Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخاض في أميركا والولادة في لبنان؟

بيروت أمام ساعات حاسمة لتشكيل حكومة تأخيرها قد يستدرج عقوبات أميركية

سبق لرئيس البرلمان أن قال بعد انتخاب عون "إن البلد سيتعامل مع رئيسين" غامزاً من قناة صهر الرئيس (رويترز)

يواصل الفريق الحاكم في لبنان اللعب على حافة الهاوية بتأخيره تأليف الحكومة الجديدة برئاسة زعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بعدما كان منتظراً أن تصدر مراسيمها الأحد أو الإثنين الماضيين، لكن تعقيدات المطالب التوزيرية، لا سيما من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" وغيرهما، أحبطت ولادتها.

ومع معاودة اللقاءات بين عون والحريري بعد انقطاع، وسط اعتقاد بأن ضغط الظروف المأساوية في لبنان والمواقف الخارجية، وسعي فريق الرئاسة إلى التبرؤ من تهم تعطيل الحكومة، يُنتظر أن يتضح معها مصير الحكومة خلال اليومين المقبلين، إن لم يكن في الساعات المقبلة. وقد جرى تثبيت الاتفاق على جعل عدد وزراء الحكومة 18 وزيراً لا أكثر، كما كان عون يطالب.

رفض الحريري مطالب عون فعاد التعاون

تركت ردود الفعل العارمة على عرقلة تأليف الحكومة التي كان الحريري يعد نفسه بإنجازها في سرعة، أثرها في المسرح السياسي، ما اضطر عون وباسيل إلى إصدار بيانات توحي بأنهما ليسا من يضعان العصي في دواليب إنجاز الحكومة، وأعقب ذلك اجتماع بين عون والحريري حاول الأول إثره تبديد التشاؤم الذي طبع نهاية الأسبوع الفائت، بأن أعلن في الاجتماع مساء الإثنين أنه "تابع معه درس ملف تشكيل الحكومة الجديدة، في جو من التعاون والتقدم الإيجابي".

الحريري رفض المطالب العونية والباسيلية، وتولى عضو المكتب السياسي في "المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش التلويح الأحد الماضي بأن الرئيس المكلف على مشارف قرار حاسم خلال 48 ساعة، حول خيارات عدة من بينها الاعتذار من تأليف الحكومة، وهو موقف أعلنه علوش بالتنسيق مع الحريري نفسه، ولم يكن صادراً عنه بمفرده، كما علمت "اندبندنت عربية". وذكرت مصادر في تيار "المستقبل" أنه لم يعد ممكناً أن يفرض أي فريق على الحريري أي وزير إذا لم يكن مطابقاً لمواصفات حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، وأنه لن يراعي أحداً في ذلك.

التماهي في التعطيل والنفي

وإذا كانت الحملة الإعلامية التي أعقبت فرملة الإعلان عن الحكومة تركزت ضد عون لمراعاته جموح باسيل في الاستئثار بمقاعد وزارية، فلأن ما بات مسلّماً به في لبنان والخارج، هو هذا التماهي الوثيق بين الرئيس والصهر، الذي يأخذ أحياناً شكل التطابق في المواقف، وأخرى مناورة توزيع الأدوار. فالأول لم يخفِ طوال سنوات عهده الأربعة السابقة، طلبه من كل الفرقاء أن يتفقوا مع باسيل على أمور تحتاج إلى قرار منه لا من صهره، بحيث صدقت القاعدة التي اخترعها رئيس البرلمان نبيه بري قبل انتخاب عون، حين برر لحليفه "حزب الله" رفضه التصويت له في العام 2016، بأن البلد سيضطر إلى التعامل مع رئيسين.

ومع أن الحملة التي اتهمت باسيل وبالتالي عون بعرقلة الحكومة، تولتها معظم الوسائل الإعلامية حتى تلك التي تراعي فريق الرئاسة عادة، فإن التماهي بين الرئيس والصهر عاد فظهر في بيانات النفي التي اضطرا إلى إصدارها، من أجل تبديد ما جاء في بيانات أصدرها "التيار الحر"، تطلب توسيعاً للحكومة من 18 وزيراً إلى 20 من أجل توزير حلفائه، وما تضمنته تصريحات نواب من "التيار" وتسريبات عن مطالبة باسيل بحقائب منها الاحتفاظ بوزارة الطاقة، ورفضه المداورة في الحقائب بحجة أن الحريري وعد "الثنائي الشيعي" بالاحتفاظ بحقيبة المال، إضافة إلى إصرار باسيل على الاستئثار بتسمية الوزراء المسيحيين، وترك مقعد وزاري واحد لم يسمّه لسليمان فرنجية.

تلك تسريبات جعلت عون وباسيل متلبسين بتهمة العرقلة، فأوساط باسيل اتهمت الحريري بأنه أعطى وعوداً ترضي كلاً من عون وفرنجية وجنبلاط و"الثنائي الشيعي" حول الحقائب، في وقت ينفي جنبلاط وفرنجية أن يكونا تلقيا وعوداً من هذا النوع. أما "الثنائي"، فأوضحت أوساطه أنه ينتظر تواصل الحريري معه للتفاهم على ما يتعلق به في التشكيلة الحكومية.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تراجع الرئيس والصهر

 لذلك وجد الرئيس اللبناني من مصلحته الرد على الحملة بأن أعلن في بيان عن مكتبه الإعلامي أن " بعض وسائل الإعلام ذهب إلى حد توزيع الحقائب وإدراج أسماء بعض المرشحين للتوزير. المعلومات لا تمت إلى الحقيقة بصلة"، موضحاً أن "التشاور في شأن تشكيل الحكومة يتم حصراً ووفقاً للدستور بين رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، ولا يوجد أي طرف ثالث في المشاورات، لا سيما النائب جبران باسيل"، فالرئيسان كانا اتفقا على حصر التداول بالحكومة، عدداً وحقائب وأسماء، فيهما. وألحق باسيل بيان الرئاسة بآخر يتبرأ فيه مما اتهم به من مطالب، بوصف ما يتداوله الإعلام "فبركة" حول تدخله في تشكيل الحكومة، قائلاً إنه "يهدف إلى تحميله مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة لتغطية المعرقلين الفعليين".

ما هي أسباب هذا التبرؤ الذي أحيا اللقاءات بين عون والحريري الإثنين، بعدما جمدتها العراقيل طوال نهاية الأسبوع الماضي، وأعادت عقارب الساعة إلى الوراء؟

ردود الفعل على عرقلة تأليف الحكومة

اتفقت مصادر سياسية عدة على القول إن عوامل عدة دفعت عون وباسيل إلى التراجع عن مواقفهما وتوزيع الأدوار بينهما، فهما ظهرا غير مكترثين بالحاجة القصوى إلى تسريع قيام الحكومة في ظرف يزداد إلحاحاً، وفي ظل مزيد من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية المالية، التي تطالب قطاعات المجتمع كلها بإنجازها من أجل أن تبدأ تحقيق الإصلاحات تلبية لشروط المجتمع الدولي، كي يقبل بتقديم مساعدة مالية عاجلة إلى لبنان تفادياً لانهياره الكامل، مع اقتراب نفاذ احتياطه من العملة الصعبة، الذي يؤمن من خلاله الحاجات الأساسية.

كما أن عرقلة الحكومة بسجال حول الحصص والحقائب، فضلاً عن أنه يسقط مبدأ حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، أدخل البلد في سجال يتجاهل خطورة ما بلغه من تفش فاق المراحل السابقة لجائحة "كوفيد-19"، حيث قارب عدد الإصابات اليومية الألفين، في ظل اقتراب النظام الصحي من حافة العجز عن التعاطي مع الأزمة.

والعامل المهم أيضاً رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي يوم الأحد الصوت داعياً المسؤولين إلى التوقف عن الضغط على الرئيس المكلف، فجاء كلامه بمثابة اتهام غير مباشر لفريق الرئاسة وعون بعرقلة التأليف، بعدما كان قال في اليوم السابق، أي في الذكرى الرابعة لانتخاب عون رئيساً، إن "السلطة السياسية قتلت شعبها"، ولم يترك الحزبان المسيحيان المعارضان للعهد، "القوات اللبنانية" و"الكتائب"، مناسبة تعطيل الحكومة من دون التعليق عليها، فرئيس "القوات" سمير جعجع غرد سائلاً، "هل رأيتم الآن لماذا أحجمت "القوات اللبنانية" في مسألة الحكومة (عن تسمية الحريري لرئاسة الحكومة)؟ وقال: "طالما أن الثلاثي الحاكم حاكماً ("حزب الله"، "أمل"، وعون ومعه باسيل) لا أمل بأي خلاص". أما رئيس "الكتائب" سامي الجميل فدعا إلى "الخروج من النهج المدمر بالذهاب إلى أي حكومة اختصاصيين".

عودة العقوبات بعد تأجيلها

يضاف إلى كل ذلك أن جهات ديبلوماسية عدة تحركت علناً وبعيداً من الأضواء مثل السفيرة الأميركية دوروثي شيا، والمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، للاستفسار عن عرقلة إنجاز الحكومة ومدى صحة التسريبات الإعلامية عن المحاصصة في توزيع الحقائب، في شكل يبعد التركيبة الحكومية عن صفة الاختصاصيين غير الحزبيين، التي تحرص على هويتها الدول الغربية المعنية بمساعدة لبنان، وخصوصاً واشنطن.

في تعداد أسباب تراجع عون وباسيل عن بعض شروطهما الحكومية، بدا أن هناك عاملاً حاسماً اقترن مع التحرك الديبلوماسي الغربي، أشار إليه سياسيون يتمتعون باتصالات وثيقة مع سفراء وديبلوماسيين في بيروت، عن تلويح أميركي وأوروبي بإصدار عقوبات على شخصيات تعرقل قيام الحكومة، سواء من باب تحالفهم مع "حزب الله"، أو من باب تطبيق ما جاء في قانون "ماغنتسكي" الأميركي للعقوبات، على متهمين بالفساد إضافة إلى العلاقة مع الحزب.

 وتفيد معلومات سياسيين متصلين بالإدارة الأميركية أن دفعة جديدة من العقوبات كانت ستصدر في الأسبوع الأخير من أكتوبر (تشرين الأول)، إلا أن هناك من نصح في واشنطن بتأجيلها، لأن العقوبات السابقة (8 أكتوبر) على الوزيرين السابقين الحليفين للحزب علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، كانت ذريعة لعرقلة تأليف الحكومة برئاسة السفير مصطفى أديب، وبالتالي فالأفضل انتظار تأليف حكومة الحريري، لكن تعطيلها قد يكون حجة هذه المرة لإصدار عقوبات في حق شخصيات واردة على لائحة طويلة تنتظر الظرف المناسب سياسياً لإعلان بعضها.

قراءتان لموقف الحزب من التعطيل  

وفي ظل الصمت المطبق من قبل الحريري ومحيطه حول ما يتم تداوله مع عون في شأن صيغة الحكومة، واكب هذا التحرك إشاعة تقديرات في أوساط بعضها قريب من تيار "المستقبل" وأخرى محايدة، بأن الفريق الرئاسي وباسيل يعطلان تأليف الحكومة خدمة لحليفهما "حزب الله"، تعويضاً عن انزعاجه من طريقة تشكيل الوفد اللبناني إلى المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية، خصوصاً أنه أصدر بياناً اعترض فيه بشدة على إضافة عون مدنيين إليه، بدل اقتصاره على العسكريين. وتميل هذه الأوساط إلى القناعة بأن عون وباسيل لا يعطلان الحكومة من دون التوافق مع "حزب الله"، فالأوساط السياسية التي تعتبر أن عون وباسيل على الرغم من إرسالهما إشارات في الآونة الأخيرة عن تمايز سياستهما عن "حزب الله" في السياسة الخارجية تفادياً لشمول رموز من "التيار الحر" بالعقوبات، إلا أنهما لا يستطيعان الخروج من تحت عباءته ونفوذه. والشائع منذ أسابيع أن في حسابات الحزب حيال تركيبة الحكومة الجديدة رغبة إيران في تأجيل قيام الحكومة اللبنانية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأن طهران تفضل لعب أوراقها الإقليمية في ضوء معرفتها من سيفوز بالرئاسة الأميركية.

وعلى الرغم من نفي أوساط الحزب للربط بين الحكومة والاستحقاق الرئاسي الأميركي، إلا أنه سبق للأمين العام للحزب حسن نصرالله أن أشار قبل ثلاثة أشهر إلى ترقب الانتخابات الأميركية، في معرض حديثه عن ضرورة التهدئة في لبنان.   

في المقابل، تصر أوساط مواكبة للاتصالات التي أعقبت عرقلة التأليف في حديثها إلى "اندبندنت عربية" على أنه خلافاً للاعتقاد السائد بأن "حزب الله" وراء تشدد باسيل في مطالبه، فإن الحزب وبري أدركا فداحة تأخير الحكومة على سوء الأحوال المالية والاقتصادية، وأن رفضه التناغم مع باسيل في عرقلتها هدفه تجنب تصاعد الحملات عليه في الأوساط المسيحية والإسلامية عموما، وصولاً إلى بيئته الشيعية.

المزيد من العالم العربي