"نريد مشاركة وتمثيلاً واسعين للنساء والشباب في الانتخابات التشريعية المقبلة، ولكننا لا نريد أشخاصاً غير مؤهلين"، أو "أعلن ترشحي للانتخابات المقبلة وهذا برنامجي"، أو "هل ستغيّر الانتخابات شيئاً؟" وغيرها من العبارات التي انتشرت هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، كنوع من السخرية أو المطالبة بحق الشباب والنساء في المشاركة السياسية، بعد إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس المراسيم الانتخابية التشريعية والرئاسية، وتحديد مواعيد إجرائها بالتوالي في مايو (أيار) ويوليو (تموز) المقبلين.
في الوقت ذاته، بدأت بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بالمشاركة الديمقراطية والحقوق الشبابية والنسوية، بعقد ورشات توعوية لمناقشة طبيعة الانتخابات والقضايا المرتبطة بها، ومن أبرز الأسئلة التي طرحت ما إذا كانت الفجوة بين القطاع السياسي والشباب ستقلّ، إذ يقول المستشار القانوني لمركز "شمس" لحقوق الإنسان، محمد نجار، إن هذه الانتخابات تأتي بعد 14 عاماً من عدم قدرة الفلسطينيين على ممارسة الحق الانتخابي، وهي فرصة لتقليص الفجوة ما بين الشباب والقطاع السياسي، ودمجهم فيه، وزيادة نسب تمثيلهم داخل الحكومة والمؤسسات السياسية، ومشاركتهم في مناقشة التشريعات التي صدرت أثناء غياب المجلس التشريعي، وإقرار قوانين جديدة تتعلق بحقوق الشباب والنساء والفئات المهمشة كافة في المجتمع.
مليون فلسطيني لم يخض تجربة انتخابية تشريعية
لكن مشاركة الشباب وترشحهم للانتخابات تصطدم بعوائق كبيرة أبرزها تحديد قانون الانتخابات الفلسطيني لسن الترشح للمجلس التشريعي بـ28 سنة والرئاسة بـ40، إضافة إلى غياب "كوتا شبابية" تضمن لهم تمثيلهم، وإمكان الالتفاف على وجودهم بمعنى أن تضم القوائم الانتخابية شباباً من الجنسين، ولكن ترتيبهم يأتي متأخراً؛ أي فرصاً أضعف للحصول على مقاعد في المجلس التشريعي.
بهذا الشأن يقول المتحدث باسم لجنة الانتخابات المركزية فريد طعم الله، إن اللجنة رفعت توصياتها أكثر من مرة لخفض سن الترشح، ولكن لم يكن هناك استجابة، فالأمر يحتاج إلى تعديل قانوني واللجنة جهة تنفيذية فقط، متابعاً أن برامج عمل ميدانية مكثفة وضعت خلال هذه الفترة لرفع الوعي بأهمية مشاركة الشباب في الترشح والاقتراع، عبر رسائل مباشرة وغير مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة أن عدد الأشخاص الذين لم يسبق لهم المشاركة يتجاوز المليون بسبب غياب الانتخابات منذ عام 2006.
وكانت العديد من المؤسسات الحقوقية طالبت بخفض سن الترشح، وجهات أخرى أرادت قوائم مستقلة شبابية، ولكن النجار يستبعد فرصة فوزها لأن التجارب الانتخابية أظهرت أن المزاج العام يذهب نحو البرامج السياسية أكثر من الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل فوز القوائم المستقلة صعباً، إضافة إلى انتماء عدد لا بأس به من الشباب إلى الأحزاب المختلفة.
مطالبات برفع الكوتا
بالتوازي مع الدعوات إلى مشاركة الشباب، هناك الكوتا النسوية وكيف يراها المجتمع المحيط، فالرئيس محمود عباس في التعديلات الأخيرة لقانون الانتخابات هذا العام رفع نسبة الكوتا النسوية في القوائم الانتخابية إلى 26 في المئة، ولكن الأمر قوبل بالاستغراب لأن المجلسين المركزي والوطني أقرا برفع النسبة إلى 30 خلال السنوات الأخيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة ريما نزال، إن التعديلات الجديدة حدّدت نسبة وجود المرأة في القوائم، ولكن الأمر لا يضمن عضويتها لاحقاً، إذ إن وجود المرأة شكلي فقط ولاستكمال متطلبات تشكيل القوائم للترشح، ففي الانتخابات التشريعية عام 2006، لم تكن المرأة ضمن الأسماء الأولى في القائمة، الأمر الذي قلّل من نسبتهنّ حين تشكيل المجلس إلى 11 في المئة. وأشارت الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي إلى أن وجود المرأة منخفض في قطاعات مختلفة، ففي مجلس الوزراء عام 2019 بلغت نسبة المشاركات 14 في المئة، وفي هيئات منظمة التحرير الفلسطينية 5 في المئة، أما في المجلس الوطني فوصلت عام 2018 إلى 11 في المئة.
المجتمع الذكوري والثقافة السائدة يُقصيان المرأة
وتعزو نزال، ضعف وجود النساء إلى الثقافة السائدة والفكر الذكوري الذي يرى أن الرجل أفضل من المرأة في الحقل السياسي، إضافة إلى طبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ الذي يعارض وجود المرأة في العمل السياسي، والتذرع بالدين في بعض الأحيان لتحجيم دورها، كما أن بعض الأحزاب تجعل وجود المرأة شكلياً في مراكز صنع القرار، مشيرة إلى أن الاتحاد العام للمرأة يعمل خلال التحضير للانتخابات على تشجيع النساء على الترشح وتفعيل دورهنّ، والعمل من أجل رفع نسبة الكوتا، ومطالبة المجتمع بانتخاب القوائم التي تضم النساء.
الكوتا هي الحد الأدنى وليس الأعلى
لكن بعضهم يرى أن وجود الكوتا ليس ضرورياً، وهذا ما يرفضه "طعم الله"، فهو يرى أنها تمييز إيجابي للمرأة وتضمن حق وجودها، مشيراً إلى أن الكوتا تعني الحد الأدنى وليس الأعلى أمام النساء، كما أن القانون يتيح تشكيل قوائم للنساء فحسب، ويمنع تشكيل قوائم للرجال حصراً.
عبء مضاعف على النساء
مع أن بعضهم يرى الكوتا أمراً سلبياً إلا أن فرص فوز المرأة ووجودها في الحقل السياسي أمرٌ ليس سهلاً دونها، ولكنّه ليس مستحيلاً، فمواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بصور مي قرادة التي حصلت على أعلى نسبة أصوات في انتخابات أحد أقاليم حركة فتح في فلسطين إثر ترشحها بشكل فردي.
تقول قرادة، إن عبئاً كبيراً يقع على المرأة خلال وجودها ضمن العمل السياسي، إذ يتحتم عليها تعزيز حضورها والحفاظ عليه لإظهار أهمية وجود المرأة داخل الأجسام السياسية أمام هيمنة المجتمع الذكوري، مشيرة إلى أن مسؤولية دعم مشاركة المرأة سياسياً لا تقتصر فقط على الأحزاب بل على النساء والمجتمع أيضاً.