في ظل اتجاه القوات المسلحة العربية الليبية، بقيادة المشير خليفة حفتر، إلى الاستمرار في عملياتها القتالية، وإمكان تحوّل خططها إلى شكل جديد من الهجوم، وفق ما صرّح به المتحدث الرسمي باسم قيادتها العامة أحمد المسماري، الاثنين، متحدثاً عن "بدء النسق الثاني لمعركة طرابلس" بعد إنجاز المرحلة الأولى، تبدو حكومة الوفاق في طرابلس، بقيادة فايز السراج، التي تقاتل تحت رايتها مجموعة من الميليشيات المختلفة في توجهاتها، كأنها تعيش عزلة دولية. فتصريحات السراج تشير إلى سخطه من مواقف داعمي الحكومة الدوليين. وتذهب تصريحات محمد العماري، نائب المجلس الرئاسي للحكومة، إلى اتهام الأمم المتحدة بالتغاضي عما يحدث في طرابلس وتغييب الحقائق.
سخط حكومة السراج
عبّر السراج في عدد من اللقاءات والبيانات، أخيراً، عن أسفه لـ "حالة الجمود التي يعيشها مجلس الأمن، وعدم توافق أعضائه تجاه الأحداث في العاصمة طرابلس". ولم يتوقّف أسف السراج عند هذا الحد، بل انتقد موقف داعميه الدوليين، محذراً من أن "الانقسامات الدولية قد تؤدي إلى إعادة سيناريو العام 2011، الذي تخلى فيه المجتمع الدولي عن ليبيا".
ويعتبر مراقبون للشأن الليبي أن لجوء الحكومة إلى مجلس الأمن أكثر من مرة، وآخرها مطالبته بإرسال لجنة دولية لتقصّي الحقائق، يشير إلى الارتباك الكبير الذي تعيشه بالتزامن مع "غياب" حلفائها السابقين، لا سيما إيطاليا، التي صرحت بأنها تملك قوة عسكرية في مصراتة قوامها 200 جندي. لكن زيارة نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق إلى روما، الأسبوع قبل الماضي، ولقاءه وزير الخارجية إينزو ميلانيزي لم تأتِ بنتائج تذكر.
وتشير تصريحات العماري، إلى قناة محلية ليبية، مساء الاثنين، إلى استمرار السخط الواضح في خطابات مسؤولي الحكومة تجاه الموقف الدولي. إذ اتهم العماري البعثة الأممية في ليبيا بالتغاضي عما يحدث في العاصمة، وأن المبعوث الأممي غسان سلامة كان "شاهداً على الهجوم على طرابلس" من دون أن يأخذ موقفاً واضحاً. وطالبه بالكشف "عن فحوى إحاطته الأخيرة أمام جلسة مجلس الأمن"، مهدّداً بأن "حكومة الوفاق تملك تفاصيل الإحاطة كافة".
واعتبر العماري أن البعثة لم تنقل بـ "شكل واضح وشفاف ومعلن ما تُبلّغ به من قبل المجلس الرئاسي". وانتقد موقف الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي "الصامت" عما يجري في العاصمة.
ووجه نقد الحكومة إلى فرنساً أيضاً. فبعد ما اعتبره مراقبون بأنه "زلة لسان" للمتحدث باسم القيادة العامة أحمد المسماري، الذي أشار إلى مشاركة "طيران صديق" في قصف مواقع في طرابلس، أعلن وزير داخلية الحكومة فتحي باشاغا تجميد اتفاقيات التعاون الأمني مع فرنسا.
وعلى الرغم من إعلان الرئاسة الفرنسية عن اتصال هاتفي أجراه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بالسراج، أكد فيه استمرار اعترافه بحكومة الوفاق حكومة شرعية في البلاد، إلا أن السراج يصف الموقف الفرنسي بـ "المزدوج". وخلال مقابلة صحافية مع "اللوموند" الفرنسية، في 20 أبريل (نيسان)، قال إن "فرنسا بلا شك تعترف بحكومة الوفاق بدعم من المجتمع الدولي، لكنها أيضاً تقدم الدعم للمشير خليفة حفتر، مع دول أخرى".
أوراق المهاجرين والنفط
سعت الحكومة، خلال الفترة الماضية، إلى التلويح بأوراق ضغط على حكومات العالم لتغيير مواقفها من خلال التهديد بورقتَي الهجرة والنفط. فالشواطئ الليبية، لا سيما الجزء الغربي منها، تشكل مصدر قلق لدول أوروبية عديدة. لذا، حذّر السراج من "تدفّق أكثر من 800 ألف مهاجر إلى الدول الأوروبية، بسبب الفوضى التي قد تعيشها البلاد جراء حملة حفتر العسكرية على طرابلس". كما حذر من تأثير استمرار النزاع في أسعار النفط في العالم. وقال خلال رسالة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، مساء الأحد الماضي، تعليقاً على الاتصال الهاتفي الذي بحث فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع حفتر "مكافحة الإرهاب وتأمين المصادر النفطية الليبية ورؤيتهما المشتركة لتحويل ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر"، إن "أسعار النفط ترتفع دائماً، حين تشهد دول مصدّرة له اضطرابات، كما يجري حالياً في ليبيا".
مساع للخروج من العزلة
تظهر تصريحات مسؤولي الحكومة توجهاً آخر نحو الخروج من العزلة. إذ جهزت الحكومة حوالي 17 مبعوثاً لـ "بيان وجهة نظر الدولة الليبية من العدوان على طرابلس"، وفق العماري. كما عكس حديث السراج مع "اللوموند" إمكان "تصحيح العلاقة مع فرنسا، إذا اتخذت الموقف الصحيح". وبينما يبدو أنه محرج من قرار وزير الداخلية وقف التعاون الأمني مع فرنسا، قال إن "ما نعيشه مع فرنسا ليس أكثر من أزمة في علاقاتنا. أعتقد أننا نستطيع التغلب عليها".
ولا يعتبر السراج الاتصال المباشر بين ترمب وحفتر "دعماً أميركياً لحفتر". وقال "موقف الولايات المتحدة من الحرب ضد الإرهاب واضح"، مشيراً إلى أن موقف واشنطن من الحرب على طرابلس أوضحه تصريح سابق لوزير الخارجية مايك بومبيو دعا إلى وقف إطلاق النار وانسحاب قوات الجيش التابع للقيادة العامة إلى ما قبل الوضع الراهن.
مأزق الحكومة
لكن مراقبين ليبيين اعتبروا أن أزمة الحكومة تتجاوز شرعية عملية الجيش الوطني على طرابلس. ويرى منصور سلامة، رئيس الجمعية الليبية لدراسة السياسات، أن "أزمتها في شكل القوات وطبيعتها اللذين أمداها بالشرعية وتقاتلان قوات الجيش الآن"، مشيراً إلى أن قرار السراج شرعنة كل المليشيات وخلطها مع بعضها بعضاً كان "خطأ إستراتيجياً قضى على الحكومة".
ويضيف سلامة أن "العالم كان ينظر بعين الاحترام إلى قوات البنيان المرصوص، التي طردت داعش من سرت. لكن اليوم لا أعتقد أن العالم يستطيع التمييز. فإلى جانب البنيان المرصوص، هناك عشرات المقاتلين المطلوبين دولياً". ويسأل "كيف ستبرّر الحكومة وجود صلاح بادي وأحمد العمو وإبراهيم الجضران، الذين ظهروا بين قوات الحكومة في طرابلس، وهم مدرجون على قوائم العقوبات الدولية".
ويشير سلامة إلى أنه "لو توقفت الحرب وانسحب الجيش بقرار دولي، كيف سيكون وضع طرابلس في ظل الميليشيات المختلفة التي كانت إلى وقت قريب تتصارع وسط العاصمة؟ بكل تأكيد ستتحوّل العاصمة إلى بركة دماء كبيرة، فكل ميليشيا ستطلب نصيبها من طرابلس ولن يستطيع السراج منعها. ويرجّح أن تكون مآلات الأوضاع في طرابلس، إذا انسحب الجيش، السبب الرئيس في الانقسام الدولي، وفي ميل الموقف الأميركي إلى الجيش".