أطلق المغرب اليوم الجمعة، عملية عسكرية في منطقة الكركرات العازلة بالصحراء الغربية على الحدود مع موريتانيا، من أجل "إعادة إرساء حرية التنقل" المدني والتجاري في المنطقة، مديناً "استفزازات" جبهة "البوليساريو"، التي "أعلنت الحرب" من جانبها.
وفرض الجيش المغربي حزاماً أمنياً، بهدف تأمين تدفق السلع والأفراد عبر الكركرات، وذلك عقب عرقلة الجبهة عملية العبور من خلال الممر الحدودي بين المملكة وموريتانيا. مؤكداً أن العملية "ليست عدوانية"، إنما تقوم على تجنب أي احتكاك مع المدنيين، وعدم اللجوء إلى السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي.
تبادل الاتهامات بين الطرفين
وذكرت القوات المسلحة المغربية، أن 60 شخصاً تقريباً، تحت إشراف عناصر مسلحة من الـ "بوليساريو"، قطعوا محور الطريق الذي يعبر المنطقة العازلة في الكركرات وعرقلوا المرور، فاضطر الجيش إلى فرض طوق أمني من أجل تأمين تدفق البضائع والأفراد. لكن، الجبهة اعتبرت تدخل القوات المغربية "هجوماً وحشياً على المدنيين الصحراويين العزل، الذين كانوا يتظاهرون سلمياً في الكركرات جنوب غربي الصحراء الغربية"، حسب نص الرسالة التي وجهها زعيم الجبهة إبراهيم غالي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وقال غالي إن "العملية العسكرية التي شنها الجيش عمل عدواني وانتهاك صارخ لوقف إطلاق النار، الذي ينبغي للأمم المتحدة ومجلس الأمن إدانته بأقوى العبارات"، وأضاف، "لمواجهة هذا الهجوم، فرض على القوات العسكرية لجبهة البوليساريو الاشتباك مع القوات المغربية، دفاعاً عن النفس ولحماية المدنيين".
وختم رسالته قائلاً إن "هذا العمل العسكري يدل بوضوح على كونه عدوانياً مبيتاً، لنسف جهودكم الرامية إلى نزع فتيل التوتر وتهدئة الوضع في منطقة الكركرات".
وانطلقت شرارة نزاع الصحراء الغربية عام 1975، على إثر تنظيم المغرب المسيرة الخضراء لاسترجاع منطقة الصحراء التي تعتبرها المملكة تابعة لها، عقب إنهاء إسبانيا احتلالها للمنطقة، ومن ثمّ تحول الخلاف بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى "نزاع مسلح".
وأعلنت الجبهة، المدعومة من الجزائر، قيام "الجمهورية العربية الصحراوية" في 27 فبراير (شباط) 1976 من جانب واحد، مطالبة بتنظيم استفتاء لـ"تقرير المصير" في منطقة الصحراء التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلو متر مربع. بينما يصر المغرب على تبعية الصحراء لسيادته، رافضاً أي حل، باستثناء مقترح "الحكم الذاتي تحت سيادته"، الذي حظي بدعم كثير من دول العالم.
ممارسات استفزازية
وفي سياق التوتر المتجدد، يرى عميد كلية الحقوق بتطوان محمد العمراني بوخبزة، أن تحرك الجيش المغربي "لا يعد خطوة عدوانية"، بل يأتي في إطار تحمله مسؤولياته، لضمان التنقل المدني والتجاري في معبر الكركرات، وحماية استقرار وأمن المنطقة، موضحاً "جبهة البوليساريو دأبت على ممارسة استفزازات منذ عدة أسابيع، في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن".
وقال العمراني، "ما أقدمت عليه القوات المغربية يهدف إلى حماية مصالح المغرب وموريتانيا وعدد من الدول المستفيدة من هذا الممر في مواجهة الممارسات التي تقبل عليها جبهة البوليساريو، التي لقيت استنكاراً على الصعيد الدولي"، مشيراً إلى أن المنطقة "هشة أمنياً"، ويمكن استغلالها من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في الساحل والصحراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتهم المغرب جبهة البوليساريو بأنها تمارس استفزازات خلال السنوات الأخيرة بالمنطقة العازلة بهدف جر المملكة إلى حرب مباشرة. وفي هذا الشأن قالت الخارجية المغربية، إن "الجبهة وميليشياتها تسللت إلى المنطقة العازلة منذ 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ثم مارست أعمال عصابات، وعرقلت حركة تنقل الأشخاص والبضائع على ذلك المحور الطرقي، وكذا التضييق باستمرار على عمل المراقبين العسكريين للمينورسو".
زعزعة الاستقرار
واعتبرت الخارجية المغربية أن "هذه التحركات الموثقة تشكل أعمالاً متعمدة لزعزعة الاستقرار وتغيير الوضع بالمنطقة، وتمثل انتهاكاً للاتفاقات العسكرية، وتهديداً حقيقياً لاستدامة وقف إطلاق النار"، مشددةً على أن "تحركات البوليساريو الأخيرة تقوّض أي فرص لإعادة إطلاق العملية السياسية المنشودة من قبل المجتمع الدولي". وأكدت الخارجية أنه "منذ عام 2016 ضاعفت الجبهة تحركاتها الخطيرة وغير المقبولة في هذه المنطقة العازلة".
في المقابل، اعتبر زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، أن المغرب بتحركات جيشه الأخيرة "قوّض بشكل خطير" ليس فقط وقف إطلاق النار والاتفاقات العسكرية ذات الصلة، لكن أيضاً أي فرصة للتوصل إلى حل سلمي ودائم لمسألة إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية.
يذكر أن المفاوضات الطويلة بين الطرفين لم تسفر عن أي اتفاق، نظراً إلى تمسّك كل منهما بموقفه، إذ يرى المغرب أن أي حل للنزاع يجب أن يمر عبر "مقترح الحكم الذاتي"، في حين تؤكد الجبهة أن إنهاء الأزمة يكون فقط عبر آلية "تقرير المصير". وكان الجانبان اتفقا على عقد سلسلة جديدة من المناقشات في عام 2019، بعد عشر سنوات من إيقافها.