تلعب المرأة دوراً كبيراً في منح الزخم لآليات الوصول إلى السلطة في صوماليلاند، ولم يكن مستغرباً دورها الكبير في الضغط على قيادات "الحركة الوطنية الصومالية" (SNM)، للإعلان عن تراجع المحمية البريطانية السابقة عن الوحدة مع الشطر الجنوبي، في 17 مايو (أيار) 1991. لكن على الرغم من دورها البارز في تحديد فوز المرشحين في انتخابات المجالس البلدية والتشريعية، فإنّ الواقع يثبت عجز المرأة عن إيصال بنات جنسها إلى تلك المقاعد، حيث يلعب صوتها دوراً كبيراً في تحديد من يشغلها. ويشكل ذلك معضلة حقيقية تواجه العديد من النساء ذوات الطموح السياسي، الراغبات في المشاركة في صنع القرار، عبر صناديق الاقتراع، وليس من خلال الطريقة التقليدية الممثَلة ببذل الجهد لإيصال شريك الحياة إلى السلطة، ليمكنها بالتالي من الحصول على القدر الذي تطمح إليه من التأثير في مجريات الأمور، وإن كان من خلف الستار.
نماذج مشرفة وتجارب مرّة
لم تكن المرأة في صوماليلاند يوماً بعيدة عن المساهمة في تقدم المجتمع، كما مارست أدواراً أقلّ إيجابية كونها جزءاً من مجتمع مثقل بالسلبيات، وتتعرض للكثير من الضغوط والاستغلال على الساحة السياسية في أحيان كثيرة. وألقت الممرضة هدى عثمان عبدي الضوء على ذلك بالقول إن "نساءً صوماليلانديات نجحن في تقديم الكثير والكثير لشعبهنّ، وقائمة الأسماء تطول، فهنالك من بذلن جهوداً مشكورة من خلال تقلدهنّ مناصب سياسية، كـ"أدنا آدن" أول وزير خارجية أنثى في صوماليلاند، والتي لا زالت تمارس دوراً تنموياً عبر مستشفاها لرعاية الأمهات الحوامل والأطفال، وهنالك البروفيسورة "سعدة مري" التي نجحت في وضع صوماليلاند على خريطة الاكتشافات الأثرية الدولية، و"شكري حرير" و"زهرة هلغن" وكثيرات غيرهنّ ممَن حملن السلاح في فترة مقاومة الحكم الدكتاتوري، وأدّينَ أدواراً كبيرة في التعريف بقضية صوماليلاند من خلال نشاطهنّ الإعلامي والثقافي". كذلك تحدثت عبدي عن "أدوار سلبية لعبتها بعض النسوة ممَن وصلن إلى مواقع حساسة ومؤثرة في صنع القرار"، وقالت "لا شك في أن قلة موارد الدولة وضعف الوعي الشعبي، يخلقان أجواء غير مواتية للكثيرات ممَن كرّسن جهودهنّ لتقديم خدمات قيّمة للوطن، من خلال ابتزازهنّ أو خلق أجواء شديدة السلبية والسمية حولهنّ، من قبل أولئك الذين يرغبون من الرجال في تحقيق مكاسب، عبر عرقلة الأعمال المفيدة للمجتمع مباشرةً، والتي تتم من دون المرور بدهاليز الفساد والمحسوبية، ولا يمكن استثناء بعض النسوة ممَن ألحقنَ، عبر أزواجهنّ أو من خلال المحسوبية، أضراراً كبيرة باقتصاد البلاد ومستوى معيشة المواطنين الفقراء".
ازدياد الوعي بقدرات المرأة في بيئة ذكورية
تزايدت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى منح دور أكبر للمرأة في المناصب التي يتم الوصول إليها عبر الانتخاب، كما صدرت دعوات وجهتها ناشطات نسويات إلى منح المرأة حصة في المجالس التشريعية والبلدية، بحيث تتنافس مع نظيراتها حصراً للوصول إليها. وأشارت الدكتورة إكرام عبدالرزاق حسن، الطبيبة المهتمة بقضايا المرأة، إلى تصاعد وجود المرأة على الساحة السياسية، قائلةً إن "حضور المرأة على الساحة السياسية في الصومال عموماً، على الرغم من كونه متواضعاً جداً، وعلى الرغم من أن أداءها السياسي غير بارز إلاّ في ما ندر، إلا أن الوعي لدور المرأة السياسي في ازدياد وهذا أمر مبشّر بالخير، ومع ذلك فأنا، مثل كثيرات، غير راضية عن الوضع الحالي لعلمي بوجود كفاءات نسائية وطنية مجتهدة، وعلى قدر عال من المهنية بخاصة من الجيل الجديد، إلا أنها تعزف عن الانخراط في الساحة السياسية بسبب الخوف من خذلان المجتمع لهنّ، وتعرّضهنّ للمضايقة في حالتَي الفوز أو الخسارة".
في السياق، أشار محمد محمود فوري، رائد الأعمال المقيم في مدينة هرجيسا (عاصمة صوماليالاند) أن "هنالك ما يمكن القيام به على الرغم من العقبات. المرأة على الساحة السياسية في صوماليلاند هي أشبه بالحاضرة الغائبة، على الرغم من أنها حظيت بالعديد من المناصب الإدارية والوزارية في السنوات الماضية، إلا أن دورها كان محجّماً الى حد ما لأسباب واضحة. واندفاع المرأة اليوم نحو المشاركة في الترشح للانتخابات المقبلة يُعتبَر خطوةً للقفز على العقبات التي لطالما اعترضت طريقها، وهو أمر طبيعي في ظل البيئة الذكورية المسيطرة على فكر المجتمع ذكوراً وإناثاً. ويمكنني القول إن تمكين المرأة من المناصب الحيوية في البلد سيعود بفائدة كبيرة، فالمرأة الصومالية تمتاز بالالتزام، وتميل إلى العدل، وتلك صفتان افتقدناهما كثيراً في مسؤولين من الرجال. وعلى الرغم من كل ما سبق فإنني أتوقع أن نسبة فوز المرأة في الانتخابات المقبلة ضئيلة جداً، ولا بأس فهذه ليست سوى البداية لمرحلة جديدة نرجو أن تكون مثمرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عقبات وتفاؤل
قلة عدد المرشحات للانتخابات البلدية والبرلمانية المفترض إجراؤها في مايو (أيار) المقبل، بحيث لا يتجاوز عددهنّ أصابع اليدين، تسببه عوامل عدة تتظافر لتحول دون ترشّح المرأة بالأساس، ناهيك عن ارتفاع حظوظها بالفوز في الانتخابات بمستويَيها. وفي هذا الصدد، صرّح نائب مدير "مركز هرجيسا للدراسات والبحوث" عبدالله شيخ عبد القادر إن "الحديث عن ترشّح المرأة يواجه معضلات عدة تحتاج إلى الكثير من العمل، ومرور فترة من الزمن لتنضج الأدوات التي يمكن أن تذلّلها. وتكمن تلك المعضلات أولاً في أن المجتمع البدوي الذي لا يزال يرى أن مسائل الحل والعقد، أو حتى مجرّد الإعلان عن القرارات في الشأن العام، يجب أن تكون في يد الرجل، مهما كان دور المرأة في صوغ تلك القرارات، فالمجتمع يعيش حالة من التناقض في فخره بإمكانات المرأة ومواهبها وعلمها، إلا أنه يتحفّظ على انتقال تأثيرها من دائرتها الاجتماعية الضيقة إلى الدائرة العامة. أما المعضلة الثانية فتتمثل في ندرة النساء المستقلات استقلالاً اقتصادياً يتيح لهنّ خوض حملات الترشّح، فغالبيتهنّ مدفوعات إلى العمل بهدف سدّ احتياجات الأسرة والأقربين، بحيث تتعرض للاستنزاف، ما يمنعها من تكوين قدرة مالية تتيح لها التضحية بجزء منها في سبيل الوصول إلى طموحها السياسي. أما المعضلة الثالثة فهي للأسف، عدم ثقة المرأة بنظيرتها، بحيث تنأى النسوة في أغلب الأحيان بأصواتهنّ عن المرشحات، وتتعمدن التصويت للرجل، باعتباره الأقدر على مواجهة خصومه السياسيين ومنافسي العشيرة القبليين". وأضاف عبد القادر واصفاً آلية عقد الصفقات السياسية في البلاد، أن "المشهد السياسي في الصومال عموماً، وليست صوماليلاند مستثناة منه، مبنيّ على تحالفات بين الذكور من عشائر معينة، تُعقَد ضمن مجالس مغلقة، في اجتماعات لساعات طويلة إن لم تكن لأيام، بهدف تقاسم الأدوار وتبادل المصالح، وبطبيعه الحال ليس للمرأة مكان فيها، لذلك يفضل الرجال استبعادها والاكتفاء بمنحها أدواراً صوَرية، لتشغل مقاعد بعينها بهدف تحجيم فصيل أو فئة ما، كان يمكن لساسته المخضرمين تحقيق مكاسب له من خلالها، وقد لا تكون مؤهلة أصلاً، أو ضعيفة الشخصية بحيث تُستتبع من قبل الأطراف الذكورية المهيمنة، وعلى الرغم من كل ذلك، فإنني لن أخفي تفاؤلي بالمستقبل، حيث تكون تحالفات مماثلة بين السيدات، تكسر احتكار السلطة وهيمنة الطغاة، لأن النساء هنّ مَن يهتممنَ حقاً بهذا الوطن الجميل".