Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن: وحدة داخلية وقيادة أميركا للعالم

من اليوم إلى أن تتبلور استراتيجية الإدارة الجديدة فإن التكتيك هو على طريقة "نعم ولكن"

الواضح أن الأولويات الداخلية للرئيس الأميركي جو بايدن تتقدم على الأولويات الخارجية (رويترز)

الولايات المتحدة الأميركية في ثورة هادئة بعد ثورة مضادة صاخبة لم تكتمل. الرئيس الخامس والأربعون دونالد ترمب خرج من البيت الأبيض بقوة الديمقراطية التي عمل على إضعافها والتمرد عليها. والرئيس السادس والأربعون جو بايدن دخل البيت الأبيض بقوة النظام الذي تقوّيه الانتخابات وتحرسه الدولة العميقة، من حيث كان على مدى 47 عاماً ابن "الاستبلشمنت".

وليس أمراً قليل الدلالات أن يركّز بايدن في خطاب القسم على "الوحدة" قبل إعلانه عودة أميركا إلى العالم وقيادته. فهو يدرك بالخبرة والنموذج الصاخب أمامه في "غزوة" أنصار ترمب للكونغرس لمنعه من تثبيت نتائج الانتخابات، أن أميركا تغيرت. ويعرف أن العالم تغير، وبشكل خاص، عما كان عليه قبل أربع سنوات "ترمبية". ومن الصعب العودة إلى قيادة العالم بما قال بايدن إنه "ليس مثال القوة بل قوة المثال"، إن لم تكن الجبهة الداخلية موحدة والديمقراطية قوية والانتخابات محترمة. ومن الوهم تكبير الرهانات الخارجية في كل بلد على متغيرات بايدن، وتوسيع الرهانات الأميركية على ما يمكن فعله في العالم.

ذلك أن رئيس أميركا لم يعُد "ملك العالم" ولا "ملك أميركا المنتخب".

فالديمقراطية "ثمينة وهشّة" كما اعترف بايدن، وإن انتصرت. و"الانقسام العميق والحقيقي" الذي تحدث عنه، ليس من صنع ترمب بل كان الرئيس السابق، تعبيراً عنه، وتمكّن من التلاعب به وتوظيف ما سمّاه فرنسيس فوكوياما "الدجل الذي يعتنقه الشعبويون" في دفع الملايين إلى انتخابه عام 2016. وتكرار ذلك عام 2020. والعنصرية البيضاء التي دعا بايدن إلى التخلص منها تتفاقم، بحيث يرى أستاذ التاريخ الأميركي في جامعة بيل ديفيد بلايت أن "تفوّق العرق الأبيض ينتظر دائماً في أجنحة الوعي الأميركي". وهذا لن يختفي بعد خروج ترمب من البيت الأبيض، بل سيبقى المسرح الذي يلعب عليه الرئيس السابق الحالم والواعد بالعودة بعد فراق "لن يطول".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما التحديات في الخارج، فإنها تبدو بلا حدود بمقدار ما اكتشفت أميركا حدود القوة أيام الرئيس جورج بوش الابن وغزو أفغانستان والعراق وأيام الرئيس باراك أوباما و"التزلج السياسي" بين سحب القوات وبين تكبير حجمها، ثم بين مساعدة المعارضين للأنظمة في "الربيع العربي" وبين التخلي عنهم. ففي كتاب "القناة الخلفية"، يتحدث وليم بيرنز، الذي عيّنه بايدن مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، عن  "صعود الصين ويقظة روسيا". الصين، في رأيه، "ظاهرة فريدة في القرن الحادي والعشرين، وهي التحدي الكبير لأميركا، ولا يمكن النجاح في احتوائها لأنها مندمجة في الاقتصاد العالمي".

وفي مقال نشرته "فورين أفيرز"، يقول بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي أيام أوباما، إن "سفينة أميركا سارت في اتجاه خاطئ، والعالم تحرّك. الصين تغلبت على السياسات التي ظن ترمب أنها تضعفها. كوريا الشمالية تطور قدراتها النووية. إيران تكمل برنامجها النووي، ومادورو يمسك بالسلطة أكثر".

من هنا، قول أنتوني بلينكن المعيّن وزيراً للخارجية: "سنتخلّى عن الدبلوماسية الأحادية الجانب ونعتمد على حلفائنا للفوز في المنافسة مع الصين". روسيا قلقة حيال سياسة بايدن. الاتحاد الأوروبي صار له "صديق في البيت الأبيض"، كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية. لكن اليمين الشعبوي في أوروبا يراهن على ظاهرة "القومية غير الليبرالية" التي لعب بها ترمب تحت شعار "أميركا أولاً" بحيث أقلق الحلفاء وأسهم في تسريع الانحدار الأميركي. وإذا كان بلينكن يلتزم بناء "جبهة موحدة لمواجهة التهديدات التي تشكّلها الصين وروسيا وإيران"، فإن شرط النجاح في قيادة العالم هو أن تكون الجبهة الداخلية موحدة. والواضح أن الأولويات الداخلية لبايدن تتقدم على الأولويات الخارجية: من مكافحة كورونا إلى تحفيز النمو الاقتصادي، مروراً بتجديد البنية التحتية وضمان الوظائف ضمن مشاريع  مخصص لها  "تريليونات" من الدولارات. وليس إلغاء قرارات اتخذها ترمب سوى بداية.

ومن اليوم إلى أن تتبلور استراتيجية الإدارة الجديدة، فإن التكتيك هو على طريقة "نعم، ولكن". الإدارة مع "حل الدولتين" في الملف الفلسطيني، لكن المسألة "صعبة وتحتاج إلى وقت". وهي مع العودة إلى الاتفاق النووي، ولكن التفاوض يجب أن يشمل البرنامج الصاروخي والنشاط الإيراني "المزعزع للاستقرار" في الشرق الأوسط وإضافة قيود جديدة على طهران في الاتفاق.

والمسار طويل. وما يحتاج إليه بايدن، تكراراً، هو ضمان الوحدة الداخلية واستعادة الثقة الخارجية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل