مع استمرار تأكيد أن إسرائيل خلف عملية اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة، منذ اليوم الأول له وحتى الإعلان عن الأسلحة التي نفذتها بها، رفعت تل أبيب حال التأهب على طول حدودها الشمالية تجاه لبنان وسوريا، والجنوبية تجاه غزة، معزّزة انتشار قواتها ومعداتها الرقابية والحربية، خشية تنفيذ عمليات انتقامية عبر الحدود، سواء بهجوم على أهداف معينة أو على دوريات عسكرية ومقرات للجيش.
كما نبهت إسرائيل سفاراتها وممثلياتها في الخارج وقيدت تحركاتها من خطر تعرضها من إيران أو "جهات موالية لها"، ووجهت تعليمات إلى مجتمعاتها وجالياتها اليهودية برفع درجة التأهب واتخاذ احتياطات أمنية مناسبة.
كل هذا، على خلفية التهديدات والاتهامات التي وجهها الرئيس الإيراني حسن روحاني، ما دفع مؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية إلى التعامل بجدية مع مختلف سيناريوهات الرد المتوقعة.
رئيس الأركان عند الحدود السورية لتقييم الوضع
منذ أن لمّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلى دور بلاده في عملية اغتيال زادة، بقوله "أود أن أقول لكم إن هناك شيئاً ما يتحرك في الشرق الأوسط، وأمامنا فترة متوترة"، و"لا أستطيع مشاركة كل ما فعلته هذا الأسبوع"، ارتفعت تداعيات الاغتيال إلى رأس الأجندة على كل الصعد حتى إعلامياً.
واستذكر البعض قول نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عقده عام 2018، بعد استيلاء "الموساد" على الأرشيف النووي الإيراني عرض خلاله صورة فخري زادة: "إنه رجل الظل، ترأس مشروع عماد الإيراني لتطوير أسلحة نووية توقف بعد عام 2003، لكنه لا يزال يقوم بدور رئيسي فيه. تذكروا هذا الاسم جيداً".
أمام التقديرات الإسرائيلية بردٍ إيراني، معتبرة الحدود الشمالية الأكثر احتمالاً، بعد اعتقال اثنين تسللا من داخل الأراضي اللبنانية إلى منطقة المنارة فيها، وفق ما أعلن الجيش، أسرع رئيس الأركان آفيف كوخافي، إلى المنطقة وأجرى جولة تفقدية وتقييماً بمشاركة قيادة المنطقة.
اجتمع كوخافي ببعض القوات المنتشرة في المنطقة معلناً أن الجيش في جاهزية للسيناريوهات كافة. وقال "رسالتنا واضحة، مستمرون بالعمل بالقوة المطلوبة ضد التموضع الإيراني في سوريا، وبجاهزية كاملة ضد أية محاولة عدوانية تستهدفنا".
ما بين التفاخر والتحذير
دخلت تل أبيب، منذ الإعلان عن الاغتيال في سجال جديد حول الملف الإيراني. وفيما "تفاخرت" جهات أمنية واستخبارية بما تسميه القدرات العملاتية والاستخبارية، خصوصاً في عرقلة مشروعها النووي بعملية حظيت بمباركة المعارضة، حذرت جهات سياسية وأمنية من مخاطر تنفيذ مثل هكذا "عمليات"، مثل التي تستهدف شخصيات إيرانية. علماً أن هناك من "شرعن" هذه العملية بالحديث عن أن الكثير من الوثائق في الأرشيف، التي سبق وأعلنها رئيس الوزراء، موقعة باسم فخري زادة. وذكر البعض بشكل صريح أن هذ الأخير كان من أبرز الأسماء المستهدفة من قبل "الموساد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمنيون إسرائيليون اعتبروا استهداف العالم النووي الإيراني، كان مسألة وقت وفرصة مناسبة، فيما رأى آخرون أن العملية رسالة مفادها أن تل أبيب متمسكة بموقف مستقل في مواجهتها الملف الإيراني، مع تأكيد مسؤولين في أكثر من مناسبة أن طهران تهديد عالمي لا إسرائيلي فحسب.
وخصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها حول العملية بعنوان "استفزاز خطير"، وأن العملية نُفذت بعد مباركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ووصفتها بأنها "ذات إمكانية كبيرة لتصعيد إقليمي هدفه استغلال لحظات نهاية ولاية ترمب لتقييد الرئيس المنتخب جو بايدن، وإحباط عودة أميركية إلى الاتفاق النووي بين طهران والقوى العظمى".
وحذرت الصحيفة من التداعيات قائلة "إن ثمالة قوة عملية كهذه من شأنها أن تؤدي ليس فقط إلى مواجهة عسكرية خطيرة، إنما إلى أزمة سياسية أولى مع إدارة بايدن.
الرد من سوريا أم في الداخل؟
في سياق النقاش الإسرائيلي حول احتمالات الرد الإيراني، استبعد البعض أن يكون من سوريا، باعتبار رئيس النظام بشار الأسد يعارض مثل هذا القرار، لعدم قدرته على تحمل مواجهة إسرائيلية – إيرانية على أرضه. كما استبعد أصحاب هذا الرأي أن يكون الرد من الحدود اللبنانية لوجود ما اعتبروه "ميزان رعب بين إسرائيل وحزب الله".
أمام هذه التقديرات، يتفاقم التخوف من أن يكون الرد في الخارج، سواء استهداف ممثليات، أو شخصيات بارزة أو مجموعات.
تغيير قواعد اللعبة
على الرغم من العمليات المتكررة لسلاح الجو الإسرائيلي ضد قواعد إيرانية في سوريا، والإعلان عن مقتل من تواجدوا في المكان، إلاّ أن عدم تحرك إيران لم يستدع من إسرائيل رفع حال التأهب عند الحدود الشمالية إلى أقصى الدرجات، ونشر قوات مكثفة كما حدث بعد عملية اغتيال زادة.
بحسب التقديرات، فإن هذه العملية قد تشكل نقلة نوعية في الرد الإيراني، خصوصاً بعد الاتهام المباشر والسريع، ما دفع بجهات أمنية للتأكيد على أن الوضع الحالي يشير إلى تغيير في قواعد اللعبة، وبالتالي يستدعي تبدلاً من إسرائيل، كاستمرار حال التأهب وجاهزية جهاز الأمن و"الموساد" والاستخبارات والجيش لأشهر، على طول الحدود الشمالية والجنوبية وفي الداخل.