قد تكون الصور التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام ليهود المغرب في إسرائيل وهم يرقصون ويحتفلون بالإعلان عن الاتفاق مع المغرب، معبرةً بالنسبة للخارج، لكنها في إسرائيل لا تعكس فرحاً غير متوقع لاتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة عربية هاجر منها اليهود في عام 1948، واستقروا في إسرائيل. فالعلاقات بين يهود إسرائيل وعائلاتهم وأصدقائهم في المغرب لم تنقطع، ليس فقط عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الاتصالات الهاتفية، وإنما أيضاً من خلال اللقاءات المباشرة داخل المغرب، التي تفتح أراضيها لكل من يحمل هوية إسرائيلية، بل إن حركة السفر إليها وصلت لذروتها قبل ثلاث سنوات، وباتت من الدول المفضلة للسياح الإسرائيليين، ويشكل يهود المغرب أكثرية هؤلاء. ومع توقيع الاتفاقية وإقرار السفر المباشر بين البلدين، من المتوقع أن يزداد العدد بشكل كبير.
الاتفاقية تفتح ملف الضم
وما إن أعلن عن الاتفاقية، وبعد بدء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالتفاخر والاحتفال بما سماه "الإنجاز السياسي المهم لإسرائيل بالتطبيع مع رابع دولة في غضون أربعة أشهر"، حتى خرج اليمين الإسرائيلي، وكل مَن وجد نفسه محبطاً ومعارضاً لنتنياهو بعد تجميد خطة ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة، للمطالبة بتنفيذها، أسوةً برأيهم بما تشمله صفقة السلام مع إسرائيل من ضم للأراضي الصحراوية للمغرب. ودعا هؤلاء نتنياهو إلى استغلال الفترة المتبقية لترمب قبل تسلم الرئيس الجديد، جو بايدن، منصبه، وتنفيذ الضم في الضفة. والعلاقات المغربية – الإسرائيلية قائمة منذ منذ منتصف القرن الماضي، إذ استضافت الأخيرة المحادثات التي شقت طريق السلام مع مصر، ومن ثم فتحت بوابات المغرب أمام السياح والأعمال التجارية من إسرائيل.
وكان إسحاق رابين، أول رئيس حكومة إسرائيلية يزور المغرب عام 1994، حيث استقبله في حينه، الملك حسن الثاني، وعرف الوفد الإسرائيلي على ابنه، الملك الحالي محمد السادس.
بعد هذه الزيارة انفتحت الأبواب أمام مختلف الزيارات، خصوصاً لسياسيين من بينهم وزراء ومستشارون من أصول مغربية. وأقيم مكتب ارتباط، وجرى تبادل علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية، إلى أن تراجعت تلك الحركة مع انتفاضة الأقصى عام 2000، وتم إغلاق المكتب كلياً عام 2002 مع انطلاق الحرب على غزة.
وفي أعقاب التوقيع الرسمي على الاتفاق، سيستأنف العمل في مكتب الارتباط وبشكل علني، وستتم زيادة عدد الرحلات الجوية من إسرائيل إلى المغرب، مع حملات خاصة ومشجعة. وكل هذا ليس بجديد على إسرائيل، في حين رأت جهات سياسية وأمنية أن "ضم الصحراء الغربية إلى المغرب، هي الصفقة". وعلق البعض على ذلك بالقول "صحيح أن الصحراء الغربية لا تساوي في أهميتها الضفة الغربية، من حيث تاريخ الأديان الثلاثة، الجغرافيا المختلفة والديموغرافيا المختلفة، ولكن الضم هو ضم وترمب هو ترمب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"اتفاقية طبيعية"
كان يهود المغرب قد وصلوا إلى إسرائيل، كأقرانهم من الدول العربية الأخرى، الذين قدموا بمجموعات هجرة منظمة بعد إقامة الدولة. وكانت المجموعة الأولى منهم قد وصلت منذ عام 1948. وهاجر إلى إسرائيل 274 ألفاً من يهود المغرب، وفق منظمة "بيت الشتات"، وشكلوا بعد عام 1949 نحو 40 في المئة من نسبة السكان في إسرائيل.
ووصل 95945 شخصاً من اليهود المغاربة بين عامي 1952 و1960. ووصل 130.507 منهم خلال السنوات من 1961 إلى 1971، ونحو 20 ألفاً خلال السنوات من 1972، وحتى 2016.
وتعد جالية اليهود المغاربة في إسرائيل الأكبر بين يهود الدول العربية، وبرز من بينهم العديد من الوزراء وأعضاء الكنيست. وحال الإعلان عن الاتفاقية خرج بعضهم داعمين لها ومهللين.
وكان وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، زعيم حزب شاس المتشدد دينياً، الذي ولد في مكناس، أول من علق على الاتفاقية، وقال "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلل به"، مضيفاً "نحن الذين ولدنا في المغرب، نحن وشعب المغرب في جميع أنحاء العالم، انتظرنا هذا اليوم طويلاً". أما وزير الشؤون الاستراتيجية من حزب "أزرق – أبيض"، ميخائيل بيتون، المتحدر من أصول مغربية، فاعتبر الاتفاقية "عيداً لكل يهودي مغربي في إسرائيل". وأضاف "المغرب تتدفق في عروقي. آمل أن أعود إلى المغرب قريباً في زيارة رسمية، هذه المرة كوزير في الحكومة الإسرائيلية". كما قالت الوزيرة ميري ريغيف المنتمية إلى حزب الليكود، إن "لليهود في المغرب جذوراً عميقة وثقافة مهمة، ليباركنا الله، ويباركهم".
استعراض نتنياهو
من جهته، وكما عرض الاتفاقات الثلاثة التي سبقت الاتفاق مع المغرب أمام الإسرائيليين، أعاد نتنياهو الكرة وألقى كلمة متلفزة، اعتبر فيها أن الاتفاقية "تاريخية". وقال إن "الخطوات الأولى من تنفيذ الاتفاقية ستكون في الرحلات المباشرة وتبادل مكاتب الاتصال بين البلدين".
وأكد نتنياهو أن حكومته ستتحرك بسرعة "لإقامة علاقة سلام دبلوماسية كاملة مع المغرب".
في السياق ذاته، كشف شمعون أوحيون، عضو الكنيست السابق، القيادي في الحزب اليميني "إسرائيل بيتنا"، الذي يترأس "تحالف المهاجرين المغاربة"، أنه كان على تواصل مع نتنياهو، منذ أشهر عدة، وفي محادثة بين الاثنين قبل شهر ونصف الشهر، طلب منه رئيس الحكومة مساعدة الطاقم الحكومي الناشط في الاتصالات مع الرباط. واعتبر أوحيون، كغالبية يهود المغرب في إسرائيل، الاتفاقية "طبيعية"، وقال إن "المغرب منذ فترة طويلة، دولة لها علاقات ودية مع زوارها الإسرائيليين. وبمجرد أن بدأت اتفاقيات إبراهيم، كان واضحاً أن المغرب ستكون الدولة التالية في القائمة".
يشار إلى أن يهود المغرب يحيون، بغالبيتهم الساحقة، جميع الأعياد الخاصة بهم، وتعد احتفالات "الميمونة"، من أهم الأحداث في التقويم الثقافي الإسرائيلي، حيث تنصب خيم خاصة تقام فيها الحفلات، ويقدم الطعام اليهودي المغربي. كما يقيم هؤلاء حفلات خاصة يحيي فيها فنانون من أصول مغربية، الأغاني المغربية الخاصة وأغاني فنانين عرب كبار، من أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش، بشكل خاص.