Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدرب في الشرطة الألمانية يحرض على قتل اللاجئين

تجهد في التصدي للتطرف والعنصرية المؤسسية ومزاعم صادمة ضد أفرادها مع تلكؤ الحكومة في التحقيق

انتشار واسع للعنصرية في صفوف الشرطة الألمانية (غيتي)

عندما شرع سايمون في الضغط على زناد مسدسه من عيار 9 ملم، دعا مدربه على استخدام السلاح رفاقه في الصف، إلى تخيل هدف جديد. وأضاف ضاحكا، "علينا أن نتعلم كيف نطلق النار بشكل جيد بعدما أصبح لدينا جميع هؤلاء اللاجئين الوافدين إلى البلاد".

ينضوي سايمون ضمن أحد أفراد مجموعة من الشرطة تضم قرابة 30 شخصا، لكن عندما جال بنظره في المكان والأشخاص الموجودين حوله في تلك اللحظة، لم يلمس ردود فعل كثيرة على كلام المدرب، ما خلا بعض التعليقات المازحة وربما إشارة ما إلى الامتعاض.

دأب الشاب على التدرب [في صفوف الشرطة] شهرين في مدينة "لايبزيغ" في ولاية ساكسونيا الألمانية الواقعة شرق البلاد، مدفوعا بحافز الإحساس بواجبه تجاه أقرانه من المواطنين. إذ طالما شكل الانضمام إلى الشرطة حلم مسيرته المهنية.

استطرادا، لم يتوجب عليه سوى الحفاظ على الهدوء، وتعلم تقنيات المهنة، وإجراء امتحاناته، والتخرج بعد نحو ثلاث سنوات. ولقد علم أن مسيرته ستكون صعبة، لكنه لم يتوقع ذلك المناخ المشحون بالعنصرية والكراهية للأجانب، السائد في أوساط المحيطين به من زملاء ومدربين، على نحو علني وبطريقة لا مبالية.

يرى سايمون إن المسألة لا تكمن في خوف الطلاب الآخرين من مواجهة معلميهم، بل على العكس من ذلك. إذ لاحظ أن كثيرين منهم موالين لهذا المنحى العنصري. وخلال أحد الدروس، عندما استخدم معلمه كلمة ترمز إلى العبودية، ألهب معظم الأكفّ بالتصفيق. ونقل سايمون إلى صحيفة "اندبندنت" إنه أشار إلى المعلم بأنه "لا يجوز استخدام كلمة كتلك، لكن طالبا آخر وصف موقفي بأنه يندرج ضمن الإفراط في الصواب سياسيا".

نتيجة ذلك، تقدم سايمون بعد مضي أقل من عام على بدء التدريب، بطلب المغادرة. وبحسب رأيه، "لقد صدمت بما رأيت، لم يكن ذلك ما توقعته. أعتقد أن العنصرية الهيكلية تمثل حقا مشكلة أساسية في صفوف الشرطة".

في إطار ما كان يعتبر لفترة طويلة سرا معلنا، تعرضت قوى الشرطة في ألمانيا خلال الأشهر الأخيرة لسلسلة مزاعم بأنها عنصرية، خلال لحظة من الوعي الوطني حفزتها موجة من احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter.

لعل المشهد الأكثر نفورا برز في ولاية وستفاليا شمال الراين، حيث تبين أن عناصر من الشرطة الألمانية هناك، تشاركوا مع عدد من مجموعات يمينية متطرفة على "واتس آب"، صورا للزعيم النازي أدولف هتلر، ومحتوى دعائيا عنيفا للنازيين الجدد، وصورا لطالبي اللجوء داخل غرف الغاز النازية الشهيرة.

وفي هذا الإطار، أدت حملة واسعة النطاق انتشرت في أنحاء غرب ألمانيا خلال سبتمبر (أيلول)، إلى تعليق عمل حوالى 29 عنصرا في الشرطة. وعلى الرغم من إدانة هيربرت رول، وزير الداخلية في تلك الولاية، تلك الأنشطة واصفا إياها بالـ "مثيرة للاشمئزاز"، إلا أن الحكومة الفيدرالية تلكأت، على الرغم من المطالبات المتزايدة بإجراء تحقيق مستقل في الاتهامات العنصرية الموجهة إلى الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

بعد شهر من ذلك، تصدرت الشرطة العناوين الرئيسية للأخبار مرة أخرى بعد القبض على 25 عنصرا في العاصمة برلين، ينعتون المسلمين واللاجئين إلى ألمانيا بأنهم حيوانات تمتلك "ثقافة متطرفة تنتمي إلى فصيلة القردة العليا".

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أوقف أربعة شرطيين في ولاية مكلنبورغ - فربوومرن لمشاركتهم "صورا صادمة" آتية من صفوف اليمين ومواد أخرى عنيفة. وفي ولاية ساكسونيا، كشف النقاب عن استخدام الشرطة على مدار أعوام لغة معادية للسامية في تعاملها مع أحد أصحاب المتاجر.

في لقطات مأخوذة عن محادثات على تطبيق "واتس آب" بين أفراد من شرطة مدينة لايبزيغ، لم تتمكن صحيفة "اندبندنت" من التدقيق في مدى صحتها من جهات مستقلة، شوهد عناصر يتفوهون بكلمات نابية ومهينة، ويصفون مدى "كراهيتهم الشعوب الأفريقية".

إحدى المحادثات سجل خلالها قول أحد الأشخاص إنه "نُشر عدد كبير من عناصر الشرطة في أنحاء المدينة بسبب تنظيم "داعش". واضطررت إلى تناول شطيرتين من لحم الخنزير ونحو ليتر ونصف من البيرة لإثبات أنني لست مسلماً. وكذلك وجِدَتْ امرأة بين عناصر الشرطة، فإذا ظهرت علامة إثارة جنسية على أحد ما، يقْبَضْ عليه".

لم تردّ شرطة ولاية ساكسونيا بشكل فوري على طلبات وجهتها إليها صحيفة "اندبندنت" للتعليق على ما تقدم. وفيما حظيت الحوادث الأخيرة باهتمام محلي أكبر، ودولي في بعض الحالات، يسارع المحللون إلى الإشارة إلى أن قوات الشرطة تتلقى منذ مدة طويلة اتهامات بالعنصرية على المستوى المؤسسي.

وتناولت مسألة العنصرية المؤسسية أنيتا كاهان، رئيسة "مؤسسة أماديو أنطونيو" وهي من المنظمات غير الحكومية الرائدة في البلاد العاملة على التصدي للعقائد اليمينية المتطرفة والعنصرية ومعاداة السامية. وبحسب كلماتها "لقد وجِدَتْ العنصرية المؤسسية دائماً، إنما الآن بتنا نتحدث عنها".

أضافت، "ساعدت حركات كـ"حياة السود مهمة" في تسليط الضوء على هذه المسألة ونجحت في طرحها على طاولة النقاش. وبات الجميع الآن يتحلون بالشجاعة الكافية للتعبير عن آرائهم بجرأة". وتدل الثقافة الصارمة المترسخة والمنتشرة من القمة إلى القاعدة، والروح التضامنية الشرسة المغروسة في أذهان الشرطة، على أن كثيرين يخشون من فضح السلوك السيّء الذي يتبناه الآخرون. وتشير كاهان إلى، "تكون المجموعة [داخل الشرطة] قادرة على ممارسة ضغوط عليك، وكل شخص يتحدث عن الأمر يعتبر عدواً لها".

ويرى سايمون أيضاً، انتشار شيفرة غير مكتوبة قوامها التأييد الثابت لمبدأ القوة القاهرة والتستر على الأخطاء التي قد يرتكبها الزملاء عندما يتجاوزون حدودهم. ويضيف، "إذا كنتَ أحد العناصر المسؤولة عن مكافحة الشغب وضربتَ شخصاً ما، فسيعمل الشرطيون الآخرون على تغطيتك، حتى لو كانوا مدركين أنك على خطأ".

في تقرير نشر سنة 2017، أفاد خبراء في منظمة الأمم المتحدة بأن الأشخاص المتحدّرين من أصل أفريقي في ألمانيا، يواجهون "تمييزاً عنصرياً" يومياً، لكن "وضعهم لا يزال مجهولاً على مستوى المجتمع ككل".

يعتبر ريكاردو سونغا، الذي ترأس فريق الخبراء أن "الإنكار المتواصل لوجود تمييز عرقي في ألمانيا من قبل أجهزة الشرطة، وغياب آلية مستقلة توثّق الشكاوى الواردة، على المستوى الفيدرالي أو الولايات، يعززان مناخ الإفلات من العقاب وغياب المساءلة".

وأضاف سونغا، "الافتقار إلى بيانات إحصاء مصنفة بحسب الأعراق" في البلاد، مع "غياب فهم كامل للتاريخ"، ساهما في حجب حجم العنصرية الهيكلية والمؤسسية في البلاد. ولفت إلى أن ألمانيا لا تجمع إحصاءات عرقية، وبالتالي يصبح من المستحيل مثلاً تحديد مدى إمكان توقيف الشرطة أشخاصاً من ذوي البشرة الملونة وتفتيشهم، أو تقييم مستوى التنوع العرقي داخل أجهزتها.

 

أدى صيف الاحتجاجات المناهضة للعنصرية الذي طاول أصقاع العالم، بعدما أشعلته جريمة القتل الوحشي لجورج فلويد على يد الشرطة في الولايات المتحدة، إلى كسر جدار الصمت حول ما كان يعتبر مسألة غير مطروحة للنقاش في ألمانيا، وساهم في ظهورها على الملأ. ونُظم أحد أكبر الاحتجاجات خارج الولايات في العاصمة برلين، عندما نزل أكثر من 15 ألف ناشط إلى ميدان "ألكسندر بلاتس" الشهير في السادس من يونيو (حزيران).

قبل ذلك بيومين، أقرت العاصمة مشروع قانون مكافحة التمييز على مستوى الولاية، ينص صراحة على أنه لا يجوز للسلطات العامة بما فيها أجهزة الشرطة، ممارسة أي تمييز على أساس الجنس والأصل العرقي، بحيث تجاوز في محتواه حدود القانون الفيدرالي.

وسارع وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر إلى التراجع عن إقرار أي تغييرات قانونية على مستوى البلاد ككل، وساند بشدة نقابات الشرطة، مشيراً إلى أنه "يجب أن نقف إلى جانب قوى الشرطة وإزاحة الشبهات العامة عنها".

منذ ذلك الحين، استخدم زيهوفر حقّه في النقض ضد خطط تدعو إلى البحث في اتهامات مرتبطة بممارسة العنصرية الهيكلية في أجهزة الشرطة، بحجة أن الحكومة تفضل "مقاربة أوسع للمجتمع بأسره".

أكد متحدث باسم وزارة الداخلية لصحيفة "اندبندنت" أنه جرى تكليف لجنة بتقصي حالات ممارسة العنصرية اليومية في المجتمع المدني. وأشار إلى أن الحكومة شرعت عوضاً عن ذلك، في إجراء تحقيق "في العمليات اليومية للشرطة" لتقيّم "طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع".

يتمثل ما يثير المخاوف في أن المشكلة آخذة في التفاقم. فقد لاحظ أحدث تقرير لـ"الهيئة الاتحادية الألمانية لمكافحة التمييز" ارتفاع حالات التمييز العنصري التي أبلِغَ عنها بـ60 في المئة تقريباً في الفترة الممتدة ما بين عامي 2016 و2019.

ومؤخرا، حذرت ساسكيا إسكن الزعيمة المشاركة لـ"الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، من أن الديموقراطية الألمانية "تتعرض لهجوم" من تطرف جناح أقصى اليمين، متهمة الأحزاب المحافظة بعرقلة مشروع قانون عن الديموقراطية يعالج مزاعم التمييز المؤسسي.

ويرجح محللون أن يكون التحفظ عن اتخاذ خطوات عملية نابعاً من مخاوف عميقة الجذور من فتح "صندوق باندورا" (في إشارة إلى إمكان بروز تعقيدات لا تنتهي نتيجة اعتماد حسابات خاطئة) المشحون سياسياً، الذي تمثله العنصرية البنيوية وأيديولوجية اليمين المتطرف.

في الإطار، تشرح أنيتا كاهان الأمر أن "ألمانيا تخشى بشدة مواجهة مسألة حية تنبض في ثناياها، أو ربما قد تشهد صحوتها". وتضيف، "لذا عندما يتعلق الأمر بالعنصرية اليمينية، فالأمر يتكرر دائماً، والحكومة تنكر وتنكر وتنكر".

تختم كاهان بالإشارة إلى إنه "من الصعب جداً على الحكومة تقبل هذا الواقع. إذ تخشى اللوم على تقصيرها في هذا المجال. لذا، تفضل تجاهل المسألة بدلاً من فعل شيء حيالها".

© The Independent

المزيد من دوليات