
إلا أن المصالح المشتركة بين البلدين تجعلهما يمعنان النظر بالتريث في إشعال فتيل الحرب بينهما، وعدم الإطاحة بمنطقة خفض التصعيد في عام 2019 والابن الشرعي لمسار أستانا وتموضع 12 نقطة مراقبة، والتي عرفت بمنطقة "بوتين أردوغان" وباتت ملاذاً لملايين المعارضين للسلطة، فراراً من المعارك في الشمال السوري.