تسبب التعاطي الإعلامي مع "مرض" الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في إثارة جدل واسع، حول حقيقة الإصابة بفيروس كورونا من عدمها، ما أعاد إلى أذهان الجزائريين مسألة الوضع الصحي للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
ضبابية وإشاعات
على الرغم من تطمينات رئاسة الجمهورية، بأن تبون باشر تلقي العلاج المناسب وأن وضعه الصحي مستقر، بعد يوم من سفره إلى ألمانيا لإجراء فحوص طبية، غير أن إشارة بيان الرئاسة إلى أن "فريقه الطبي متفائل إزاء نتائجها"، زاد من الغموض والضبابية.
وكشف السبت عن دخول تبون حجراً صحياً طوعياً، بناء على نصيحة الأطباء. وقال إنه سيعزل نفسه بعدما أصيب عدد من كبار مساعديه بفيروس كورونا، مضيفاً "أطمئنكم أخواتي وإخواني أنني بخير وعافية، وأنني أواصل عملي"، ليتم بعد ساعات نقله إلى المستشفى العسكري في الجزائر العاصمة لمواصلة العلاج. والأربعاء، أعلنت الرئاسة نقله إلى ألمانيا.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، كما تحركت "المعارضة" في الخارج، للحديث عن "مرض" الرئيس وما تبع ذلك من إشاعات ومعلومات وأخبار، جعلت الجزائريين في متاهة البحث عن الحقيقة، في ظل التزام الرئاسة تقديم بيانات مقتضبة لا تشفي غليلهم. وعلى الرغم من أن منشورات التمني بالشفاء طبعت مختلف الصفحات، إلا أن "السخرية" و"الانتقادات" كان لها مكان لافت أيضاً.
تواصل رسمي يومي مع المواطنين
في السياق، يعتبر الأستاذ في كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر إدريس عطية، أن تعاطي الرئاسة الإعلامي كان في المستوى المطلوب، لأن وضع الرئيس الصحي يهم كل المواطنين، مضيفاً أن الكشف عن دخوله المستشفى المركزي للجيش أمر عادي، باعتباره أرقى جهاز استشفائي في البلاد، إضافة إلى أنه يتمتع بالانضباط والالتزام والمهنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن نقل الرئيس إلى ألمانيا، أشار عطية إلى أنه ينبغي التأكيد على عدم اختياره فرنسا للعلاج، ولا مستشفى "فال دو غراس"، إنما قصد ألمانيا، القوة الاقتصادية والعلمية الأولى في أوروبا، "وهي رسالة إلى العالم بأن الجزائر الجديدة ستعمل على توطيد العلاقات مع برلين، كشريك إستراتيجي موثوق، ليس لنا معه أي خلفيات تاريخية أو استعمارية، إضافة إلى نظافة ألمانيا في عديد من الملفات الدولية، ورغبتها القوية في تطوير العلاقات مع الجزائر. وعليه، ومن باب الاطمئنان على صحة الرئيس أجريت له فحوص معمقة في ألمانيا".
وقال "يمكن الإشادة بمنهج الاتصال المؤسساتي، الذي تبنته رئاسة الجمهورية منذ بداية الشكوك بإصابة محيط الرئيس بكورونا"، رافضاً أن تكون الحادثة قد أعادت إلى الأذهان سيناريو بوتفليقة، موضحاً أن الأمور مختلفة والرئاسة الآن في تواصل يومي مع المواطنين.
هواجس في ظل تعامل مبهم
مع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، المقرر بعد يومين، تزداد هواجس الجزائريين، لا سيما بعد افتتاح قاعة الصلاة في جامع الجزائر، ثالث أكبر مساجد العالم، في غياب تبون الذي وعد بتدشينه بكافة مرافقه اليوم.
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إسماعيل معراف، أن السلطة لم تخرج عن عادتها السابقة على الرغم من الوضع المربك، بسبب أن الرئيس كان يبدو في أحسن حال، لكن الظاهر أن وضعه الصحي حرج، وقد يعصف بكل المخطط، وقال إن مؤسسة الرئاسة تشتغل بشكل تقليدي جداً، بسبب انعدام الكفاءة، مبرزاً أن تعاملها مع المسألة كان مبهماً وغير احترافي.
محاولات استغلال
في المقابل، يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر رابح لونيسي، أن هناك محاولات استغلال سياسية لمرض الرئيس تبون، بالتشكيك في كل ما ورد حوله، لكن في الحقيقة الأمر طبيعي وليس هناك أي ضبابية، مبرزاً أن كل ما ينقل من إشاعات، هو بسبب تشكيك المواطن الجزائري في كل ما يأتيه من السلطة، الذي سببه ضعف الحريات الإعلامية.
وأوضح أنه في بعض الأحيان تصدر السلطة بيانات مقتضبة، لكنها لا تنفي ما قيل، كأنه لا داعي لإعادة التذكير به أو لنقص في التجربة، كما "لا نستبعد أن الغموض في بعض الأحيان يترك الخصوم يظهرون، ما يسمح بكشف مخططاتهم".
ويرى لونيسي، أن الجزائر تحتاج إلى استقرار، لكن إن حصل مكروه ستعرف البلاد عدم استقرار المؤسسات، بسبب عدم تعيين رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل في منصبه، الذي يمنحه الدستور قيادة مؤقتة، مشدداً على أن الجزائر غير مستعدة بما فيه الكفاية لنقل السلطة في هدوء، في ظل ظروف اقتصادية وصحية صعبة جداً، وحدود ملتهبة بحكم معارك ليبيا ومالي، من دون أن ننسى الصراعات القوية حول السلطة بوجود كثير من الطامحين لخلافته.