في خطوة اعتبرتها فلسطين بوابة لردع المجرمين ورفضتها إسرائيل، وصل المسار الذي بدأته دولة فلسطين قبل نحو سبع سنوات إلى محطة نوعية على طريق "تحقيق العدالة "عبر المحكمة الجنائية الدولية، إلى أن أعلنت الأخيرة بدء تحقيق رسمي في ارتكاب جرائم محتملة في الأراضي الفلسطينية.
وبدأت رحلة دولة فلسطين على طريق المحكمة الجنائية بتوقيع الرئيس في أواخر عام 2014 على "ميثاق روما" المؤسس للمحكمة بعد الفشل في المفاوضات مع إسرائيل، وإصرارها على مواصلة الاستيطان وهدم المنازل.
وبعد انضمام فلسطين إلى ميثاق روما رسمياً عام 2015، طلبت من المحكمة الجنائية التحقيق في "ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" خلال الحرب على غزة عام 2014، والاستيطان والتهجير القسري للمدنيين، وقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2014، قررت المدعية العامة للمحكمة فاتوا بنسودا البدء "بدراسة أولية للحالة في فلسطين"، قبل أن تتوصل في نهاية عام 2019 إلى "وجود جرائم حرب، وما زالت ترتكب في الأراضي الفلسطينية".
لكن بنسودا وقبل فتح تحقيق رسمي في تلك الجرائم، طلبت من الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية تأكيد ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية، وهو ما حسمته الشهر الماضي باعتبار دولة فلسطين عضواً في ميثاق روما الأساسي.
وفي خطوة جاءت بعد طول انتظار، أعلنت بنسودا الأربعاء الماضي فتح الادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً رسمياً في الجرائم التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية منذ منتصف يونيو (حزيران) عام 2014.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعهدت بنسودا بإجراء التحقيق "بشكل مستقل وحيادي وموضوعي دون خوف أومحاباة، من أجل إثبات الحقيقة"، مشيرة إلى أن مكتبها "سيحدد الأولويات المتعلقة بالتحقيق في الوقت المناسب، في ضوء التحديات المتعلقة بجائجة كورونا، وقلة الموارد المتاحة، وعبء العمل الثقيل المطلوب من المحكمة إنجازه".
وأكدت المدعية العامة للمحكمة الجنائية، أن ميثاق روما الأساسي يُلزم مكتب الادعاء العام للمحكمة بفتح تحقيق إذا أحالت أي دولة عضو في الميثاق قضية إلى المكتب، ووجود أساس منطقي لبدء التحقيق".
وشددت بنسودا على أن "الهم الأساسي يجب أن يكون ضحايا الجرائم من الفلسطينيين والإسرائيليين، الناشئة من الدائرة طويلة الأمد من العنف".
تحقيق العدالة
في المقابل، علقت الخارجية الفلسطينية على فتح التحقيق أنها "خطوة طال انتظارها، وتخدم مسعى فلسطين الدؤوب لتحقيق العدالة والمساءلة كأساسات لا غنى عنها للسلام"، مضيفة أن "مكافحة الإفلات من العقاب، وردع مرتكبي هذه الجرائم يتطلب إجراء التحقيق بشكل سريع، وذلك لأن الجرائم التي يرتكبها قادة الاحتلال الإسرائيلي مستمرة وممنهجة وواسعة النطاق".
وتعهدت الخارجية بالاستمرار في "تعاونها التام والاستعداد لتقديم أي مساعدة مطلوبة تنفيذاً لالتزاماتها كدولة طرف في ميثاق روما، بما يخدم تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني".
لكن إسرائيل رفضت تلك الخطوة، واعتبرتها "خلاصة لمعاداة السامية والنفاق" بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تعهد بالعمل على إلغائها، مضيفاً أن "دولة إسرائيل تتعرض لهجوم".
وتسود في إسرائيل حالة من الخوف من قرار المحكمة الجنائية، فقد قال وزير الدفاع بيني غانتس، إن مئات الإسرائيليين بمن فيهم هو نفسه "قد يخضعون لتحقيقات في جرائم حرب"، متوقعاً اعتقال مئات الإسرائيليين إذا استمر التحقيق، لكنه تعهد بحماية هؤلاء الإسرائيليين.
ومع أن حركة حماس متهمة بارتكاب جرائم خلال حرب 2014 عبر إطلاقها صواريخ على تجمعات مدنية إسرائيلية في محيط قطاع غزة، وإعدامها متهمين بالعمالة لإسرائيل، لكن الحركة رحبت بفتح التحقيق باعتباره "خطوة إلى الأمام في سبيل تحقيق العدالة"، ودافعت عن أفعالها بوصفها "مقاومة مشروعة".
جرائم حرب
وبهدف قطع الطريق على تحقيق المحكمة الجنائية الدولية مع فلسطينيين متهمين بارتكاب جرائم حرب، يتوجب على السلطة تبني ميثاق روما في قانون العقوبات الفلسطيني، وبدء تحقيق رسمي مع المتهمين بعد توحيد القضاء في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان، وعضو اللجنة الوطنية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية شعوان جبارين.
وعلى الرغم من تقديم الفلسطينيين معلومات بشأن "جرائم إسرائيل من قتل للمدنيين، ونقل للإسرائيليين إلى الضفة الغربية، وتهجير قسري للفلسطينيين منها (الاستيطان)، فإن تلك المعلومات غير كافية، ويتطلب توفير معلومات موثقة ومحددة عن تلك الجرائم" بحسب جبارين.
وتوقع مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين لكن "ليس خلال أسابيع أو أشهر"، مضيفاً أن "محققي المحكمة سيعكفون على دراسة وطلب معلومات في الملفات التي سيحققون فيها وهو ما يتطلب من الفلسطينيين العمل بشكل منظم، والاستعانة بخبراء في القانون الجنائي الدولي".
وشدد جبارين أن ملف الاستيطان هو الأسهل أمام محققي المحكمة الجنائية باعتباره "جريمة حرب وفق ميثاق روما، بسبب ما يشكله من تهجير قسري ونقل للسكان من دولة الاحتلال إلى الإقليم المحتل".
وعن إمكانية تراجع السلطة الفلسطينية عن ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين بسبب ضغوط أو مغريات أميركية، أوضح أنه "لا مجال للمقايضة السياسية لأن قطار التحقيق انطلق"، مشيراً إلى أنه في حال عدم اهتمام السلطة الفلسطينية، فإن ذلك يدل على عدم وجود إرادة سياسية للاستمرار في التحقيق، بالتالي يوقف بقرار من المحكمة الجنائية الدولية.