أثار قانون معادلة الشهادات العلمية الجديد الذي شرَّعه مجلس النواب العراقي سخطاً غير مسبوق من المؤسسات العلمية والتعليمية، وأغضب الجهة المختصة المتمثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي تعتمد معايير عالمية رصينة، درجت عليها منذ عقود، جعلت الشهادات العراقية في غاية الاحترام؛ كونها تستوفي معايير دولية باتت سياقات تعتمد عليها أرقى الجامعات في العالم.
وألزمت الهيئة الخاصة بمعادلة الشهادات، بضوابط صارمة وفق التعليمات المعتمدة لمعادلة الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية رقم 5 لسنة 1976، التي وُضعت على الرَّف، وخالفها التشريع الجديد المليء بالعيوب والمخالفات لأحكام الدستور، كما أكد عدد كبير من المشرعين.
التعليم العالي لم تطالب بتشريع جديد
في المقابل، خاطب وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور سامي المظفر مجلس النواب بقوله "لا عُذر لكم في منح أنفسكم الشرعية التي لا تملكونها في تشريع قانون أسس تُعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية إلا بالموافقة والتنسيق مع وزارة التعليم العالي الجهة القطاعية المسؤولة".
وأضاف "التعليم العالي ليس بحزبي المفهوم، ولا مذهبي الاتجاه، ولا هو قومي السيطرة والولاء، ولا ينحو منحى التمزق للأجنبي والإعلام المهرج، بل اكتسب المعرفة بعلم ننهل منه يريح النفس وينشط العقل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانتقد المظفر ورهط من أقرانه ادعاء مجلس النواب بأنه "وضع أسساً عصرية لمعادلة الشهادات"، بينما أصدر قانوناً لأسس تعادل الشهادات تسهم بتدهور التعليم وتبدد رصانته وتشيع التهاون في معايره وانتشار الفرقة والهوان والوصولية وإشاعة الصراع بين العلم والجهل.
ما أهم المآخذ على القانون الجديد؟
على الرغم من تضمن القانون مذكرة تفسيرية تحدد الأسباب الموجبة لاستصداره، وتضمنه أنه يهدف إلى تعزيز التعليم وينشد تقدم المجتمع في البحث العلمي للأغراض السلمية ويشجع المبتكرين والمتفوقين، فإنه على حد وصف مختصين، لا يمكن تحقيق ما جاء به، أو تطبيقه، بل لا علاقة له بالمفردات البراقة التي تضمنها، ولا الأسباب الموجبة، كما يوضح أكاديميون، لأن الرصانة لها قوانينها الخاصة على حد وصف الدكتور المظفر.
ثمة عديد من المآخذ التي تواجه هذا التشريع المفاجئ، حيث يقول الكاتب إياد السماوي "إن الذين أشرفوا وأصروا على تشريع القانون هم تلك الطبقة من المزورين وأشباه المتعلمين من حملة الشهادات المزورة من نواب وسياسيين ومسؤولين كبار جاءت بهم الأقدار اللعينة ليكونوا قادة على البلد المبتلى بهذه الطغمة الفاسدة والمفسدة، وإن من وقفوا وراء التشريع هم الطبقة السياسية التي سرقت البلد ونهبت ثرواته وثروات أجياله القادمة".
ويقوم القانون بنقل معظم صلاحيات وزارة التعليم العالي وتحجيمها وتوزيعها على جهات عدة غير أكاديمية، ومنها الأمانة العامة لمجلس النواب التي منحت صلاحية معادلة الشهادات التي تصدر من معهد التطوير البرلماني، كما تقوم وزارة التربية بمعادلة شهادات المرحلة الثانوية والدراسات التي تسبقها والشهادات الصادرة من كلية التربية المفتوحة، ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية بمعادلة الشهادات العسكرية والمسلكية، كما تقوم الجامعات المتنوعة ومجلس الخدمة الاتحادي بمعادلة وتقييم الشهادات التدريبية والفنية، فلم تعد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تملك الرأي الأول والأخير في معادلة الشهادات، كما درجت عليه الأعراف العربية، وبات القرار مرتبطاً بالجهات المذكورة، إضافة إلى خروقات علمية أصابت هذا القانون نتيجة قلة الخبرة وضعف الإرادة وتأثير مجلس النواب وابتزازات كثيرة تكتنف عملية المعادلة والتقييم، كما أكد عديد من الأساتذة، فيمكن اعتماد ومعادلة شهادة الدكتوراه من خارج العراق من دون تقديم أطروحة الدكتوراه والاكتفاء بالأمور الإجرائية فقط، وعدم مطالبة وزارة التعليم بتدقيق أطروحة الدكتوراه كما هو متبع حالياً، وهذه سابقة لا يمكن أن تحصر نتائجها أو قبولها، كما شجع القانون الجديد على معادلة شهادات الوزراء والبرلمانيين وأصحاب الدرجات الخاصة الحاصلين عليها أثناء فترة تكليفهم استثناءً من القواعد الجامعية والتعليمات الخاصة بالدراسات العليا التي ألزمت الدارسين جميعاً بالتفرغ التام أثناء فترة الدراسة، لكن الأكثر إغاظة للتعليم العالي وكادره الأكاديمي اعتماد القانون الجديد على الاعتراف بالشهادات عن طريق المراسلة، الأمر الذي ترفضه وزارة التعليم العالي ووزراء التعليم العرب بالإجماع.
وصفوه بالقانون الكارثي
من جهة ثانية، يرى الدكتور ماهر جبار الخليلي أن تشريع هذا القانون "يُعد كارثة بكل ما للكلمة من معنى على وضع العراق الحالي والمستقبلي، فهو يمثل تشتيتاً لجهود إصلاح التعليم وسد الثغرات والالتحاق بمعايير الجودة العالمية والمجتمع الأكاديمي العالمي، ويخدم عدداً محدوداً من أفراد المجتمع وتجاوزاً للقوانين السابقة ومخالفة لمعايير التعليم الرصين وإعطاء الشرعية للمخالفين والتجاوز على السياقات العلمية، وهولاء بغالبيتهم من السياسيين السابقين بمختلف مناصبهم في الدولة".
والمعروف أن العراق من البلدان التي ألزمت نفسها بإدارة علمية متمرسة ورصينة تابعة لدائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم التي حرصت في المادة الأولى من القانون الصادر في 2020/9/28 على تحديد مهام القسم بالمعادلة والتثبت وتحديد المدة الصغرى، وبنظرة متأنية على هذا النص، كما يقول الخليلي، نجده قد "استحدث قسماً خاصاً إدارياً بدلاً من اللجنة العلمية التي كانت تشكل حسب التخصص بموجب تعليمات رقم 5 الصادرة في 1976/1/14، وهذا إجراء اداري غير علمي. فتشكيل لجنة من أساتذة متخصصين أفضل من قسم إداري يديره دكتور واحد يعطي معادلة لآلاف الشهادات، بإجراءات روتينية إدارية بعيدة من الجانب العلمي وغير مستوفاة لمعايير الجودة العالمية والتصنيفات العلمية المطلوبة".
ويفرغ الخليلي إلى استنتاج ما يلي "من خلال التشخيص لمجمل أوضاع التربية والتعليم في العراق، نجد أن الخلل موجود في قمة الهرم، سواء كان ذلك بالمشرع (مجلس النواب)، أو المنفذ (الحكومة)، بمعنى أن هناك أخطاء كارثية تُرتكب باسم الإصلاح وتمثيل الناس والدفاع عن الحقوق في قمة القيادات الإدارية، وفقدان الإحساس بالمسؤولية المجتمعية والوطنية بالدفاع عن مصالح العراق العليا وفق المعايير العلمية، وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية، لإصلاح الأوضاع، فضلاً عن غياب فلسفة تربوية واضحة المعالم للتربية وللتعليم العالي".
خيبة أمل بإصلاح مستوى التعليم ووقف التزوير
من جهتهم، أعرب كثير من العمداء والأساتذة الأكاديميين عن خيبتهم بصدور هذا القانون. ويوضح الدكتور هاشم حسن، عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد "باستطاعتي القول نيابة عن عشرات الآلاف من الأساتذة الأكاديمين أننا نشهد أسوأ قانون بتاريخ العراق، يؤكد أن البرلمان يريد الاستحواذ على السلطة والأموال، إضافة للشهادات العليا".
ويضيف "كما أستطيع القول وتحمل المسؤولية القانونية أن هذا القانون فيه فقرات نصب واحتيال، فبعض البرلمانيين لم يستوفِ الدراسة الثانوية، وبإمكانه أن يعد ثلاث سنوات دراسة مهنية أو سواها من دول الجوار (المقصود إيران دون أن يسميها) حتى يعبر الدراسة الثانوية، ولو كان ذكياً ووطنياً فلماذا لم يحصل على البكالوريوس، ليذهب إلى الدراسة العليا؟ وهذا سيودي إلى إسقاط قيمة الشهادات العليا، ويكرس أن السلطة تدمر التعليم العالي، وحسناً فعلت وزارة التعليم العالي بأن تمتلك الشجاعة وتقول كلا لهذا القرار".
في سياق متصل، استنكر النائب مازن الفيلي إصدار القانون، مؤكداً أن "ما حصل في التصويت على قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية وإقحام مواد تؤدي إلى إضعاف الكفاءة والرصانة العلمية وتهدد مستقبل التعليم في البلاد ويشكل سابقة خطيرة في النشاط التشريعي للبرلمان".
وعلَّق الدكتور منقذ داغر بتهكم، وهو مدير مركز أبحاث، قائلاً "لو كنت المحرر في صحيفة (الوقائع العراقية)، لغيرت عنوان قانون (معادلة الشهادات) إلى قانون (مقاتلة الشهادات) قبل نشره في الجريدة الرسمية".