شكّل انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية متغيراً جذرياً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعودة إلى سياسة واشنطن التقليدية بشأنه، التي قلبها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب "رأساً على عقب ليصبح شريكاً لإسرائيل في احتلالها"، بحسب المسؤولين الفلسطينيين، لكن مجيء بايدن الذي أعلن تأييده لحل الدولتين، ومعارضته لرؤية ترمب للسلام، وضم إسرائيل الضفة الغربية، سيعيد الحياة إلى العملية السياسية وفق المبادئ الدولية المتفق عليها عربياً ودولياً، حسبما يرجح مراقبون فلسطينيون.
ومنذ نحو شهرين، كثف قادة مصر والأردن وفلسطين اتصالاتهم ولقاءاتهم الشخصية، عبر وزراء الخارجية ورؤساء أجهزة الاستخبارات لملاقاة "المتغيرات الإقليمية والدولية، وتوحيد الجهود العربية والدولية للتحرك لإعادة تنشيط مفاوضات السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني"، بحسب بيان للرئاسة المصرية.
وتعمل العواصم الثلاث على إعادة ترتيب الأوضاع، وتهيئة الظروف لاستغلال وجود بايدن في البيت الأبيض، والعمل على التوصل إلى حل عادل، ومتفق عليه للصراع.
ومن بين تلك الظروف، إنهاء الانقسام الوطني الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وإجراء انتخابات عامة بهدف تجديد الشرعيات الفلسطينية بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على آخر انتخابات شهدتها الأراضي الفلسطينية.
ولم تكن زيارة رئيسي جهازي الاستخبارات المصرية عباس كامل والأردنية أحمد حسني إلى رام الله، الأحد، إلا ضمن تلك الجهود المستمرة بين الدول الثلاث، خصوصاً عقب إصدار مرسوم رئاسي فلسطيني بإجراء الانتخابات العامة، على أن تبدأ بالتشريعية في مايو (أيار) المقبل، والرئاسية في يوليو (تموز) المقبل. وعلمت "اندبندنت عربية" أن رئيسي المخابرات المصرية والأردنية بحثا مع نظيرهما الفلسطيني ماجد فرج، إجراء الانتخابات وضمان عدم تكرار انتخابات عام 2006، التي فازت فيها حركة حماس بأغلبية المجلس التشريعي قبل أن تسيطر على قطاع غزة في عام 2007.
وخلال زياتهما رام الله بحث كامل وحسني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس "ملف المصالحة الوطنية، والمرسوم الرئاسي بتحديد موعد الانتخابات العامة والتنسيق الدائم، وتطورات الملف السياسي"، بحسب بيان للرئاسة الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورحب رئيسا جهازي المخابرات المصرية والأردنية، "بإصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات العامة، وأكدا دعم بلديهما الثابت والدائم للقضية الفلسطينية".
وتحتضن العاصمة المصرية القاهرة خلال الأسابيع المقبلة جولة من الحوارات بين الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتا فتح وحماس، للبحث في إجراء الانتخابات وانضمام حماس إلى منظمة التحرير.
ويرى الكاتب السياسي الأردني عُريب الرنتاوي، أن زيارة رئيسي المخابرات المصرية والأردنية إلى رام الله، "تأتي ضمن التحركات بين عمان والقاهرة وأبو ظبي والرياض، لتهيئة الظروف لإطلاق بايدن عملية سياسية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، مضيفاً أن تلك "العواصم تعتقد أن إدارة بايدن ربما تشكل الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين".
ويشير الرنتاوي إلى أن القاهرة وعمّان ترغبان في "الإطمئنان إلى عدم حصول أي مفاجآت كالتي حصلت في عام 2006، قائلاً، إن الرئيس عباس لم يكن ليدعو إلى إجراء الانتخابات لو لم يكن ضامناً لنتائجها".
ويرجح الرنتاوي وجود تفاهمات بين حركتي فتح وحماس تمنع الأخيرة من الهيمنة على المجلس التشريعي مقابل دخولها منظمة التحرير، مشيراً إلى أن النظام النسبي للانتخابات سيمنع أي حركة من تحقيق الأغلبية.
ويضيف الرنتاوي أن القاهرة وعمّان ترغبان في الحفاظ على قيادة فلسطينية مقبولة من المجتمع الدولي، لكي تنخرط في أي مفاوضات لتحقيق حل الدولتين، وأنهما لا تريدان عرقلة المشهد الفلسطيني، وضياع الفرصة الأخيرة".
وعن زيارة رئيسي المخابرات المصرية والأردنية إلى رام الله، وليس وزيري خارجية البلدين، يوضح الرنتاوي أن الحوارات بين قادة الأجهزة الأمنية تكون أكثر صراحة وعمقاً من وزراء الخارجية.
ويؤكد مدير "مركز تقدم للسياسات" محمد المشارقة، أن القاهرة وعمان قرأتا جيداً توصيات مركز دراسات قريب من الحزب الديمقراطي الأميركي في شأن ضرورة أن يكون لمصر والأردن دور فاعل في الشأن الفلسطيني، وأن يعيدوا تموضعهم في المنطقة في ظل إدارة بايدن، ومحاولة دمج حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني.
ويضيف مشارقة أن القاهرة وعمّان ترغبان في سحب الورقة الفلسطينية من استغلال طهران وأنقرة لها، عبر تجديد الشرعيات واستغلال فرصة وجود بايدن في البيت الأبيض.