إن لـ"وول ستريت" قدرة كبيرة على التحمل. إنها تغض الطرف عن المحتالين والكسب غير المشروع وأنواع السلوك السيئ كلها. فإذا كانت أموالكم مهمة فأنتم مهمون أيضاً في نظر شارع الأحلام.
في المقابل، أدى التمرد المسلح في واشنطن مطلع الشهر إلى دفع حتى زعماء الرأسمالية الأميركية إلى التردد. فعلى الرغم من العدوانية التي يتسم بها نظامهم، لم يستطيعوا استساغة العدوانية التي شابت التظاهرات أمام الكابيتول الأميركي، وفي داخله.
والنتيجة أن سلسلة من كبرى الجهات المانحة، من المصارف العملاقة كـ"مورغان ستانلي"، و"غولدمان ساكس"، و"سيتي"، إلى الشركات العملاقة التي تشمل "أمازون"، و"أي تي أند تي"، و"مايكروسوفت"، أعلنت وقف التبرعات السياسية مؤقتاً.
يضاف إلى ذلك أن شركة بطاقات الائتمان "هولمارك" Hallmark مضت إلى أبعد من ذلك، وطالبت عضو مجلس الشيوخ، غوش هاولي Senator Josh Hawley، الذي تلطخت سمعته، بعدما حمس الحشود المؤيدة للرئيس دونالد ترمب قبل أن يعترض على نتائج الانتخابات الحرة والمنصفة التي سلمت الرئاسة إلى جو بايدن، طالبته (هولمارك) بإعادة تسعة آلاف دولار أميركي كانت تبرعت بها له.
وتلقى المعاملة نفسها روجر مارشال Roger Marshall، وهو زميل أقل شهرة لهاولي كان على الرغم من ذلك من بين بعض الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذين وقفوا إلى جانبه. ويلاحظ أن الضغط الجماعي للشركات في نظام تتمتع فيه قدرة ممثلي الشعب المنتخبين على جمع الأموال بالأهمية نفسها تقريباً لمواقفهم السياسية، وقد يستغرق (جمع الدعم المادي) الوقت نفسه الذي تستلزمه أعمال التشريع.
وفي العادة، يمكن الاعتماد على الشركات في إبقاء صنابير التبرعات مفتوحة، بغض النظر عما يحصل، بهدف الحفاظ على خطوط الاتصال الهاتفية مفتوحة بين الشركات والمشرعين حين يناقش هؤلاء مسائل تهم الشركات.
ما الرسالة الموجهة (من هذه الشركات المؤثرة) إلى السياسيين المنتخبين؟ افعلوا ما تريدون، لكن دعونا بسلام (وابعدوا دباباتكم عن حدائقنا)، واصغوا إلى أعضاء مجموعات الضغط التي تمثلنا حين يحاول أحد أصدقائكم التدخل في شؤوننا.
ولا يحبذ عادة أن تتخذ الشركات خطوة سياسية مكشوفة. وتعد "هولمارك" حالة شاذة في هذا المضمار. فقد علق بعض المانحين ببساطة التبرعات كلها، وهذا سيؤثر في الديمقراطيين وفي الجناح نصف العاقل للحزب الجمهوري، وكذلك في متملقي دونالد ترمب الذين رافقوا عن قرب شديد، الغوغاء المشاغبة خلال الأيام السابقة لإطلاق العنان لها (يواجه ثلاثة نواب اتهامات بأداء دور في قيادة تلك الغوغاء).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حين تتبرع الشركات بسخاء، يمكن تفسير ذلك بأنها تحض مختلف الفصائل في الحزبين الرئيسين على "اللعب النظيف". ويمكن اعتبار ذلك بالسهولة نفسها عملاً جباناً.
ومضت بعض الشركات خطوة أبعد (على الرغم من أنها لم تصل إلى مستوى ما فعلته "هولمارك")، فاستهدفت في شكل خاص نواباً وشيوخاً جمهوريين سعوا إلى إسقاط نتيجة الانتخابات عن طريق المقاطعة.
في هذه الأثناء، هاجمت "الجمعية الوطنية للمصنعين"، التي شكلت يوماً إحدى الجهات الثابتة في دعم ترمب، أولئك "المحتجين العنيفين المسلحين الذين يدعمون زعماً لا أساس له من الصحة يطلقه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب بأنه فاز بطريقة ما في انتخابات خسرها بأغلبية ساحقة". وأوضح رئيسها ومديرها التنفيذي، جاي تيمونز، أن أي زعيم منتخب يدافع عن ترمب "ينتهك قسمه باحترام الدستور"، بل ذهب إلى القول إن نائب الرئيس مايك بنس يجب أن يفكر في العمل مع الحكومة لتأمين عزل ترمب في إطار المادة الـ25 الشهيرة من الدستور.
وحذرت أيضاً شبكة "كومولوس" Cumulus الإذاعية الحوارية التي تستضيف بعضاً من الأصوات اليمينية الأكثر صخباً كمارك ليفين وبن شابيرو، موظفيها في محطاتها الـ416 من تبني المعلومات المضللة حول تزوير الانتخابات أو استخدام لغة تحض على الاحتجاج العنيف.
ونظراً إلى الدور الذي أدته هذه الوسيلة الإعلامية في تعميق الورطة، إذ تحقق لها الخطابة الرنانة تصنيفات (إعلامية أعلى) وعائدات كبيرة بالدولار،ونجومها الأكبر هم الأشخاص ذوو الأداء الأفضل، إلا أن تحذيرها هذا جاء لافتاً.
في المقابل، قد يشير مشككون إلى أن الانتخابات انتهت الآن، وبتنا الآن في موسم التبرعات السياسية. وهنالك سنتان تفصلان الأميركيين عن انتخابات الكونغرس [التي تتزامن مع] منتصف الولاية الرئاسية.
وثمة أيضاً جزء كبير من التبرعات تقدمه الشركات من خلال هيئات تجارية، تميل إلى تبني قدر أعظم من المراوغة والتعبير عن الضيق، أثناء الحديث مع الأعضاء (الذين ستقدم لهم الدعم) قبل اتخاذ القرارات.
أما بالنسبة إلى الإذاعات الحوارية، فمن المؤكد أن "كومولوس" طلبت "التهدئة" في ما يخص الانتخابات. في المقابل، هل يعتقد أحد حقاً أن العويل حول الدولة العميقة، والديمقراطيين الاشتراكيين وتدهور الجمهورية الأميركية سيتوقف (في الولايات المتحدة)؟
ومع ذلك، فالمال يتكلم في السياسة الأميركية. وعلى هذا الأساس ربما تؤدي تحركات المانحين هذه في الأقل إلى توقف بعض زعماء الكونغرس من أجل التفكير.
ففي نهاية المطاف، فإن "وول ستريت" والإذاعات الحوارية وجماعات الضغط مضطرة إلى المساعدة في سحب الناس من حافة الهاوية.
© The Independent