أكثر من 60 فناناً وفنانة من دول مختلفة ضم المعرض الجماعي في مكتبة الإسكندرية أعمالهم تحت عنوان "فن البقاء في المنزل". وبلغت الأعمال المعروضة 180 عملاً فنياً في مجالات التصوير والرسم والفوتوغرافيا والتصميم الغرافيكي.
يسعى المُشاركون في هذا المعرض إلى تلمس أوجه هذه التجربة الاستثنائية التي تخوضها البشرية مع الوباء، من مخاوف وتحديات وتضامن، واستلهام الأفكار والدروس التي خرجنا بها كبشر من هذه المحنة القاسية.
يرى الفنان الكندي ديريك بيسانت المشارك في المعرض، أنه بعد انتشار وباء كورونا، وبسبب إجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة، والالتزام بارتداء الأقنعة الطبية التي تخفي تعابير الوجه، باتت الإشارات والإيماءات التي نتلقاها من الآخرين ملتبسة وغامضة. ومع قناعتنا المتزايدة بأن الهواء من حولنا مليىء بالعناصر الدقيقة غير المرئية، أصبحنا نشعر أننا نواجه عدواً خفياً. وفي محاولة منه للتعبير عن هذا العدو الخفي، التقط بيسانت مجموعة مختلفة من الصور الفوتوغرافية لأصدقائه. في هذه الصور بدت وجوه الأشخاص غائمة وغير واضحة تماماً، ما يعكس ضبابية المشهد والتباسه. بدلاً من التركيز على ملامح هؤلاء الأصدقاء سعى الفنان إلى تجسيد هذا العدو الخفي، الذي ظهر في الصور على هيئة شُهب أو أشباح تحوم حول الأشخاص.
الفنانة المصرية داليا رفعت تشارك هي الأخرى بعدد من الرسومات والإسكتشات لوجوه وشخصيات مستلهمة من أجواء الإغلاق. خلال فترة الحجر الصحي التي قضتها الفنانة في بيتها، لم تشعر برغبة ملحة كما تقول في الخروج. خلال هذه الأيام العصيبة أعادت رفعت اكتشاف مصادر الإلهام القريب، فراحت ترسم وتُجرب وتهتم بالتواصل مع مجتمع الفنانين والأصدقاء وزملاء العمل، من خلال برامج التواصل المرئي. تقول الفنانة، في مرات قليلة تساءلت عن حاجتي إلى الخروج من البيت طالما أستطيع العمل في المنزل والتواصل مع الآخرين على هذا النحو.
الفن والمتسقبل
التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي كبديل للتواصل المباشر مع الآخرين، هي إشكالية تعرض لها عديد من الفنانين المشاركين. تطرح الأعمال كثيراً من علامات الاستفهام حول طبيعتنا الاجتماعية ومخاوفنا، عن العزلة وتبعاتها، وعن مستقبلنا كبشر.
في عمله يلفت الفنان شادي أديب سلامة الانتباه إلى دور منصات التواصل الاجتماعي في تلك الفترة الاستثنائية، وكيف أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، ووسيلتنا الوحيدة للتواصل مع العالم ومع الآخرين. أما الفنان عبد الرحمن شرف، فيذهب في عمله بعيداً نحو استلهام الأساطير. يأتي شرف بالصورة المجهرية الشائعة للفيروس، ويصنع له جناحين يظهران في خلفية المشهد ويؤطران صورة الفنان نفسه، كتعبير عن غرابة هذه الأجواء التي نعايشها، ما يجعلها أقرب إلى الخيال أو الأساطير.
أما مارك بوفي من النمسا، فيقدم أربعة أعمال شكلها بواسطة الأوراق والسجلات القديمة التي يعود بعضها إلى نهاية القرن التاسع عشر. تكشف هذه التراكيب عن عديد من الاستعارات للمكان والزمان اللذين نشغلهما على كوكب غاضب كما يقول. يسعى الفنان هنا إلى إضفاء طابع شعري على التاريخ المُعقد للغاية، مع تسليط الضوء على الماضي الاستعماري للغرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن إعادة النظر في الأشياء الهامشية، التي أصبح لها دور في محيطنا الشخصي في ظل الحجر الصحي يتمحور العمل الفوتوغرافي للفنان المصري محمد أنور.
أما الفنان الأميركي إدوارد باتيمان، فقد وظف في عمله تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لاستعادة علاقته بالطبيعة من حوله. اعتبر باتيمان أن استحضار صور الطبيعة على هذا النحو، هو الحد الأدنى للحفاظ على صلته بالعالم الخارجي. وفي عمل التصميم الغرافيكي يُعبر الفنان الكندي بوني باكستر عن صدمته الشديدة، حين طالع لأول مرة مجموعة من الصور المُروعة التي انتشرت للأطفال الذين فُصلوا عن آبائهم بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في ظل التضييق على أسر اللاجئين بسبب وباء كورونا. من طريق التركيب والجمع بين الصور الفوتوغرافية يطالعنا باكستر بكائن هجين يجمع ما بين الإنسان والفأر، وقد حُجز خلف سور من الأسلاك.
ومن طريق التركيب الفوتوغرافي أيضاً، يستكشف عمل الفنان يوسف عبد الماجد الأثر البصري والنفسي الذي يخلفه إقحام عنصر ما على بيئة مُغايرة تماماً. في العمل الذي يعرضه عبد الماجد نرى بيضة عملاقة وُضعت داخل موقع للبناء. هو مشهد لا يخلو بالطبع من السخرية والطرافة، لكنه يختزل بلا شك مشاعر الصدمة وغرابة الأجواء التي نعايشها جميعاً.