في معركة شابها الفساد والصراعات السياسية، أعادت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" تأكيد قرارها بمنح شركة مايكروسوفت عقداً بقيمة 10 مليارات دولار لتزويد البنتاغون بخدمات الحوسبة السحابية على مدى 10 سنوات فيما يعرف بعقد البنية التحتية المشتركة للدفاع، مشيرة إلى أن عرض مايكروسوفت لا يزال يمثل القيمة الأفضل للحكومة.
يأتي إعلان وزارة الدفاع، الجمعة، في إطار معركة تدور رحاها منذ وقت مبكر من العام الماضي، بين شركة أمازون ومايكروسوفت وشركات أخرى للفوز بالصفقة. وسابقاً، قال البنتاغون إنه يريد إعادة النظر في "جوانب معينة" من الشراء، بما في ذلك عناصر عروض الأسعار المقدمة من مقدمي العروض والأسواق عبر الإنترنت، بعد طعن قانوني من قبل شركة أمازون التي تحظى بالريادة في الخدمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال متحدث باسم مايكروسوفت، في بيان، إن البنتاغون أكد أن الشركة "قدمت التكنولوجيا المناسبة وأفضل قيمة. نحن على استعداد للعمل والتأكد من أن أولئك الذين يخدمون بلدنا يمكنهم الوصول إلى هذه التكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها".
تحيز سياسي
وبحسب وسائل إعلام أميركية فإنه سرعان ما ردت شركة أمازون في منشور جاء فيه، إن إعادة تقييم البنتاغون لم تكن أكثر من محاولة للتحقق من قرار معيب ومنحاز وفاسد سياسياً، ورفعت أمازون ويب سيرفيسيز، الوحدة السحابية في أمازون، دعوى قضائية في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، تزعم فيها أن التدخل السياسي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب كلف الشركة الصفقة.
وقالت أمازون في الدعوى، إن وزارة الدفاع فشلت في الحكم بشكل عادل على عرضها؛ لأن ترمب اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس، مالك صحيفة واشنطن بوست "عدوه السياسي".
وفي مارس (آذار) الماضي، قالت قاضية الدعاوى الفيدرالية باتريشيا كامبل سميث إن وزارة الدفاع ربما أساءت الحكم على جزء من عرض السعر الخاص بمايكروسوفت وسبق ذلك قرار من المحكمة يوقف تنفيذ العقد لحين البت في القضية.
وأشارت إلى أنه كان من المرجح أن "تزداد فرص أمازون في الحصول على العقد" لولا أخطاء البنتاغون في تقييم عروض التسعير. وبعد الحكم، طلبت الحكومة إعادة النظر في العقد والسماح لمقدمي العطاءات بمراجعة الجزء الإشكالي من عرض التسعير.
ولم تبت سميث حتى الآن في الطعن القانوني لشركة أمازون، وأوقفت إجراءات القضية، بينما أعاد البنتاغون النظر في قراره بمنح الصفقة لشركة مايكروسوفت. وبحسب بيان البنتاغون، فإن العمل بالعقد لن يبدأ على الفور بسبب قرار المحكمة بوقف التنفيذ.
فساد ومحسوبية
الصراع بشأن هذه الصفقة يعود إلى يوليو (تموز) 2019، عندما نشرت وسائل الإعلام الأميركية تقارير تتحدث عن طعن شركة أوراكل العملاقة للتكنولوجيا في مساعي منافستها أمازون للفوز بعقد إنشاء منظومة الحوسبة السحابية الخاصة بالبنتاغون، رافعة الأمر إلى مكتب الرئيس ترمب. وأفادت مصادر مطلعة وقتها بأن مسؤولي البيت الأبيض عرضوا أمام ترمب وثيقة تزعم مؤامرة كبيرة لمنح أمازون عقداً بحق بناء الشبكة.
وقال أحد المصادر، إنه تم تقديم الوثيقة المكونة من صفحة واحدة لترمب إلى جانب معلومات أخرى، خلال اجتماع عقد في النصف الثاني من يوليو، حيث تمت مناقشة العقد ومكاسب أمازون المحتملة.
وأفادت شبكة "سي إن إن" وقتها، بأن الوثيقة تضم رسماً بيانياً بعنوان "مخطط لإنشاء احتكار سحابي لمدة عشر سنوات"، وتقدم عرضاً مرئياً للرواية التي دفعت بها أوراكل منذ مطلع 2019، مفادها أن شبكة من الأفراد داخل وخارج وزارة الدفاع يمهدون الطريق لأمازون للفوز بعقد الحوسبة السحابية المعروفة باسم البنية التحتية المشتركة للدفاع.
وبرزت في القضية أسماء كبرى بينها وزيرا الدفاع السابقان، آش كارتر وجيمس ماتيس، وتضمن الرسم في الوثيقة وجوه عدد من المسؤولين السابقين بالبنتاغون والموظفين والمسؤولين التنفيذيين الحاليين في أمازون، بالإضافة إلى الاستشاريين الذين يعملون نيابة عن أمازون، ويرتبطون معاً في سلسلة من العلاقات التجارية والمهنية. وتضمنت النسخة المعروضة للرئيس صور الوزراء السابقين، كارتر، ووزير الدفاع في إدارة باراك أوباما، وماتيس، ووزير الدفاع السابق في إدارة ترمب.
وظهر برفقة الصور علامات الدولار وأسهم وقلب تربط بين الشخصيات المختلفة، ويترك الرسم البياني انطباعاً عاماً عن الفساد والمصالح المتضاربة. وأفادت "سي إن إن"، وقتها بأن الوثيقة مطابقة لنظيرتها التي أعدها كينيث جلويك، نائب المدير التنفيذي لشركة أوراكل. وتشير إلى أنه يمكن رؤية نسخة من الوثيقة معلقة على نافذة مكتب جلويك في كيه ستريت بوسط واشنطن.
تدخل الكونغرس
وفي 23 يوليو 2019، أرسل عشرة من أعضاء مجلس النواب الأميركي رسالة إلى الرئيس يحثونه فيها على تأجيل منح العقد لأمازون لحين انتهاء مكتب المفتش العام في البنتاغون من تحقيقه في تضارب المصالح المحتمل من جانب موظفي وزارة الدفاع. واستجاب دانا ديسى، كبير ضباط المعلومات بوزارة الدفاع، لطلب بتأجيل منح العقد حتى ينتهي مكتب المفتش العام من تحقيقه. لكن المتحدثة باسم وزارة الدفاع إليسا سميث، قالت، إن التحقيق الداخلي بشأن تضارب المصالح قرر أنه "ليس هناك أي تأثير سلبي" في عملية استحواذ أمازون على عقد المشروع ومع ذلك، أشارت إلى أن الانتهاكات الأخلاقية المحتملة وغير المحددة، التي كشف عنها التحقيق أحيلت إلى المفتش العام للبنتاغون.
وكان قاضٍ أميركي أصدر حكماً ضد أوراكل التي أكدت أنها تعرضت للاستبعاد من التنافس على الصفقة بشكل غير عادل. وقالت إن هناك تعارض مصالح بين موظفي البنتاغون. وانحصر التنافس وقتها بين شركتي مايكروسوفت وأمازون لتنفيذ المشروع، الذي يعد أحد أكبر المشروعات التكنولوجية التي تطرحها الوزارة. وانسحبت غوغل من السباق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتم إخراج أوراكل و"آي بي إم" من العرض في أبريل (نيسان) 2019، لينحصر التنافس بين أمازون ومايكروسوفت.