Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحولات ديموغرافية في العراق يعززها "الاستقرار المديد"

أحوال النازحين في الداخل وتحذيرات من حالات النزوح المستمر وتحديداً في الإقليم 

جانب من حفل افتتاح مدرسة كاظمة للطلبة العراقيين النازحين الى اربيل (وكالة كونا الكويتية)

تلاشت كل الآمال بوعود الحكومة العراقية بوضع حلول سياسية واقتصادية وتنموية واستجابات بيروقراطية سريعة، تضع حداً لما تُعانيه المناطق المُدمّرة في العراق، أي المُحافظات الخمس الوسطى والغربية. تلك السياسات الحكومية التي كان يُعول عليها لأن تُشجع وتُعيد قُرابة مليوني نازح ولاجئ من هذه المناطق، طواعية إلى بيئتهم التي نزحوا منها، لكنهم لا يزالون يعيشون مُنذ حوالي خمس سنوات، خارج مناطقهم المُدمرة، التي خضعت لسيطرة داعش مُنذ يونيو (حزيران) من العام 2014. وأضحت تلك المناطق ساحة حرب شرسة طوال أعوام، انتهت في أواخر العام 2017. ومع تلاشي المعارك يبدو أن ملايين النازحين من هذه المناطق سيدخلون في طور استقرار مديد.

تقرير دولي متشائم
التقرير الأخير الذي أصدرته المنظمة الدولية للهجرة في العراق، تضمن نتائج مُتشائمة بشأن أحوال النازحين الداخلين من هذه المناطق، وخطط استقرارهم المُستقبلية. تقول أرقام الدراسة "إن قرابة 1.7 ملايين عراقي من أبناء هذه المناطق، لا يزالون في حالة نزوح داخلية، 41 في المئة منهم نازحون داخليون في هذه المناطق نفسها،  ضمن المُحافظة، يعيش غالبيتهم في المُخيمات التي صُممت داخل المُحافظات في الفترات الأولى من تمدد تنظيم داعش. أما الباقون فيعيشون خارج تلك المناطق، وتحديداً في إقليم كُردستان العراق، الذي تمتد مناطقه على شكل قوس طويل مُحيط بتلك المناطق التي نزح منها هؤلاء.
ويؤكد التقرير أن ثُلثي هؤلاء يُصنّفون في خانة "النازحين الذين طال أمد نزوحهم"، باعتبار أن مُدة نزوحهم تخطت الثلاث سنوات، ولا يخططون في الأفق المنظور للعودة الطوعية العاجلة، أقله خلال سنة. وحصلت المُنظمة على هذه الأرقام من خلال رصدها سلوك كتلة النازحين طوال عام كامل، إذ لم يُغير سوى 15 في المئة منهم أماكن سكنهمىإلى مناطق أخرى.

تأثيرات ديموغرافية
التقرير الدولي هذا لم يعرض التأثيرات البُنيوية التي يُمكن أن يُحدثها هذا الاستقرار المديد لملايين النازحين، ومدى تأثيرهم في الحساسيات والحسابات الداخلية العراقية.
فبقاؤهم يعني أن المناطق الوسطى والغربية من العراق (العربية السُنية) قد خسرت ثُلث طاقتها الديموغرافية، تحديداً القوى الاجتماعية الأعلى في سلم الرأسمال الاجتماعي. وغالبية هؤلاء النازحين من أبناء الطبقة الوسطى، ومن أبناء المُدن المُصنفين الأفضل تعليماً والأكثر حيوية وتنموياً.
وسيكون لبقائهم خارج بيئتهم تأثير مُستقبلي على متانة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في تلك المناطق، وبطبيعة الحال سيُغير نسبياً من الطبيعية الديموغرافية الطائفية لتلك المناطق، في وضع تستقر عشرات الآلاف من العائلات في تلك المناطق، من المُنتمين إلى فصائل الحشد الشعبي والقوى الأمنية العراقية المُستقدمة من مناطق أخرى من البِلاد.
وتيرة شبيهة بتلك ستحدث في مناطق استقرار هؤلاء النازحين، وتحديداً في إقليم كُردستان العراق، قوس جُغرافيا الأقليات الدينية والمذهبية الفاصل بين الإقليم والمُحافظات التي نزح منها هؤلاء.
هذا الوضع سيعني أن ثُلث سُكان إقليم كُردستان سيغدون من العرب، بعدما كانوا يُشكلون من قبل أقل من 5 في المئة. وهذا ما سيفرض تحولات سياسية وبيروقراطية وإدارية وتعليمية على مؤسسات الإقليم، التي يجب أن تكون مُراعية لهوية التشكيلات المُجتمعية بداخله.
كذلك فإنها ستؤثر في طبيعة قوس المناطق اليزيدية والمسيحية في تلك البيئة. فأبناء هاتين الطائفتين يستفيدون بشكل مُستمر من ظروف النزوح أو الهجرة الخارجية، التي تؤمنها بعض الدول، خصوصاً دول الاتحاد الأوربي، في وقت يستقر النازحون الداخليون في مناطقهم.

أسباب مُركبة
يعرض التقرير بشكل مُسهب الأسباب التي تمنع هؤلاء النازحين من العودة إلى مناطقهم، لكنه يُركز على حيز واحد فحسب، ويحرص على عدم المساس باللغة الرسمية التي تُحدد علاقة المُنظمات الدولية مع الحكومات المحلية. إذ يُصر على أن بقاء منازل النازحين مُدمرة من دون خُطط سريعة لإعادة بنائها، إنما يُشكل السبب الرئيس الأول لامتناع 52 في المئة من النازحين خارج المُخيمات، من العودة إلى مناطقهم، و38 في المئة من النازحين المُقيمين داخل المُخيمات. كما يعرض جُملة من التوصيات الرسمية للحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كُردستان العراق، لتفادي استمرار حالة النزوح المُستمرة هذه.
في هذا السياق، فإن التقرير لا يعرض الخشية الرهيبة لمئات آلاف النازحين من الأوضاع السياسية والأمنية في مناطقهم، حيث تُسيطر فصائل الحشد الشعبي على القطاعات السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية في تلك المناطق.

فبقاء تلك الفصائل إنما يُفقد هذه القواعد الاجتماعية الثقة بإمكان الاستقرار المديد لتلك المناطق، السياسي والاجتماعي والأمني. كذلك لا يعرض التقرير شعور النقمة الدفينة للنازحين، وذلك لعدم مُبالاة الحكومة المركزية والقوى السياسية المُمثلة لتلك المناطق، بوضع حلول سياسية دائمة لتلك المناطق، تتعلق بمكانة العرب السُنة ودورهم في الحياة العامة والقرار الاستراتيجي العراقي، ومدى تمتعهم بالحصانة والاستقرار و"القوة"، مثلما تتمتع الجماعتان الأهليتان التأسيسيتان العراقيتان، الشيعة والأكراد.
ويُلاحظ هؤلاء النازحون كيف أدت نتائج الانتخابات البرلمانية التي نظمت في مايو (أيار) من العام 2018 إلى فوز القوى السياسية التقليدية نفسها، وهذا ما عزز فكرة "استحالة اصلاح الأحوال الداخلية في البِلاد عبر الآليات والسياقات السياسية الدستورية التقليدية". ويلاحظ النازحون أيضاً كيف أن تفاقم التظاهرات الشعبية في مناطق جنوب العراق، كشفت مدى عجز مؤسسات الدولة العراقية عن تقديم أبسط الخدمات العامة، مثل توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، لسكان مدينة البصرة وباقي المدن الجنوبية، على الرغم من قوتها السياسية البالغة، فكيف بهذه المناطق المُدمرة، التي لا تحظى بقوة سياسية في المشهد العراقي.
ما يصح راهناً بحق النازحين الداخليين العراقيين، كان قد صح قبل سنوات بحق أبناء الأقليات الطائفية والدينية العراقية، أثناء سنوات الحرب الأهلية بين العام 2005 والعام 2009، حين غادر مئات الآلاف من المسيحيين والعرب السُنة العراقيين، العاصمة بغداد والمناطق الجنوبية، وكانوا يأملون عودة سريعة، لكن الأمل تبدد مع دخان الحروب.

المزيد من العالم العربي