تظهر من حين لآخر تقارير روسية تتحدث عن إبرام صفقات أسلحة مع شركائها، من بينهم الجزائر التي نالت نصيباً وافراً من الإشادة والاهتمام من قبل موسكو، ما طرح تساؤلات عدة حول أهداف الأخيرة بين الترويج للسلاح الروسي، أو دفع الجزائر إلى قيادة المنطقة في ظل التوترات الحاصلة في ليبيا والساحل.
تقرير ترويجي؟
ذكرت مجلة "أرميسكي ستاندرات" الروسية في تقرير لها، أن كل الإنجازات العسكرية للجيش الجزائري أصبحت ممكنة بفضل الأسلحة الروسية التي اقتنتها الحكومة، ولا تزال تشتريها من موسكو، وأشارت بدقة إلى محتوى "صفقات تسليح كبرى" جرت بين عامي 2006 و2018 بقيمة 13.5 مليار دولار. وكشفت المجلة الروسية عن "تقسيم الجيش الجزائري إلى 7 دوائر عسكرية تنفذ كل منها مهماتها حسب الخصوصيات الجغرافية للأرض، وذلك اقتداءً بهيكلية الجيش الروسي". وشددت على أن السلاح الروسي والإصلاحات في المجال العسكري حوّلا الجيش الجزائري إلى أقوى الجيوش في منطقة شمال أفريقيا. وختم التقرير أن الجزائر تمكنت بهدوء من إنشاء أقوى جيش في المنطقة خلال 20 سنة فقط.
تحليل المجلة الروسية الذي ركز على نقاط مثل طريقة تسيير الجيش الجزائري ونوعية الأسلحة التي تسلمها من روسيا، يمكن تصنيفه في خانة الترويج لقدرة الجزائر على قيادة منطقة شمال أفريقيا، بخاصة أنه جاء بعد أيام على تحذيرات إسبانية ومخاوف من تنامي قوة البحرية الجزائرية وتفوقها في البحر المتوسط، إضافة إلى تصريحات قائد الأركان الجزائري سعيد شنقريحة، أن بلاده تسعى إلى "إعادة مجد بحريتها كقوة في البحر المتوسط".
التمسك بالأسلحة الروسية يعود لسببين
عبر المراقب الدولي السابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام والضابط السابق بالجيش الجزائري، أحمد كروش، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، عن اعتقاده أن "ما جاءت به مجلة (أرميسكي ستاندارت) صحيح، فالجيش الجزائري يصنف من أقوى جيوش المنطقة، وحتى بالنسبة إلى المواقع المختصة في تصنيف الجيوش، مثل (غلوبل فاير باور) التي تضع الجيش الجزائري في الصف الثاني أفريقياً بعد المصري، والثالث عربياً وفي المرتبة 28 عالمياً"، مضيفاً أن "الجيش الجزائري يملك أسلحة حديثة ومتطورة جداً، وطاقة بشرية هائلة بتكوين جيد واحترافية عالية". وأوضح أن "تطوير قوة واحترافية الجيش الجزائري أملته ظروف المنطقة والأطماع الأجنبية".
وشدد كروش على أن "الجيش الجزائري قوته الضاربة في جميع فروعه هي أسلحة روسية، وهذا يعود في رأيي إلى عامل تاريخي، فحرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي كانت أغلب أسلحتها روسية حصلت عليها من الدول الاشتراكية المناهضة للاستعمار كدول شرق أوروبا والصين وفيما بعد الاتحاد السوفياتي، ثم إن الجزائر بعد الاستقلال، وإن انتهجت مبادئ عدم الانحياز، إلا أنها كانت تتبع النظام الاشتراكي". واعتبر كروش أن "تمسك الجزائر بالأسلحة الروسية يعود إلى سببين، الأول هو أن روسيا والاتحاد السوفياتي سابقاً، لا يضعان شروطاً عند بيع الأسلحة، والجزائر كما هو معروف، ذات حساسية كبيرة جداً حيال التدخل في شؤونها الداخلية ولا تقبل بذلك أبداً، وهي تحافظ دائماً على استقلال قرارها السياسي، والسبب الثاني أن ضباط وكل عناصر الجيش الجزائري اعتادوا على تكنولوجيا الأسلحة الروسية وتآلفوا معها"، مبرزاً أنه "صحيح أن الأسلحة الروسية مشهورة عالمياً وذات قوة وقدرة قتالية عالية، إلا أن قوة الجيش الجزائري يستمدها كذلك من أفراده وسياسة التكوين التي ينتهجها وعقيدته القتالية". وختم أن "ما جاءت به المجلة هو واقع وليس ترويجاً للسلاح الروسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحدٍّ وفرصة في آن
وتشكل الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسي في المحيط الإقليمي للجزائر تحدياً وفرصةً في آنٍ واحدٍ للدبلوماسية الجزائرية لتستعيد حيويتها، لكن يتوقف ذلك على قدرة السلطة الجديدة على استثمار هذا الوضع الإقليمي بشكل جيد للعودة إلى الساحة الإقليمية وتصبح فاعلاً إقليمياً أساسياً. وعلى الرغم من امتلاك الجزائر عناصر قوة كامنة مهمة، فهناك عوائق ستحد من طموحاتها الإقليمية، بخاصة الرهانات الداخلية التي أصبحت "تقلق" الرئيس عبد المجيد تبون وحكومته، على اعتبار أن التغيير الذي حدث لم يغير البنى الأساسية للنظام السياسي، بل يمكن وصفه بتمكن أحد أجنحة الدولة العميقة من ترجيح موازين القوى لمصلحته على حساب الآخرين.
كما أن الوضع الاقتصادي يجعل من التجاوب مع متطلبات التحديات الخارجية أمراً صعباً، في ظل تراجع وعدم استقرار إيرادات النفط والغاز. وعلى الرغم من الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة لتجاوز هذه الوضعية، فإن الأمور تسير ببُطء يزيد متاعب السلطة ويهدد الشارع بانفجار اجتماعي.
شخصية سيادية
من جهة أخرى، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بريك الله حبيب، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "سر القوة العسكرية الجزائرية يكمن في عقيدة الجيش المتحدر من أبناء الشعب، بالإضافة إلى تجربته الطويلة"، مضيفاً أن "الجزائر نوعت مصادر تسليحها بحسب كفاءة القطع وجودتها، غير أن اعتمادها على السلاح الروسي سببه النوعية الموثوقة والفاعلية". واستبعد حبيب أن تكون الجزائر محل ترويج ودعاية لأي جهة مهما كانت، "فالجزائر لها شخصيتها السيادية بخاصة في ما يتعلق بموضوع الدفاع والأمن الإقليمي".