أظهرت دراسة أجريت في المملكة المتحدة، أن المدن البريطانية التي يوجد فيها عدد أكبر من المهاجرين ومستويات عليا من التنوع السكاني، تنحو نحو تحقيق أداء اقتصادي أفضل بكثير من المناطق التي لديها عدد قليل من المهاجرين.
وكشف تحليل قامت به السلطات المحلية في كل من إنجلترا وويلز، وتمت مشاركته مع صحيفة "اندبندنت"، عن وجود ارتباط متين "بين الازدهار المتنامي والتنوع المتزايد"، بحيث إن المناطق التي لديها تنوع من حيث السكان، كان أداؤها أفضل، "بغض النظر إلى حد ما، عن المقياس الذي يُستخدم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشكل الدراسة التي أعدتها المجموعة الخيرية المناهضة للعنصرية "أمل لا كراهية" Hope Not Hate، تحدياً للتصورات السلبية عن مسألة الهجرة، وتخلص إلى أن "التنوع المتعاظم هو جزء لا يتجزأ من الازدهار المتزايد، وربما يساهم في الرخاء".
وتطرح الدراسة توصيات تتعلق بطريقة إدارة الحكومة البريطانية والمجالس المحلية التغيرات الديموغرافية، جنباً إلى جنب مع النمو الاقتصادي.
وقد تناولت الدراسة، التي شملت 285 منطقة تديرها مجالس محلية خارج المدن الكبرى في المملكة المتحدة، المؤشرات التالية: النمو الاقتصادي، وأسعار المنازل، وانخفاض معدلات الحرمان، وتوظيف العمالة، والأجور، وذلك في الفترة الممتدة ما بين عامي 2011 و2019.
ثم عملت على مقارنة هذه العوامل مع مقاييس مثل نسبة السكان، في تلك المناطق، الذين ولدوا خارج المملكة المتحدة، ونسبة آبائهم المولودين خارج البلاد، ومدى وجود سكان فيها لفترات قصيرة من الزمن، والمستوى المحلي للتراث الإثني البريطاني غير الأبيض في تلك المناطق.
البحث الذي تناول تلك النواحي، لم يشمل أحياء لندن ومناطق في مدن كبرى أخرى من المملكة المتحدة، لا بل على خلاف ذلك، فقد غطى اختيار الأماكن- 49 منطقة من أصل 53- في ما يسمى "الجدار الأحمر" (دوائر انتخابية في ميدلاندز ويوركشير وشمال شرقي ويلز وشمال إنجلترا، كانت تميل تاريخياً إلى دعم حزب العمال) لكن حزب "المحافظين" فاز بمقاعدها في انتخابات عام 2019.
جاءت النتائج ملفتة للنظر، فالمناطق الخمسون التي شهدت أعلى الارتفاعات في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام العشرة الأولى من القرن الحادي والعشرين، سجلت نمواً لمجتمعاتها من المولودين خارج المملكة المتحدة، بما يتجاوز ضعف وتيرة مناطق السلطات المحلية الخمسين التي شهدت أدنى ارتفاع في إجمالي الناتج المحلي.
وسُجلت نتائج مماثلة وفق مقاييس أخرى، فقد شهدت 50 مدينة- حققت أعلى زيادة في قيمة العقارات لديها- نمواً في عدد المواليد من أمهات غير مولودات في المملكة المتحدة، بنحو ثلاثة أضعاف وتيرة مناطق المجالس المحلية الخمسين التي سجلت أقل الزيادات في أسعار العقارات.
وفي المقابل، شهدت المناطق التي خُفف فيها الحرمان، نمواً سريعاً في عدد السكان غير المولودين في المملكة المتحدة بمقدار الضعف، مقارنة بالمناطق التي ازداد فيها الحرمان.
أما المجتمعات التي سجلت مستوى يفوق المتوسط من حيث عدد السكان الذين أقاموا لفترات قصيرة، فقد ارتفع متوسط الأجور فيها بنحو 3,379 جنيه إسترليني (4,600 دولار أميركي) خلال الفترة موضع البحث، بوتيرة أسرع من متوسط أجور 3,307 جنيه إسترليني (4,530 دولار) في المناطق التي سجلت معدلاً أقل من المتوسط من حيث السكان العابرين.
وفي ما يتعلق بالوظائف، فقد تبين للدراسة أن السلطات المحلية الخمسين التي حققت أعلى زيادة في التوظيف خلال الأعوام العشرة الأولى من القرن الحادي والعشرين، شهدت متوسط نمو بنحو 2.2 في المئة في عدد سكانها من غير البريطانيين، مقارنة بخمسين سلطة محلية سجلت أقل الارتفاعات في مجال توظيف العمالة، بلغت 0.8 في المئة فقط.
ويوصي تقرير منظمة "أمل لا كراهية" بوجوب أن تقر الحكومة البريطانية بالعلاقة بين النمو والتنوع السكاني، وبأن تعمل وزارة الداخلية على تحديث قواعد الهجرة في المملكة المتحدة "لدعم العملية التي يمكن من خلالها للمجتمعات أن تصبح أكثر تنوعاً".
وتدعو المؤسسة الخيرية كذلك إلى تخصيص تمويل مستهدف للمناطق "لضمان أن يترافق النمو الاقتصادي مع استثمار في البنية التحتية" لاستيعاب الزيادة السكانية.
إلا أن المؤسسة تحذر في المقابل من أن "الفشل في القيام بذلك، يمكن أن يفاقم بسهولة التوترات المجتمعية"، مشيرة إلى مجالات مهمة مطلوب التركيز عليها كالإسكان، والحصول على العناية الطبية، والمرافق المجتمعية، والتمويل الدراسي.
ويدعو التقرير (المنتظر أن يصدر قريباً) السياسيين أيضاً إلى استخدام لغة شاملة، والكف عن المضي في المغالطات في ما يتعلق بالهجرة، التي قد تعترض طريق المجتمعات المتعايشة. ويوصي أيضاً بوضع حد لسياسات "البيئة العدائية" التي تنتهجها الحكومة والتي تضع عراقيل أمام الوافدين الجدد إلى المملكة المتحدة.
وقد كتب معدو الدراسة: "دلت أبحاثنا على أن الأماكن في مجال دراستنا التي شهدت أكبر تقدم اقتصادي خلال الأعوام العشرة الأولى من القرن الحادي والعشرين، كانت أيضاً في المتوسط، تلك التي شهدت أكبر زيادة في التنوع السكاني".
وأضافوا: "أن مدى استدامة هذا النمط خلال بحثنا ملفت للنظر. فهناك علاقات ترابط إيجابية بين الازدهار المتنامي والتنوع السكاني المتزايد في جميع المجالات، بصرف النظر، إلى حد ما، عن المقياس الذي يُستخدم".
كريس كلارك واضع التقرير قال لصحيفة "اندبندنت" إن "هذا البحث يشير إلى أن الهجرة والتنوع الإثني مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالنمو الاقتصادي في مدننا ومناطقنا، تماماً كما هي الحال في المدن الكبرى. فالمجتمعات المتنوعة سكانياً تشكل جزءاً حتمياً لا يتجزأ من "الارتقاء نحو الأفضل"، ويتعين فهمها على أنها عامل إيجابي، إذا أريد لها أن تكون سياسة ناجحة".
وختم قائلاً: "إن التزام بناء تضامن وتماسك يجب أن يمر بقوة من خلال أجندة الارتقاء، مع التخلي عن الخطاب والذهنية المتعلقين بـ"البيئة المعادية"، واعتبارهما من الماضي".
© The Independent