هل يقلص فيروس كورونا المساواة في الواقع بين المناطق في بريطانيا؟
لقد أُخضِعت أجزاء مختلفة من المملكة المتحدة لمستويات مختلفة من القيود خلال الجائحة. والفوارق مبررة ظاهرياً بالمعدلات المختلفة لانتشار العدوى حول البلاد.
ففي إنجلترا، تسجل أجزاء من الشمال الغربي حوالى 80 حالة جديدة يومياً لكل 100 ألف شخص – ما يعني أن الجائحة تنتشر بوتيرة أسرع بثمانية أضعاف مقارنة بالجنوب الشرقي.
لكن هذه القيود الصحية غير المتساوية، كما يقول البعض، تأتي أيضاً بآثار اقتصادية متفاوتة على نحو خطير.
وأشار قادة سياسيون في ليدز ومانشستر وليفربول إلى الأثر الاقتصادي المدمر للقيود الأشد في مناطقهم، لا سيما في قطاع الضيافة. ويقول رئيس بلدية ليفربول، جو أندرسون، إن كثيراً من المؤسسات في مدينته "تترنح على حافة الهاوية [الانهيار]".
ويحذّر الآن القادة الإقليميون [المحليون] هؤلاء من أنهم لن يدعموا أي قيود محلية إضافية قد تكون قيد النقاش في أروقة الحكومة المركزية، مثل إغلاق المحال غير الأساسية إلى جانب الحانات والمطاعم.
ودعوا الحكومة المركزية إلى "وجوب احتسابها الآثار المحلية الأوسع التي لا تقتصر على الأرقام المطلقة لحالات العدوى [من قبيل] الآثار في الوظائف والمؤسسات والآثار في الفقر والحرمان".
وثمة أيضاً شكوك سلبية نوعاً ما بوجود تحيز سياسي في طريقة فرض هذه القيود، ويشير البعض إلى أن عدداً من المناطق حيث فُرِضت قيود جديدة تشهد أعداداً قليلة من حالات العدوى الجديدة مقارنة بغيرها من مناطق جُنِّبت هذه القيود.
ويتساءل مدير الصحة العامة في بلاكبيرن ويذ داروين، الأستاذ دومينيك هاريسون: "هل تكون الإمكانية أكبر لفرض عمليات حجر اجتماعي في مرحلة أبكر ولمدة أطول إذا كانت المنطقة ذات الإدارة المحلية المقصودة شمالية وأقل ثراء ولا تصوت للمحافظين"؟
وأشار البعض إلى أن ريتشموندشاير، التي تشمل الدائرة الانتخابية الغنية الخاصة بريتشي سوناك، لم تشهد قيوداً إضافية على الرغم من تسجيلها عدداً كبيراً من الحالات الجديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الأستاذ هاريسون إن بعضاً من "الأقسام الإدارية التي تواجه تحديات" أكثر من غيرها تواجه قيوداً أشد من غيرها، مضيفاً أن "ذلك يفاقم آثار الفيروس على صعيد التفاوتات الاقتصادية في هذه المناطق".
وهذا كله يثير السؤال المقلق حول ما إذا كان من شأن القيود المفروضة بسبب كوفيد أن تفاقم التفاوتات الإقليمية [المناطقية] المتزايدة التي تعانيها المملكة المتحدة بسبب الأزمة – وتجعل تحقيق طموحات الحكومة بـ"تعزيز المساواة" أكثر صعوبة.
ويبين تحليل جديد من معهد دراسات المالية العامة أن كثيراً من المناطق "المهملة" تقليدياً في المملكة المتحدة – أي البلدات الصناعية سابقاً في الشمال والوسط – لم يضربها الأثر الاقتصادي القريب الأجل للجائحة على وجه التحديد بقوة.
بيد أن مركز البحوث يشير إلى أن خلاف ذلك يصح على المجتمعات المحلية الساحلية مثل بلاكبول وغرايت يارموث وآيل أوف وايت، التي تعتمد على السياحة والضيافة.
ويفيد أيضاً بأن المراكز في بعض من المدن الشمالية المحرومة نسبياً التي أثقلت عليها الجائحة، مثل ليفربول وغلاسكو، يمكن اعتبارها في شكل معقول "مهملة" على صعيد مستويات الحرمان فيها.
وتواجه أماكن كهذه ما يصفه معهد دراسات المالية العامة بـ"ضربة مزدوجة" من الجائحة.
وهذا يدعم الحجة المتعلقة بنوع الدعم المالي العلاجي من الحكومة الوطنية الذي يطالب به القادة الإقليميون إذا أُجبِروا على الانصياع إلى قيود أكثر صرامة. ويبدو أن الحكومة تسير في هذا الاتجاه.
لكن المسؤول في مركز المدن بول سويني يقول إن النظر في الأثر البعيد الأجل للإغلاقات المحلية والجائحة على نطاق أوسع يستدعي التفكير في نوع الأعمال التي توجه إنتاجية المنطقة – أي ما في المنطقة من المصدرين وخدمات الأعمال ذات القيمة المضافة العالية وشركات اقتصاد المعرفة.
ويضيف "يتلخّص التحدي الماثل أمام تعزيز المساواة في المقام الأول في أن هذه الأماكن لم تحصل على شطر كبير من الصناعات العالية الإنتاجية والتصديرية.
وإذا لم تؤثر قيود الإقفال العام في ذلك الجزء من الاقتصاد، فلا يُعتقَد بأن ذلك سيضاعف من التحدي الذي يواجه تعزيز المساواة".
والأضرار التي لحقت بقطاع الضيافة في هذه المناطق هي أقرب إلى مشكلة اقتصادية قريبة الأجل.
ويقول السيد سويني: "إن الحانات والمطاعم هي مرافق من الأعمال تزدهر بفضل اقتصاد قوي. وهي ليست محركات للاقتصاد".
لكن هذا ليس سبباً لعدم الاهتمام بالتحديات الوجودية التي تواجهها هذه المؤسسات في الأجزاء الأكثر حرماناً من البلاد.
"إذا رأيتم [هذه القطاعات] تضطر إلى تسريح الموظفين بسبب القيود، فلا شك في أثرها [القيود هذه]. فما مدى سرعة حصولهم على وظيفة مرة أخرى؟ وهل ستكون ثمة آثار دائمة؟ هنا يجب أن يتركز الاهتمام".
وفي ما يتعلق بتلك الشكوك حول التحيز السياسي في سياسات الحجر، ليس مؤكداً أن الحكومة سيكون لديها كثير لتكسبه من خلال تجنيب بعض المناطق قيوداً أكثر وطأة. فإذا خرج الفيروس عن السيطرة ستأتي هذه القيود عاجلاً أم آجلاً.
وتكمن المشكلة أكثر في غياب الشفافية في عملية اتخاذ القرارات في شأن الإغلاقات، ومسألة المعايير التي تُفرَض بموجبها قيود جديدة.
ويلاحظ السيد سويني قائلاً: "ربما تعلم السياسيون الآن أن غياب التوجيهات الواضحة حول القيام بإجراءات ما سيثير دائماً نقاشاً حول التحيز".
ويدعو رؤساء البلديات المحليون والقادة السياسيون في الشمال إلى منحهم التحكم بأي قيود صحية جديدة. وقد يثبت منح القادة المحليين القول الفصل في شأن موعد إغلاق الحانات أو الجامعات أمراً غير واقعي نظراً إلى الآثار المناطقية والوطنية المترتبة على هذه القرارات. وفي النهاية ستكون الحكومة الوطنية دائماً مشاركة في شكل كبير.
ومع ذلك، يتفق الخبراء عموماً على أن القادة المحليين ينبغي أن يكونوا جزءاً أكبر بكثير من عملية اتخاذ القرار. وينبغي أن يتولى المركز أيضاً مسؤولية أكبر عن الهياكل الأساسية مثل الفحص والتعقب، فتكون المعرفة المحلية حاسمة لجعل هذه الهياكل فاعلة.
وثمة إقرار منذ فترة طويلة بعامل حاسم بعيد الأجل على صعيد السياسات الهادفة إلى إعادة المناطق المهملة إلى قافلة الازدهار الوطني ويتمثل في تسليم الإدارات المحلية السلطة في مجالات مثل (التدريب على) المهارات والاستثمار والنقل.
ويبدو الآن أن تفويض الحكومة المركزية الهيئات والسلطات المحلية بصلاحيات أوسع أمر حيوي لتعزيز المساواة والتغلب على الجائحة.
© The Independent