تبدو مساحة العمل في لوحات الفنان التونسي ثامر الماجري كساحة معركة، أو كمدينة عصفت بها الرياح وتركتها للفوضى. في اللوحة الواحدة يمكنك أن ترى وجهاً مرسوماً ودمية على هيئة أرنب، وإلى جوارهما أداة تنظيف البالوعات مثلاً. قد تلمح رؤوساً وأيدي مبتورة في فضاء مشترك مع زهرة متفتحة أو طائراً مُحلقاً. قد يلقي الفنان بألوانه فوق العناصر هنا وهناك، ربما تلمح خربشات الأقلام الملونة، أو خطوطاً عشوائية تُركت على حالها كي تؤطر فراغاً أو تخفي تفاصيل مفردة أو عنصر ما على سطح اللوحة.
في معرضه الذي يستضيفه غاليري سلمى فرياني في العاصمة التونسية حتى 23 من هذا الشهر تحت عنوان "أهداف متحركة" يواصل ثامر الماجري اختلاق هذا العالم المزدحم بالتفاصيل؛ هو عالم يخصه وحده ويشي بهويته وانتمائه الثقافي المتعدد المشارب. ربما يشير العنوان الذي اختاره الفنان لهذا المعرض إلى هذه الحبكة العشوائية لساحة الحرب الافتراضية تلك، فالعناصر جميعها تمثل أهدافاً ورموزاً متحركة على سطح اللوحة، كما هي في الواقع المليء بالتفاصيل والرموز، أو قد يدل العنوان أيضاً على هذه الحركة الدائبة التي لا تهدأ على سطح العمل، فالعناصر المرسومة تتناثر وتتوزع على المساحة كأنما تتطاير بفعل تدخل عنيف ومفاجىء.
يختار الفنان ثامر الماجري عناصره من بين المفردات المحيطة به على نحو قد يبدو للوهلة الأولى، أنه لا يحمل دلالة ما، فقد لا تستطيع الربط مثلاً بين هذا الحذاء الرياضي المُلقى في ركن اللوحة، والهيكل العظمي الذي يظهر في المقدمة بين تقاطعات اللون الصريحة والخطوط الحادة، أو بينه والطائرة المحلقة مثلاً، أو دُمية التمساح، أو الشجرة الصغيرة التي تظهر في الخلفية من دون تأكيد تفاصيلها. قد لا تجد علاقة مباشرة أو منطقية بين الخربشات الخطية التي تتخلل كل هذه العناصر وتُخفي معالمها أحياناً، وهذه المساحات الملونة التي تبدو كبقع من اللون سقطت سهواً على سطح الرسم. غير أن هذه العشوائية أو التنافر الظاهر بين المفردات والعناصر المتناثرة على سطح اللوحة قد يحمل بين طياته دلالة مُباشرة، تعكس تناقضات الواقع وطبيعته المتنافرة.
مساحة التجريب
يتعامل الماجري مع سطح اللوحة كمساحة للتجريب والتوليف بين العناصر والخامات أيضاً. يستخدِم لتلوين لوحاته خامات عدة، من أصابع الفحم والباستيل إلى الأقلام الملونة والرصاص، يرسم على الورق والقماش، أو حتى على الجدران. يجمع الفنان في لوحاته بين القبيح والجميل، ويؤلف بين عناصر تشي بالقسوة وأخرى لينة، تتشارك فضاء اللوحة مفردات مُتقنة البناء وذات معالجة أكاديمية مع أخرى رُسمت بعفوية بالغة، هو ينشيء تقاطعات من الخطوط والمساحات، ويختلق علاقات جديدة بين العناصر. تبدو لوحات الماجري كأنها مساحة رسم لم يكتمل، في حرص متعمد منه على وجود الفراغ الأبيض كإطار عام ومحيط مشترك لكل هذه العناصر والمفردات المرسومة. يقف العمل هنا، بين اللوحة المكتملة والدراسة السريعة (الاسكتش) أو قد يوهم بالخلل في بنائه، لكنك لا تستطيع في النهاية العثور بين تفاصيله على مواطن هذا الضعف أو الخلل المتوهم.
في أعمال الماجري أيضاً، رغبة كامنة في تفكيك علاقات القوة والهيمنة التي تشكل المجتمعات المعاصرة، من أفكار وأيديولوجيات واقتصادات وأنظمة سلطوية. هو يطيح التجانس بين تفاصيل العناصر، ويختلق عناصر وتكوينات جديدة، لا تخلو من الطرافة والسخرية أحياناً. ولا يتعمد الفنان هنا إضفاء التجسيد اللوني على عناصره المرسومة، أو الإيهام بالعمق، فهي غالباً مسطّحة الأبعاد وذات سمت عفوي أشبه برسوم الأطفال. لوحات ثامر الماجري تستدعي بين تفاصيلها إشارات عدة، منها ما هو معاصر، وبينها ما هو قديم وملتبس حد الإرباك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخرّج الفنان ثامر الماجري في معهد الفنون الجميلة في تونس العاصمة، وهو من مواليد عام 1982، يعيش ويعمل حالياً في مدينة نابل الساحلية التونسية، وعرضت أعماله محلياً ودولياً في باريس والشارقة وبيروت والقاهرة وداكار وغيرها من العواصم الأخرى.