يبدو أن العلاقات بين تركيا وجماعة الإخوان المسلمين تشهد توتراً على خلفية رفض السلطات التركية منح الجنسية للعشرات من المنتمين إلى الجماعة والمقيمين على أراضيها، وإلقاء القبض على آخرين، وذلك وفق معلومات أكدت صحتها مصادر متابعة متطابقة.
وفي حين لم تعلق الجماعة أو الحكومة التركية على تلك الأنباء المتواترة على مدار الأيام الماضية، قالت المصادر التي تحدثت لـ"اندبندنت عربية"، إن أياً من قادة الصف الأول لتنظيم "الإخوان المسلمين"، البارزين في عمليات التواصل والتنسيق بين الجماعة وأنقرة، لم يكونوا من بين الملاحقين أمنياً، أو حتى من بين من رفضت أنقرة منحهم جنسيتها.
وتأتي تلك التطورات بعد أيام من موافقة السلطات التركية على منح عدد من المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين" تصريحاً بـ"الإقامة الدائمة"، وذلك بعد اتفاق توصلت إليه قيادات من الجماعة، ووزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، لتسوية أوراق إقامة عدد من منتسبي الجماعة في تركيا.
لماذا تصاعد "الشقاق"؟
وفق أحد المصادر المرتبطة بـ"الإخوان"، التي تصنفها دول عربية عدة "تنظيماً إرهابياً"، فإن الخلاف بين أنقرة والجماعة "تصاعد في الأسابيع الأخيرة على خلفية تجاوز قيادات من الجماعة تحذيرات تركية شفهية، بالحد من التواصل مع دول في المنطقة"، موضحاً أن "قياديين من الإخوان يخشون أن يتحولوا في وقت من الأوقات إلى ورقة مساومة سياسية ويتم التخلي عنهم من قبل تركيا، في حال أجرت تقارباً مع دول شهدت علاقاتها معها توتراً في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها مصر، التي تقول إن قيادات إخوانية موجودة في تركيا مطلوبة على ذمة قضايا أمنية وجنائية أمام محاكمها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع المصدر "منذ فترة تتذبذب العلاقة بين الجماعة وأنقرة، إلا أنها كانت دوماً تحت السيطرة مع تدخل قياديين بعينهم لتجاوز تلك الخلافات، أبرزهم ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صاحب العلاقات الوطيدة مع عناصر الجماعة، لكن الأوضاع تغيرت قليلاً خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن حذرت تقارير أمنية تركية من تواصل عالي المستوى بين قيادات إخوانية وتنظيمات ودول تخشى أنقرة من تزايد نفوذها"، وتجلى ذلك في رفض السلطات التركية المفاجئ منح الجنسية لنحو 50 شخصاً من المنتمين إلى الجماعة، في الأسبوع الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بحسب المصدر.
ووفق المصدر ذاته، جاءت أحدث مشاهد التوتر بين الجماعة وأنقرة، عبر إلقاء الأجهزة الأمنية التركية خلال الساعات الأخيرة القبض على أكثر من 20 من عناصر "الإخوان"، للتهمة ذاتها (التواصل مع جهات ومنظمات أجنبية)، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "عناصر قيادية كبيرة في التنظيم تتواصل حالياً مع الحكومة التركية بهدف تجاوز تلك التوترات".
ونقلت تقارير إعلامية تركية وعربية، الرفض التركي منح الجنسية لعدد من قيادت الجماعة يقيمون على أراضيها، وخارجها، بعد ورود تحذيرات أمنية في شأن تورطهم في التعاون مع إيران ودول أخرى، وتدريب عناصر تابعة للجماعة داخل جورجيا على اختراق الأمن السيبراني، وجمع المعلومات عبر وسائل التواصل، ما قد يشكل خطراً على الأمن القومي التركي مستقبلاً في حالة حصول هؤلاء على الجنسية التركية.
وبحسب التقارير ذاتها، تواصلت القيادات الإخوانية كذلك مع جهات إغاثية، ومنظمات تابعة للجماعة في أوروبا لتوفير ملاذات آمنة لعناصرها، بالتنسيق مع التنظيم الدولي للجماعة بقيادة مرشدهم الجديد، إبراهيم منير، ومن دون استشارة الحكومة التركية أو التنسيق معها.
هل من "خلاف حقيقي" بين أنقرة والجماعة؟
في حين لم تعلق الجماعة حتى الآن على تلك الخلافات بين قياداتها وأنقرة، يرى مراقبون أن هذا الشقاق قد يكون "خطوة نحو تحرك أوسع من قبل تركيا لضبط سياسات الجماعة، وتحجيم تحركاتها التي تجني أنقرة تداعياتها السلبية على علاقاتها الخارجية".
وقال الباحث السياسي التركي، غواد غوك، إن "خطوة تضييق أنقرة على قيادات الجماعة بشكل عام في الآونة الأخيرة تأتي انطلاقاً من تزايد الانتقادات لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي، بسب علاقاتها بجماعة الإخوان، على حساب مصالح أنقرة الاقتصادية والسياسية والأمنية في محيطها الإقليمي والدولي".
وتابع غوك "تتباين الآراء في الأوساط التركية في شأن الضرر الذي تسبب به التقارب بين حكومة العدالة والتنمية (الحزب الحاكم في تركيا) وجماعة الإخوان المسلمين على مدار السنوات الأخيرة، فضلاً عن بروز آراء رسمية تتحدث عن ضرورة تجاوز تلك العقبات بما يضمن تحسين علاقات أنقرة بأقطاب رئيسة في الإقليم، ومن بينها القاهرة، حيث كان ملف استضافة ودعم وتمويل الإخوان أحد أسباب توتر العلاقات بين البلدين منذ عام 2013". وأضاف "أرجح أن يقود الشقاق الراهن بين الجماعة والحكومة التركية، إلى إرسال رسائل للقاهرة في شأن إمكانية تخلي أنقرة عن الإخوان المسلمين، والمضي قدماً في تحسين العلاقات بين البلدين".
وتحتضن أنقرة منذ عام 2013 عدداً كبيراً من قيادات الإخوان، الذين فروا من مصر، بعد إطاحة الرئيس المصري المنتمي إلى الجماعة محمد مرسي، حليف تركيا، في يوليو (تموز) من العام ذاته، إثر احتجاجات شعبية واسعة، وهو الأمر الذي قاد إلى توتر العلاقات بين تركيا ومصر، وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين لاحقاً على وقع تباين مواقفهما إزاء عدد من القضايا الإقليمية، مثل الأزمة في ليبيا ومكافحة الإرهاب والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.
وخلال شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، أبدت أنقرة في أكثر من مناسبة مؤشرات للتقارب مع القاهرة وتجاوز الملفات الشائكة بينهما، لا سيما في شأن ملف غاز شرق المتوسط الحيوي والاستراتيجي للبلدين، فإن القاهرة ردت بتمسكها بسياساتها المبنية على رفض النهج التركي "المزعزع الاستقرار والساعي إلى التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والمفتقر للمصداقية".
وعبر المحلل السياسي التركي عن اعتقاده بتصاعد التوتر بين قيادات الإخوان وأنقرة، وصولاً إلى احتمال إبعاد أفراد التنظيم الرئيسين في تركيا إلى دولة ثالثة وتقييد نشاطهم وتحركهم، فضلاً عن وقف تمويل المحطات الإعلامية المرتبطة بهم.
في المقابل، رأى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، سامح عيد، أنه "قد يكون من المبكر الحكم في شأن وجود شقاق ظاهر بين الجماعة والحكومة التركية"، موضحاً أنه "ما لم تضم حملة التضييق الأمنية الأقطاب الرئيسة للإخوان، أمثال محمود حسين وقطب العربي، وغيرهما، فهناك رأي يرجح أن تكون الخطوات الأخيرة تمت بناءً على تنسيق بين الحكومة التركية وقيادات الإخوان بهدف وأد أي تمرد داخل صفوف الجماعة على قياداتها التاريخية". وأضاف عيد "قد يكون الأمر متعلقاً بمسألة حسابات داخلية للإخوان. والحكم الحقيقي على اضطراب العلاقة بين حكومة العدالة والتنمية والإخوان يكون عندما تلاحق تركيا القيادات الكبرى للجماعة لديها، أو حتى تقليص التمويل التركي لهم".