كثفت الأطراف الليبية نشاطها الدبلوماسي وجولاتها الخارجية استعداداً للمرحلة الحاسمة من المسار التفاوضي الذي تخوض غماره منذ أشهر، وأفضى إلى تفاهمات واتفاقات مبدئية بحاجة إلى وضع اللمسات الأخيرة عليها، واعتمادها من قيادات الطرفين، لتصبح ملزمة للجميع وتدخل حيز التنفيذ.
يأتي ذلك في وقت بدأت تتلاشى فيه حال التفاؤل التي سيطرت على المشهد الليبي قبل أسابيع بعد توقيع اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار، مع توالي تصريحات وتسريبات أثارت شكوكاً في ما ستفرزه جلسات الحوار المقبلة، وسط مخاوف من نقلها الأزمة إلى مرحلة جديدة من التعقيد.
محادثات مع الحلفاء الإقليميين
ما إن ألغى رئيس حكومة الوفاق فائز السراج استقالته من منصبه حتى قرر الذهاب إلى أنقرة، الحليف الأبرز له ولحكومته طوال السنوات الماضية، في زيارة قالت مصادر مقربة منه إنه سيبحث خلالها مع مسؤولين أتراك كبار المستجدات في ليبيا، وتطورات ملف الحوارات السياسية والعسكرية.
وقبل أن يلتقي السراج كبار المسؤولين في تركيا، اجتمع السبت 31 أكتوبر (تشرين الأول) مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز. وقالت إدارة التواصل والإعلام التابعة للمجلس الرئاسي إنه "تم خلال اللقاء التشاور حول الخطوات المقبلة لاستئناف المسار السياسي، وفقاً لمخرجات مؤتمر برلين".
وأضافت أن الجانبين شددا على أن "ملتقى الحوار السياسي الليبي المزمع عقده في تونس خلال التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، يمثل فرصة تاريخية لحل سياسي من دون تدخل خارجي، ووفق خريطة طريق واضحة وملزمة، وبتواريخ محددة للوصول إلى انتخابات وطنية تجرى على قاعدة دستورية صلبة".
وأضافت، "يجب أن يشمل الحل السياسي جميع الليبيين، وأن يضع الجميع مصالح الوطن فوق مصالحهم الشخصية والجهوية، حفاظاً على سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".
في المقابل، وصل رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح السبت الماضي إلى القاهرة على رأس وفد حكومي من الشرق الليبي للقاء عدد من المسؤولين المصريين، وبحث تطورات الأوضاع هناك، والمسارات التفاوضية التي تخوضها أطراف الأزمة.
مسار محفوف بالمخاطر
في وقت تلملم فيه الأطراف الليبية أوراقها قبل الدخول إلى حواري "غدامس" و"تونس"، تراجعت المؤشرات الإيجابية في شأن نتائجهما المحتملة، بناء على معطيات تواترت خلال الأيام الماضية، إذ حذرت أطراف مقربة من فريقي الحوار من تداعياتها على مجريات الجولة الحاسمة في المسارين السياسي والعسكري. واعتبر عضو مجلس النواب الموازي في طرابلس أبوبكر سعيد أن ما تطرحه المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز في شأن حوار تونس المقبل يجعله محفوفاً بالمخاطر.
وقال سعيد "لم نكن يوماً ضد الحوار وحل أزماتنا بالطرق السلمية، ولسنا متشائمين بالمطلق، لكن المؤشرات تقول إن ما تطرحه السيدة ستيفاني وليامز في تونس محفوف بالمخاطر، وإمكانات نجاحه ضئيلة في ظل استمرار انعدام الثقة وتضارب المصالح داخلياً وخارجياً".
لكنه يأمل في أن "يخرج حوار تونس بتوافق ليبي على تحديد موعد الانتخابات القادمة لإرجاع الشرعية إلى أصحابها"، معتبراً أن ماعدا ذلك ليس إلا "تدويراً للأزمة وإطالة لأمدها".
أما المستشار السياسي السابق في مجلس الدولة أشرف الشح، فرأى أن اتفاق جنيف لا يمكن أن يطلق عليه اتفاق وقف إطلاق النار، بل هدفه تهيئة ما بعده من صفقات سياسية، مشيراً إلى أن "المبعوثة الأممية أرادت بهذا الاتفاق تهيئة أجواء تمكنها من عقد صفقة سياسية تعد لها في تونس، بدعوتها لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم".
تصريح مدو يثير الجدل
أما أكثر التصريحات التي حركت الشكوك حول مآلات الحوار في المسار العسكري الذي تنطلق جولته الثانية للمرة الأولى في "غدامس" الليبية يوم الإثنين، والذي دعا فيه وزير دفاع حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش إلى إيقاف كل المسارات التفاوضية، والتركيز على تحديد موعد انتخابات برلمانية خلال النصف الأول من 2021.
مضيفاً أن "الانتخابات ستؤدي إلى توحيد مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة كاملة الشرعية تعمل على التجهيز للاستفتاء على دستور دائم للبلاد"، وأن ما عدا ذلك ليس إلا محاولات "فاشلة لتقاسم السلطة تهدد بتعميق الأزمة وانهيار ما تبقى من مؤسسات".
واستأثر التصريح باهتمام كبير داخل ليبيا، كونه صادر عن جهة تمثل أهم أضلاع حوار المسار العسكري، واُعتبر صدورها من أعلى هرم في المؤسسة العسكرية بطرابلس في هذا التوقيت، مؤشراً سيئاً إلى ما ستؤول إليه المفاوضات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شروط مسبقة للجيش
على الطرف الآخر في بنغازي، أكد الجيش الوطني الليبي ذهابه إلى طاولة الحوار الجديدة في "غدامس" متمسكاً بشروطه التي شدد عليها كثيراً خلال الأيام الماضية.
وشدد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش خالد المحجوب على ضرورة اتخاذ إجراءات عملية، تنقل اتفاق جنيف من الورق إلى حيز التنفيذ، مؤكداً أنه "ملزم بحسب التوصيات الأممية التي صدرت عن مؤتمر برلين، وبعد اعتماده من مجلس الأمن، ويجب الإجماع على خطة واضحة لتنفيذه، بداية من توحيد المؤسسة العسكرية المشكّلة من عسكريين نظاميين، وإخراج القوات الأجنبية من ليبيا".
وحذر المحجوب من "مساعي الميليشيات المسلحة إلى إفشال اتفاق جنيف، بعد رفضه بدفع من جماعة الإخوان المسلمين التي رفضته هي الأخرى بشكل ضمني من خلال تصريحات لبعض قادتها"، مرجحاً أن "تتمسك تركيا بوجودها في ليبيا، وتشكل عائقاً حقيقياً في وجه عملية إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة".
نتائج مبهمة ومسار مشوش
من جانبه، رأى المحلل السياسي خالد الترجمان أن مسار الحوار الليبي على كل الأصعدة غير واضح، إلا في حوار (5+5) الذي أخرج نتائج أبهرت الليبيين في الداخل، مشيراً إلى أن" تنفيذ أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها في جنيف، مثل خروج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها، وفتح المجال الجوي والبري، تعتبر معطيات أساسية تتوقف عليها نتائج الحوار السياسي والاقتصادي، وإن لم تنفذ فلن يتم تطبيق أي اتفاق سياسي، بما في ذلك تفاهمات بوزنيقة".
ورأى أن الوصول إلى اتفاقات نهائية مسألة معقدة لأسباب عدة، "فالأتراك لا يريدون الخروج من ليبيا قبل ضمان مصالحهم الخاصة، والميليشيات ترى أن أي أتفاق عسكري سيخرجها من المشهد مع أسلحتها، والمرتزقة يرون أن مصادر تمويلهم تضيع من أيديهم، وكل هؤلاء لن يقبلوا بالاتفاق".
وحذر الترجمان من الخروج باتفاق مهلهل كما حدث في الصخيرات قبل سنوات، متوقعاً ألا "يتم في حوار تونس أي توافق نهائي وحاسم لمصير الأزمة الليبية".