Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

8 أعوام على تدشين "سد النهضة"... مصر تلملم خياراتها مع تعثر المسار التفاوضي

سفير السودان بالقاهرة: الأمور الفنية تعطل المفاوضات ونعمل لمصلحتنا الوطنية... مصادر رسمية مصرية: الخيار العسكري لم يعد مطروحاً... خبراء: التطورات السياسية في أديس أبابا والخرطوم تعقّد الأمور والضغط الاقتصادي الحل

بعد إعلان زعماء دول مصر والسودان وإثيوبيا التوقيع على اتفاق المبادئ بشأن سد النهضة مارس 2015 (أ.ف.ب.)

في الثالث والعشرين من مارس (آذار) 2015، وقَّع قادة مصر والسودان وإثيوبيا اتفاقاً حول "سد النهضة" المثير للجدل بالنسبة إلى القاهرة بشكل رئيسي، سُمّي بـ"إعلان المبادئ". تباينت الرؤى المصرية بشأنه، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أنه بمثابة بداية لحل الخلافات "العالقة والعميقة" بين إثيوبيا ودولتي المصب (مصر والسودان) بشأن بناء السد على الهضبة الإثيوبية، رأى آخرون أنه "اعترافٌ مجانيٌّ من القاهرة بشرعية بناء السد، على المنبع الأكبر لمياه نهر النيل (النيل الأزرق) بالنسبة إلى مصر والسودان". لكن المتتبع مسار التفاوض بين البلدان الثلاثة، يجد أن ثمة تعثراً لا يزال "يعطّل" المسار التفاوضي، رغم مرور نحو أربع سنوات من سلوكه من الأطراف الثلاثة، يحول دون التوافق النهائي بشأن السد، الذى دشّنته إثيوبيا في الثاني من أبريل (نيسان) 2011،  فضلاً عن تطورات سياسيَّة داخليَّة في إثيوبيا والسودان، قادت البلد الأخير إلى تنحية الرئيس عمر البشير عن السلطة.

وخلال السنوات الأربع الأخيرة، شهدت المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا والخُرطوم، عدة جولات على مستويات مختلفة، تراوحت بين لقاءات قمة على مستوى قادة الدول، واجتماعات ثلاثية (تضم وزراء ري الدول الثلاث)، وسداسية (تضم وزراء الري والخارجية)، وتساعية (تضم بجانب وزراء الري والخارجية قادة أجهزة الاستخبارات في الدول الثلاث)، إلا أن جميعها ورغم تعددها، لم تصل إلى حل نهائي، ووصلت في بعض محطاتها إلى تبادل الاتهامات العلنية بتحميل "مسؤولية فشلها"، لا سيما الاجتماعان السداسي والتساعي في أبريل (نيسان) 2018، وأواخر العام ذاته على الترتيب، ليبقى التساؤل في نهاية المطاف: أي خيارات تبقى أمام القاهرة للحفاظ على "أمنها المائي"، الذي يعد وفق الرؤيَّة المصريَّة الرسميَّة "خطاً أحمر"؟

لماذا تتعثر المفاوضات؟

وفق مصادر رسميَّة مصريَّة وسودانيَّة وأيضاً إثيوبيَّة، تحدثت إلى "اندبندنت عربية"، فإن مصدر التعطل الرئيسي لعدم الوصول إلى حل نهائي، يعود بشكل رئيسي إلى "الخلافات الفنية بشأن بناء السد". المصادر، ورغم تطابقها في تصريحاتها، بشأن الخلافات الفنية القائمة بين الدول الثلاث، لا سيما الخلاف الأكبر بين القاهرة وأديس أبابا، إذ ترغب الأولى في زيادة عدد سنوات ملء السد، لتتراوح بين خمس وسبع سنوات، فيما تصر الثانية على عدم تجاوز عدد سنوات الملء الـثلاث سنوات، فإن المصادر ذاتها، ذكرت رؤى مختلفة بشأن الخلاف السياسي والدبلوماسي المتعلق بمسار التفاوض.

فوفق ما أعلن رسمياً قبل عام تقريباً، لا سيما في جولة المفاوضات التساعية (وزراء الخارجية والري ومديري أجهزة الاستخبارات للدول الثلاث)، التي جمعت الأطراف الثلاثة في الخُرطوم، في أبريل (نيسان) 2018، تبادلت الأطراف الثلاثة الاتهامات بشأن "فشل الجولة، وتعثر المفاوضات"، إذ حمَّل كل من الخرطوم وأديس أبابا، القاهرة مسؤولية فشل جولة مفاوضات الخُرطوم، حول سد النهضة، متهمين إياها بالإصرار على طرح اتفاقية عام 1959 في المفاوضات، والموقَّعة بين مصر والسودان، التي تمنح بموجبها القاهرة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه نهر النيل، بينما تحصل الخُرطوم على 18.5 مليار متر مكعب، إذ اعتبرها الجانب الإثيوبي "أنها اتفاقية لا تعنيها، وأن إعادة طرحها يعتبر خطاً أحمر، ولا يمكن أن تتفاوض أديس أبابا حولها، فلا يمكن أن نتحدث عن اتفاقيات لم نكن طرفاً فيها"، لترد القاهرة برفض تحميلها الفشل، مشددة على أنها "شاركت في الاجتماع التساعي في الخُرطوم بروح إيجابية ورغبة جادة في التوصل إلى اتفاق ينفذ التوجيهات الصادرة عن قيادات الدول الثلاث بضرورة التوصل إلى حلول تضمن كسر الجمود الحالي في المسار الفني الخاص بسد النهضة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتكرر الأمر ذاته بعد أشهر، وتحديداً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، لتتعقد الأمور مجدداً قبل لقاء على مستوى القمة جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره السوداني، المطاح به، عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في العاصمة أديس أبابا، على هامش اجتماعات القمة الإفريقية في دورتها، وحينها أكدت البيانات الرسمية الصادرة عن الدول الثلاث، عزمها تكثيف التعاون وعدم إلحاق الضرر بأي من الدول الأخرى، جراء السد، ودفع المسار التفاوضي إلى سرعة إنجازه.

ووفق مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى، ومطّلع على مسار التفاوض، فإن مثل هذه القمم على مستوى قادة الدول، تدفع المسار التفاوضي بين الحين والآخر، قبل أن يغرق المفاوضون في التفاصيل والتجاذبات الفنيَّة، ليعود الأمر إلى سابقه مرة أخرى.

المصدر الدبلوماسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أوضح إلى "اندبندنت عربية"، أن هناك غموضاً متواصلاً من الجانب الإثيوبي عندما يتعلق التفاوض بشأن تفاصيل بناء السد، مشدداً في الوقت ذاته على أن العلاقات بين القاهرة وإثيوبيا تشهد أحسن حالاتها، خلال الأشهر الأخيرة، رغم استمرار بعض الخلافات بشأن سد النهضة.

 

وحسب السفير السوداني بالقاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، الذي تحدث إلى "اندبندنت عربية"، فإن أبرز ما يعطّل المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، هو المسار الفني، خصوصاً فيما يتعلق بسنوات الملء والإدارة المشتركة.

وذكر عبد الحليم، أن الخلاف يكمن بالأساس في الرغبة الإثيوبية، في تقليل عدد سنوات ملء السد، في حين تصر القاهرة على سنوات أكبر. معتبراً، وفق تعبيره، أن السودان يحاول في المنتصف التوفيق والتقريب بين الطرفين "وفق مصالحه".

وخلال السنوات الأخيرة، ذكرت تقارير إعلامية متطابقة، أن الخلاف بين مصر وإثيوبيا، يكمن بالأساس، في إصرار القاهرة على ملء السد بحد أدنى سبع سنوات، وقد تصل إلى 15 عاماً، فضلاً عن عدم الإضرار بأي نقطة مياه من حصتها التاريخية في المياه المتدفقة إليها، فيما تصر أديس أبابا على ملء السد في ثلاث سنوات. وهو ما تخشاه القاهرة بأن يضر بحصتها من المياه.

عبد الحليم، قال "مع تعقد المسار التفاوضي في كل مرة، في جانبه الفني، وهو المتعلق باجتماعات الخبراء ووزراء الري، يتدخل المسار الدبلوماسي والاستخباراتي، لإيجاد توافق سياسي وحلول سياسية بشأن الخلافات الفنية"، موضحاً أن "اجتماعات القمة على مستوى قادة الدول تعطي زخماً ودفعة مؤقتة للمسار".

ومع تحفظه على الحديث عن مستقبل الملف، بعد تنحية الرئيس عمر البشير عن الحكم، وتولي قيادة البلاد المجلس العسكري، أوضح عبد الحليم، أن "مصالح السودان المائية والاستراتيجية واحدة، ولا تختلف باستبدال القيادة". معتبراً أن "موقف السودان رغم محاولتنا التوفيق بين الأطراف فإننا لسنا وسطاء في الحل، وعندنا مصالح ونعمل لمصلحة السودان، ولسنا طرفاً ثالثاً في المعادلة، لكن نؤمن بهدف واضح أن النهر ينبغي أن يكون ساحة للتعاون، لا للصراع، وأن التنمية حق مشروع، لكن أن لا تكون على حساب الآخرين".

في المقابل، يتمسَّك الإثيوبيون ببناء السد، رغم مروره بتعثرات إنشائية في الآونة الأخيرة، حالت دون الانتهاء منه، كما كان معلناً لحظة تدشينه في أبريل (نيسان) 2011، وهو العام 2019، ووفق التقديرات الجديدة فإنه من المقرر أن يتم الانتهاء منه في العام 2022، وذلك بعد تغير الإدارة الإثيوبية للسد، ووجود مشكلات تقنية وفنية في بنائه من الشركات المعنية به.

وفي الوقت الذي، علَّق فيه دبلوماسي إثيوبي بشكل مقتضب إلى "اندبندنت عربية"، من دون تفاصيل، فإن "سد النهضة يمثل أحد أهم المشروعات القومية بالنسبة إلى بلاده في العقود الأخيرة، ومن ثمّ فلا تراجع عن حقوق أديس أبابا في إكماله، وفق ما تراه مصلحتها الوطنية، رغم التعثرات التي شهدها بناؤه في الأشهر الأخيرة".

من جانبه، وحسب يعقوب أرسانو، الأكاديمي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والأستاذ المحاضر في جامعة أديس أبابا، فإن بناء سد النهضة يصب في صالح مصر والسودان، وذلك وفق تعبيره، يعود إلى الفوائد التي سيضمنها السد، وتتمثل في الحد من مخاطر الفيضانات وتوفير الطاقة النظيفة.

وذكر أرسانو، وهو قريب من دوائر صناعة القرار في أديس أبابا، "غالباً ما تشير مصر إلى اتفاقية عام 1929"، التي منحت مصر، وفق تعبيره، "بشكل غير قانوني حقوقاً تاريخية وطبيعية على مياه النيل، وهو ما لم يعد مطابقاً للواقع الراهن"، مشدداً على أن مصر والسودان سيحصلان على الأولوية من بين الدول، التي تستطيع شراء الطاقة النظيفة من إثيوبيا عند اكتمال السد وفقاً للاتفاقية الموقعة بين إثيوبيا والسودان ومصر.

وأكد الأكاديمي الإثيوبي، أن بلاده تتبع إجراءات شفافة وصارمة، موضحاً أن السد يجرى بناؤه مع إيلاء الاعتبار الواجب لمعايير السلامة الدولية وسلامة السدود من دون نية التسبب في أي ضرر لبلدان المصب، معتبراً أن أي حلول تقدمها مصر حول سد النهضة يجب أن تقوم على أساس مصالح إثيوبيا، مشدداً في الوقت ذاته على أنه لا مفر من التعاون شرطاً أساسياً لإحداث تنمية حقيقية في دول الحوض، ويقول: "دول النيل لا تعمل معاً بما يكفي، وهو ما يتسبب في افتقارها إلى المعلومات الأساسية مثل: كم كمية المياه؟ ما أفضل مصادر التنمية للنهر؟ ما أفضل مورد لنشاط محدد؟ هل سيكون من الأفضل تطبيق هذا المشروع في مصر أم في السودان أم إثيوبيا؟".

"نتائج وخيمة" من استمرار تعثر المفاوضات

على مدار السنوات الأخيرة، ومع تراوح المسار التفاوضي بين الفشل حيناً، والمماطلة أحياناً أخرى، ليمتد إلى أربع سنوات إلى الآن منذ التوقيع على اتفاق المبادي، في مارس (آذار) 2015، ومع إطالة أمد التفاوض، يحذِّر مراقبون من "النتائج الوخيمة" على مصر حال إصرار إثيوبيا على المضي قدماً في تحقيق مصالحها منفردةً، فيما يقلل آخرون من أهمية تلك النتائج، معتبرين أنه إلى الآن لم يكتمل بناء السد، نظراً إلى المشكلات الفنية، التي يواجهها في الداخل الإثيوبي، ومن ثم فوجود ثلاث سنوات، حتى الانتهاء من بنائه وفق آخر إعلان إثيوبي، الذي يوافق 2022، يسمح للقاهرة بمزيد من الوقت، لمراجعة خياراتها، والضغط لتحقيق مصالحها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق ذاته، حذَّر تقرير لمركز أبحاث "مجموعة الأزمات الدولية"، في أواخر مارس (آذار) الماضي، من "عواقب إنسانية"، إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق لتقاسم الموارد بين مصر وإثيوبيا، التي تبني أكبر سدّ في إفريقيا، الذي تبلغ كلفته أربعة مليارات دولار.

وذكر التقرير غير الحكومي، للمركز، الذي مقره بروكسل، أنّ "مخاطر الفشل في العمل معاً صارخة. قد تُخطئ الأطراف بالتحوّل إلى نزاع تنتج عنه عواقب إنسانيّة وخيمة". حيث يُعدّ نهر النيل الذي يمرّ بين 10 دول، الأطول في العالم. وهو شريان طبيعي مهم لإمدادات المياه والكهرباء لهذه البلدان. لا سيما أن مصر تعتمد على النيل بنحو 90% من احتياجاتها من المياه العذبة.

وحسب التقرير، ترى أديس أبابا أنّ السدّ مشروعٌ تنمويٌّ وطنيٌّ مهم، في حين ترى القاهرة أنّ تعطيل تدفّق النهر سيُمثّل "تهديداً وجودياً"، ذلك أنّ تشغيل السدّ، الذي يُتوقّع أن يولّد نحو 6000 ميغاوات، قد يُهدّد ملايين المزارعين المصريين، وكذلك إمدادات الغذاء في البلاد. وتعطّل بناء المشروع مراراً، ولم يُحدّد تاريخ لإنجازه، بعد أن كان مفترضاً الانتهاء منه منتصف العام الماضي، وسط تقارير عن فساد، الأمر الذي دفع رئيس وزراء البلاد إلى اتخاذ سلسلة إجراءات.

وأوصى التقرير بـ"اتفاق أكثر شمولاً" بين دول حوض النيل، لتفادي نزاعات مستقبلية تأتي بـ"ثمن اقتصادي وبيئي باهظ". مضيفاً "يمكن أن تسعى البلدان إلى ملء خزاناتها في وقت واحد تحسباً للجفاف، الذي يؤجج الصراع على المياه غير الكافية".

تبني رؤية مشتركة

وفي يونيو (حزيران) 2018، اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في القاهرة، على تبني "رؤية مشتركة" بين الدولتين بشـأن سد النهضة تسمح لكل منهما بالتنمية "من دون المساس بحقوق الطرف الآخر". بالمقابل، قال الرئيس السيسي إن بلاده تعترف بأن لا حل عسكرياً للنزاع، لكن رغم تحسّن العلاقات، لم يتم تحقيق تقدم ملموس نحو إيجاد حل، إلا أن الصراع الثلاثي بين إثيوبيا ومصر والسودان حول تقاسم مياه النيل يبقى في حالة استعصاء.

ماذا عن الخيارات المصرية؟

أكدت المصادر الدبلوماسية والعسكرية والأكاديمية، التي تحدثت إلى "اندبندنت عربية"، أن الخيار العسكري لحل الأزمة من جانب مصر "ولَّى، ولم يعد مطروحاً، وليس ممكناً في الوقت الراهن، نظراً إلى الأوضاع الإقليمية والدولية، فضلاً عن التزام الأطراف الثلاثة باتفاق إعلان المبادئ الموقَّع في الخُرطوم 2015".

لكن مع تأكيد الدوائر الرسميَّة والسياسيَّة وحتى العسكريَّة المصريَّة، على اعتبار أن "موضوع المياه بالنسبة لمصر خط أحمر، لا يمكن التراجع قيد أنملة للحفاظ عليه"، عددت المصادر التي تحدثت إلينا الخيارات المتاحة أمام القاهرة، ووفق السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الإفريقية، فإنه ورغم أن التعثر يكمن بالأساس في اختلاف البيانات بين الدول الثلاث، لكن في ظل وجود إرادة سياسية على أعلى مستوياتها، فقد يسمح ذلك في النهاية بتذليل أي عقبات ممكنة.

وذكرت عمر، "أديس أبابا لا تسمح باستمرار تيسير الحصول على البيانات الخاصة بالسد"، مشددة على "أن كل الأطراف رافض تقديم تنازلات، وأن مصر لا يمكن لها أن تقدم تنازلات من ناحية حصتها المائية، لأنها بالنسبة إليها مسألة حياة وموت".

وتابعت عمر، "باعتقادي إن العلاقات الموجودة بين الدول الثلاث في الوقت الراهن في أفضل صورها، سواء أكان في إطار شكلي أو واقعي، لكن في الحقيقة تحسن هذه العلاقات يجنب الأطراف جميعها تفجّر أزمة طارئة في المنطقة، الجميع في غنى عنها"، مشيرة إلى التطورات السياسيَّة، التي يشهدها كل من السودان، وكذلك أديس أبابا.

وأوضحت، "رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لديه مشكلات داخلية ضخمة، لن يسمح بوجود أي أزمة، وهناك معاناة داخلية لديه، والآن السودان نفس الوضع بعد تنحية البشير عن الحكم"، مضيفة "مصر في عهد الرئيس السيسي لديها نهج سياسي قائم على الحلول السلمية وعمليات بناء الثقة، وليس أبداً الصدام المسلح أو تأجيج النزاعات".

وذكرت عمر، "أن طول مدة التفاوض، التي تتزامن مع مشكلات فنية في بناء السد لدى الجانب الإثيوبي، هي في صالح مصر لا ضدها"، مشددة على أنه "يجب على مصر أن تستغل المبادئ الحاكمة الاتفاق الإطاري الموقع بين الدول الثلاث في 2015، بشأن عملية إدارة السد وتخزين المياه، لترجمته في الحصول على موقف دولي ضاغط على أديس أبابا".

ومع تأكيدها أن مياه النيل بالنسبة إلى مصر تبقى "أمناً قومياً"، شددت عمر،  على أن "خيارات مصر يجب أن تظل مفتوحة في كل مجالاتها، إذ إن الأمر لا يتعلق بسلعة ترفيهية للشعب المصري، لكن الأمر يتعلق بالحياة: الزراعة والتصنيع".

من جانبه، يحصر الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء جمال مظلوم، الذي شدد على أن "المياه أمن قومي لمصر"، خيارات مصر على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، قائلاً: "مصر لن تتنازل لحظة عن حصتها في مياه النيل، وهي تحاول في هدوء مع إثيوبيا في مجال تعاون ومساعدات، والدفع باتجاه تحويل الأزمة من صراع إلى تعاون، لكن التطورات السياسية في كل من إثيوبيا والسودان تعقّد من الأمور بالنسبة إلى القاهرة".

وأوضح مظلوم، أن خيارات مصر تبقى في التعاون والضغط الدوليين، من خلال مسارات إفريقيَّة ودوليَّة، وذلك عبر الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، فضلاً عن التحالفات الإقليمية المتاحة للقاهرة". مشدداً في الوقت ذاته على أن خيار الحل العسكري لدى القاهرة، "ولَّى وانتهى، ولن يتكرر، ولن يحدث". وفق تعبيره.

وأضاف مظلوم، أن أمام مصر خيارات أخرى، تتمثل بجانب الخيارات السلمية والدبلوماسية والتفاوض، خيار الضغوط الاقتصادية، وذلك بالتعاون مع دول عربية مثل الإمارات والسعودية، اللتين تمتلكان نفوذاً قوياً لدى إثيوبيا. مشدداً في الوقت ذاته على أن "مساحة الخيارات التي كانت متاحة لمصر في السابق لم تعد كما هي الآن، لا سيما في ظل أوضاع دولية وإقليمية تمنع من انتهاج الخيار العسكري". مضيفاً في الوقت ذاته "لا يوجد ما يشعرك بالخطر الفوري على القاهرة في الوقت الراهن جراء بناء السد".

بدوره يقول، نادر نور الدين الخبير المائي المصري، إن خيارات مصر في سد النهضة تبقى قليلة، لا سيما في ظل التعنت الإثيوبي، مستشهداً بتصريحات سابقة للرئيس السيسي، قال فيها "أخشى الاستغلال السياسي في بناء السد"، على حد وصفه.

وحسب نور الدين، "لا أحد يعلم إلى الآن مستقبل المفاوضات، ولا سبب توقفها في الوقت الراهن، كما أن إثيوبيا تصر على غموض موقفها، وعدم الإفصاح عن مستقبل استكمال السد بمواصفاته الحالية، أو بتقليل سعته التخزينية"، موضحاً أنه "ينبغي على مصر أن لا تركن لتأجيل الانتهاء من بناء السد (تأخر مرتين، وفي الإعلان الإثيوبي الأخير حدد أنه يكون عام 2022)، وعليها سرعة البت في مستقبل أمنها المائي وتسلمها حصتها المائية من دون نقصان يؤثر في سير الحياة أو عمليات التنمية".

ماذا بعد تنحية البشير؟

وبشأن تغير الموقف السوداني بشأن سد النهضة ليكون في صالح مصر، بعد تنحية البشير عن الحكم، قال نور الدين إنه "لا يتوقع تغييراً كبيراً في الموقف السوداني، حيث تراوغ الخُرطوم وتتلاعب بالملف منذ سنوات وفق مصالحها"، موضحاً "أزمة سد النهضة لا تقوم على المبادئ، وإن ما يحكمها هو المصالح بين الأطراف الثلاثة، ولو كانت المبادئ هي ما تحكم الأزمة، كان طبيعياً أن يحذو السودان بجانب الموقف المصري، على اعتبار أن أي ضرر للسودان أو لمصر، من شأنه أن يؤثر في الطرف الآخر".

عن مواقف الأطراف الأخرى في دول حوض النيل (عدد دول الحوض 11 دولة)، ذكر نور الدين، "رغم تحسّن العلاقات المصرية إيجابياً مع غالبية الدول الإفريقية، خصوصاً دول حوض النيل في السنوات الأخيرة، فإن في حال تصاعد الأزمة يبقى آخر الآمال المصرية أن يلتزموا الحياد"، مستبعداً أن يقفوا بجانب الموقف الرسمي، لأنه، وحسب تعبيره، "كل منهم في اعتقاده أنه قد يتعرض لنفس الموقف مع مصر في حال نيته بناء سد".

تاريخ من الأزمة والتفاوض

لم تكن الأزمة المتولدة بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن مياه النيل، وليدة تدشين الأخيرة بناء السد في عام 2011، بل تعود جذور الأزمة إلى نحو أربعة عقود، ففي الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، ظهرت أولى بوادر للتوتر بين مصر وإثيوبيا عندما أعلن الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان بشبه جزيرة سيناء، وهو ما دفع الرئيس الإثيوبي منغستو، آنذاك، إلى التهديد بتحويل مجرى النهر.

وتبع ذلك التاريخ إبرام معاهدات في عام 1986، لتسوية المنازعات بين مصر وإثيوبيا، على رأسها المياه، إضافة إلى عشرات من اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والفنون والتعليم والصحة والسياحة بين البلدين. وفي الأول من يوليو (تموز) 1993، وقَّع الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، ورئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك، ميليس زيناوي، وثيقة تفاهم حول عدة مبادئ، أهمها عدم قيام أي من الدولتين بأي نشاط يتعلق بمياه النيل من شأنه إلحاق الضرر بمصالح الدولة الأخرى. وذلك قبل دخول العلاقات بين البلدين مرحلة توتر شديد إثر محاولة اغتيال مبارك في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا،  في 26 يونيو (حزيران) 1995، وتبعها توقف أعمال المجلس المصري الإثيوبي مدة 17 عاماً.

وفي العام 2001، أعلنت إثيوبيا نيتها إنشاء عدد من المشروعات على أنهارها الدوليَّة، وذلك في استراتيجية وطنية للمياه كشفتها حكومتها حينذاك. وبدأت الأزمة تأخذ مساراً مغايراً بعد توقيع ست دول لحوض النيل، (هي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي)، في 11 مايو (أيار) 2010، ما عرف حينها بـ"اتفاقية عنتيبي"، وقوبلت برفض شديد من مصر والسودان. وبموجب الاتفاقية، تنتهي الحصص التاريخية للأخيرتين وفقاً لاتفاقيتي 1929 و1959.

ومنذ الإعلان الإثيوبي في الثاني من أبريل (نيسان) 2011، بعد نحو شهرين من سقوط حكومة مبارك في فبراير  (شباط) 2011، تدشين بناء سد النهضة، تصاعدت التخوفات المصريَّة بشأن حصتها المائية، وذلك بالتوازي مع مسار تفاوضي شهد كثيراً من الجولات في الأعوام اللاحقة، تراوحت بين الفشل والتعثر، قبل أن تصل إلى محطة مركزية وقَّع فيها قادة كل من إثيوبيا والسودان ومصر "اتفاقاً إطارياً للتعاون"، في مارس (آذار) 2015، حيث شهدت السنوات اللاحقة عدة اجتماعات ولقاءات على مستويات مختلفة بين الدول الثلاث.

ماذا عن سد النهضة؟

يعد سد النهضة أكبر سد في إفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1800 متر، وعمقه 170 متراً، بتكلفة بناء تبلغ نحو 4.7 مليار دولار أميركي. ووفق الموقع الرسمي للحكومة الإثيوبية، فإن أكثر من 8500 شخص يعملون على مدار الساعة في المشروع، الذي تبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل تقريباً حصتي مصر والسودان السنويَّة من مياه النيل.

ويمكن للسد، الذي يُبنى في منطقة بينيشانغو (أرض شاسعة جافة على الحدود السودانية، تبعد 900 كيلو متر شمال غربي العاصمة أديس أبابا)  في الهضبة الإثيوبية بالنيل الأزرق، توليد نحو 6 آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، وهو ما يعادل 3 أمثال الطاقة الكهربائية المولَّدة من المحطة الكهرومائيَّة لسد أسوان المصري، حيث يمتد المشروع على مساحة تبلغ 1800 كيلو متر مربع.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة