ولّت الجزائر وجهها شطر أفريقيا بعد غياب فرضته الأوضاع الداخلية التي عاشتها البلاد خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ويبدو أن "استيقاظ" الدبلوماسية هذه المرة جاء بعد "صداع" الأحداث التي تعيشها المنطقة المغاربية والساحل، فقد باشر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم جولة أفريقية افتتحها بنيجيريا، ملتقياً في العاصمة أبوجا رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، جان كلود كاسي برو. واتفقا على إنشاء آلية للتشاور وتطوير العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية بين الطرفين.
وبعد لقاء جمع بوقادوم والرئيس النيجيري محمد بخاري، بحث الوزير الجزائري مع نظيره النيجيري جيوفري أونياما، سبل التعاون الثنائي، وشددا على "أهمية إعطاء الزخم اللازم للتعاون الاقتصادي من أجل الارتقاء به إلى مستوى العلاقات السياسية التقليدية القائمة على الصداقة والتضامن". وتطرق الوزيران إلى تنفيذ المشاريع الثلاثة الرئيسة التي تمت بلورتها، وهي الطريق العابر للصحراء، وخط أنبوب الغاز، والوصل عن طريق الألياف البصرية، إضافة إلى الوضع في مالي ومنطقة الساحل وليبيا والصحراء الغربية، لا سيما في ضوء التطورات المثيرة "للقلق الشديد"، وفق بيان وزارة الخارجية.
خطأ فادح وعزلة
ويعتقد أستاذ مادة التاريخ رابح لونيسي أن "الجزائر في عهد بوتفليقة ارتكبت خطأً فادحاً بإهمالها القارة الأفريقية، ويبدو أن ما تقوم به حالياً يندرج في إطار عودة قوية للدبلوماسية الجزائرية - الأفريقية، بما يسهم في بسط الأمن والاستقرار وفتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات الجزائرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر لونيسي أن "هناك عاملاً مهماً دفع الجزائر إلى ذلك، وهو قضية الصحراء الغربية، حيث حاولت المغرب استمالة دول المنظمة"، مضيفاً أن "هناك عاملاً أهمله البعض، وهو الصراع حول مشروع خط أنابيب الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر دول أفريقية عدة، ومنها الجزائر التي تعد معبراً مهما بحسب الاتفاق الأولي".
من جانبه، يرى المتخصص في الشؤون الأفريقية، سعيد هادف، أن "الجزائر تعاني عزلة زادتها عوامل داخلية وأخرى خارجية"، ويقول إن "ما شجع الجزائر على الاقتراب من الـ "إيكواس" هو فشل المغرب في الانضمام إلى هذه المنظمة، لاعتبارات ظاهرة وأخرى خفية، وجيوسياسية وقانونية وسياسية".
من هنا، يشير هادف إلى أن "هذه الزيارة الرسمية الأولى من نوعها لوزير جزائري ذات أبعاد سياسية أملتها الظروف التي تعيشها الجزائر، لا سيما حال التوتر بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم "بوليساريو"، فضلاً عن الملفين الليبي والمالي، غير أن حظوظ نجاح الجزائر في الانضمام إلى "إيكواس" لا تختلف عن المغرب لاعتبارات إقليمية وأممية".
أرقام ضعيفة وقوة ناعمة لرفعها
وفي ظل الأرقام الرسمية التي تشير إلى أن حجم المبادلات التجارية بين الجزائر والدول الأفريقية حتى 2018، لا يتجاوز ثلاثة مليارات دولار، تشكل الصادرات منها 1.6 مليار دولار، بينما تستورد الجزائر 1.4 مليار دولار، وينحصر 96 في المئة من تلك المعاملات مع خمس دول أفريقية فقط. وبالنظر إلى الأزمات المختلفة التي باتت تلتصق بدول القارة الأفريقية، فان قرار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إنشاء وكالة للتعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية ذات بعد أفريقي، من شأنه إعطاء دفعة قوية للوجود الجزائري في القارة السمراء. ويبدو أن تحرك وزير الخارجية هو إشارة انطلاق لعمل الوكالة في شكل "قوة ناعمة"، على اعتبار أن الرئيس تبون ذكر أن مهمتها الرئيسة هي تعزيز الإعانة والمساعدة والتضامن مع دول الجوار، لا سيما دول الساحل.
توجه جديد بعد تأخر
في الشأن ذاته، تعتبر الحقوقية عضو تحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة، لطيفة ديب، أن "استحداث وكالة التعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية يعبّر عن توجه جديد للدبلوماسية الجزائرية التي وضعت التعاون المشترك مع دول أفريقيا ضمن أهم أولوياتها وموضوعاتها، وقد رأينا الدور البارز الذي تقوم به في مالي والنيجر وتشاد".
وتلاحظ ديب أن "الدبلوماسية الجزائرية ماضية في حلحلة مشكلات القارة، لأن ثقة الأفارقة كبيرة، ويكفي أن الجزائر تملك علاقات وطيدة واستثنائية مع كبار القادة، خصوصاً في جنوب أفريقيا ونيجيريا، حيث تتوافق المواقف في شأن أهم القضايا المطروحة، سواء في الاتحاد الأفريقي أو هيئة الأمم المتحدة، وأبرزها النزاع بين المغرب والصحراء الغربية، وهو ما يؤهلها لاستعادة موقعها وتأثيرها".
ويعتقد الإعلامي محمد دومي أن "الجزائر تأخرت في العودة إلى حاضنتها بعد تراجع حضورها". ويقول إن "حديث وزير الخارجية الجزائري عن علاقات كاملة من التعاون الأمني والسياسي إلى الاقتصادي، يؤكد أن الجزائر تسعى للعودة إلى حدودها الأمنية والاقتصادية والسياسية التي وصلت إلى وسط أفريقيا خلال السبعينيات والثمانينيات، وقد تراجعت إلى مالي والنيجر".
ويشير إلى أن "العلاقات الدولية بعد جائحة كورونا تغيّرت، وأفريقيا ذاهبة إلى تكتل ليس بالضرورة شبيهاً بالاتحاد الأوروبي، وقد ينحصر في تعاون استراتيجي يأخذ بالاعتبار توافر عوامل النهضة في القارة، مع ظهور نخب حاكمة تسعى إلى التخلص من هيمنة الاستعمار التقليدي الذي ما زال يضغط لصناعة النخب الحاكمة في أفريقيا".