رحلات البالون هي الوجهة الأولى لعديد من السائحين خلال زيارتهم لعاصمة السياحة العالمية مدينة الأقصر في جنوب مصر، لمتعة تلك الرحلات، التي لها سحر خاص، في مشاهدة المعابد الفرعونية كمعبد الملكة الفرعونية العاشقة حتشبسوت والملك الذهبي رمسيس الثاني المعروف بالرامسيوم وكذلك مقابر وادي الملوك والملكات من عنان السماء على مسافة 2000 قدم، كما تطلق مدينة الأقصر قرابة 10 آلاف رحلة بالون خلال العام الواحد طبقاً للاتحاد المصرى لشركات البالون، في أجواء تجمع بين المتعة والمغامرة، لذا قررت "اندبندنت عربية" أن تتعمق في كواليس تلك الرحلات وأسعارها ومعدل الأمن والسلامة فيها، مع عودة استئنافها مرة أخرى في الأول من سبتمبر (أيلول) الجاري بإجراءات احترازية.
تاريخ رحلات البالون في الأقصر
قال ثروت عجمي، رئيس غرف شركات السياحة في الأقصر، إن أول رحلات البالون التي حلقت في سماء غرب مدينة الأقصر كانت في عام 1988، عبر عدد من الطيارين البريطانيين، التابعين لشركة "فيرجن" الإنجليزية، بينما تأسست في منتصف التسعينيات أولى شركات البالون المصرية عبر كوادر وخبرات وطنية تلقت تدريبات في معاهد الطيران المدني في عدد من الدول الأوربية، بينما وصل عدد شركات البالون في الوقت الحالي في مدينة الأقصر 8 شركات مصرية تضم قرابة 600 عامل، تطلق هذه الشركات عشرات الرحلات أسبوعياً، بل وامتدت بعض شركات الأقصر بنشاطها إلى خارج مصر، كشركة سندباد التي استثمرت في دبي وشركة دريم التي استثمرت في أوغندا، بعد اكتساب تلك الشركات خبرات قوية في هذا المجال.
عن فكرة البالون الطائر بالأقصر، ذكر بهاء مدبولي، كبير طيارين إحدى شركات البالون، أن الفكرة تعتمد على تعبئة البالون بهواء مراوح باردة ثم تفتح مواقيد التسخين النارية لتسخين هذا الهواء البارد، ومن ثم كلما تم تسخين الهواء يطفو البالون بشكل أسرع إلى أعلى، ولا تتجاوز مسافة الصعود 2000 قدم، كما تشرف سلطات الطيران المدني على عمليات إطلاق البالون بمطار البالون الطائر في منطقة القرنة بغرب الأقصر بالتنسيق مع هيئة الأرصاد الجوية، التي من شأنها تعطيل رحلات البالون إذا أفادت تنبؤات الأرصاد بشدة حركة الرياح والعواصف وكذلك الأمطار، كما يتواصل طيار البالون عبر اللاسلكي مع زملائه على الأرض من أجل الهبوط، لأن هبوط البالون يتم في موقع خارج مطار البالون الطائر، في الوقت المناسب.
متعة سياحة السحاب فوق ثلث آثار العالم بأقل تكلفة
قال محمد عثمان، رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية بصعيد مصر، إن لرحلات البالون الطائر بالأقصر متعة مميزة تجذب السائحين، فرحلة البالون تجربة خاصة لا تمحى من الذاكرة، لما تتضمنه من مغامرة في سماء عاصمة السياحة العالمية، وأجمل ما يميزها أنها تجمع بين عبق الحضارة والتاريخ والتراث، وتستطيع عبر رحلة البالون أن تشاهد المواقع الأثرية التي شيدها الفراعنة القدماء والتي ما زالت تسحر ألباب الملايين حول العالم، وكذلك بساطة أهالي الأقصر ومنازلهم التراثية.
وأشار عثمان أن مدينة الأقصر تنفرد عن كافة مدن العالم باعتدال الطقس على مدار العام، الأمر الذي يجعل انطلاق الرحلات متواصل في أغلب فصول العام، مقارنة بتركيا ودبي وأوغندا، التي تنطلق فيها رحلات البالون لأشهر محدودة جداً على مدار العام، لعدم استقرار الطقس وشدة حركة الرياح في تلك الدول.
ذكر أحمد عبود ممثل الاتحاد المصري لشركات البالون، أن تجربة الأقصر في مجال البالون كانت ملهمة لعديد من الدول التي من أبرزها تركيا، بعد ما حققته الأقصر من خلق سياحة جديدة تسمى سياحة البالون الأثرية، مضيفاً أنه، رغم أزمات القطاع السياحي خلال الـ9 سنوات الماضية، إلا أن الأقصر احتلت المرتبة الثالثة عالمياً في معدل رحلات البالون وأعداد الأفواج السياحية، فطبقاً لإحصاءات وزارة الطيران المدني، فإن مطار "القرنة" للبالون الطائر في غرب الأقصر ينظم أكثر من 10 آلاف رحلة سنوياً تقل ما يقرب من 218 ألف سائح من مختلف الجنسيات الأجنبية، الذين يأتي بعضهم خصيصاً للأقصر من أجل رحلات البالون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ذكر مصطفى صادق، مدير العلاقات العامة بإحدى شركات البالون، أن السائحين يحرصون على توثيق رحلاتهم عبر التقاط الصور التذكارية خلال فعاليات الرحلة في عنان السماء، كما تخصص أقسام العلاقات العامة في شركات البالون مصور فيديو يوثق كافة مراحل الرحلة، منذ خروج السائحين من فنادقهم إلى عودتهم مرة أخرى عقب فعاليات الرحلة.
قال علي النجار، وهو مرشد سياحي، إن شركات البالون تستعين بمرشد سياحي لشرح المعالم الأثرية والفرعونية التي سيمر البالون من فوقها، لتعريف السائحين بعظمة الحضارة المصرية القديمة، والقيمة الأثرية لتلك المعابد الفرعونية، وأبرز ملوك وادي الملوك والملكات وما قدموه للبشرية.
وعن تفاصيل رحلة البالون الطائر سرد لـ"اندبندنت عربية" الطيار وائل المنشاوي أن رحلة البالون تستغرق من نصف ساعة وحتى 45 دقيقة كحد أقصى، ففي تمام الساعة 3.30 فجراً ينطلق مندوبو شركات البالون إلى فنادق السائحين الذين تأكد حجزهم، لنقلهم إلى مراكب البر الشرقي، وبعد ذلك يجري نقلهم إلى مطار البالون الطائر بالقرنة، وقبل صعود السائحين للبالون الطائر، يشرح قائد البالون والمرشد السياحي أبرز خطوات الصعود والهبوط، وإجراءات السلامة الشخصية، كما يوقع السائح على تعهد شخصي بأنه يخلو من أي أمراض مزمنة وأنه يدرك أن رحلة البالون مغامرة يتحمل مخاطرها حيال هبوب أي دوامات هوائية مفاجئة.
وقال محمد الحسيني، مسؤول حجز في إحدى شركات البالون، إن متوسط أسعار رحلة البالون يتراوح من 1500 جنيه إلى 2500 للسائح الأجنبي، وتلك الأسعار تعد الأقل على مستوى العالم، بينما يبلغ سعر السائح المصري 800 جنيه فقط، وإن عدد الراكبين للرحلة الواحدة لا يتجاوز 30 فرداً طبقاً لتعليمات سلطات الطيران المدني.
السائحة الإنجليزية باربرا مايكل قالت، إنها ستعاود تجربة رحلة البالون الطائر لأنها رحلة رائعة تجمع بين السياحة الثقافية والترفيهية في آن واحد، فمشاهدة المعابد الأثرية والفرعونية ومتعة المغامرة في أن تحلق في السحاب، وبخاصة إذا كنت في معية أحبائك وأصدقائك ستكون رحلة رائعة حقاً.
وعن سؤال "اندبندنت عربية" لأحد السائحين كيف حرصت على خوض هذه المغامرة رغم حوادث البالون؟، لمَ لم تتخوف؟، أجاب السائح التونسي الهاشمي بوشناق أن كافة وسائل الترفيه لا تخلو من الحوادث والمخاطرة، فكيف ستأتي المتعة دون المغامرة والمخاطرة المؤمنة بإجراءات سلامة حازمة.
رحلات البالون الطائر وأزمة كورونا
قال وائل إبراهيم، نقيب المرشدين السياحيين الأسبق في الأقصر، إن رحلات البالون الطائر تأثرت بشدة جراء أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، فقد أُغلق مطار البالون الطائر بمدينة القرنة لمدة 4 أشهر متواصلة، ضمن حزمة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارتا الطيران المدني والسياحة لمواجهة فيروس كورونا.
وأفاد أحمد محمود مدير شركة بالون، أن سلطات الطيران المدني اعتمدت عدداً من الإجراءات الاحترازية، لاستئناف حركة البالون الطائر من أول سبتمبر الجاري، فلا يسمح بدخول أي سائح إلى مطار البالون الطائر بالقرنة إلا بعد ارتداء الكمامة الوقائية وقياس درجة حرارته، ومروره على بوابة التعقيم الذاتي، مع فرض مسافات تباعد اجتماعي وصحي بين السائحين.
حادث انفجار بالون عام 2013 الأسوأ عالمياً
ذكر حجاج سلامة، مدير مركز الأقصر للدراسات السياحية والتراث، أن يوم 26 فبراير (شباط) 2013، هو اليوم الأسوأ في تاريخ الأقصر بعد مذبحة الدير البحري الإرهابية بحتشبسوت، رغم كون هذا الحادث قدرياً وليس جنائياً ولا إرهابياً، فقد أسفر عن مصرع 19 سائحاً من جنسيات مختلفة من "فرنسا والمجر وبريطانيا وهونغ كونغ واليابان".
وأضاف سلامة أنه طبقاً لتحقيقات النيابة العامة فإن سبب انفجار وسقوط بالون 2013 هو قطع قد حدث في خرطوم الغاز المتصل بموقد المنطاد، مما أدى لاشتعال النيران به ومن ثم انفجار اسطوانات الغاز وتفحم البالون.
قال أحمد البدري، مرشد سياحي بريطاني من شهود العيان على الحادث، إنه قد سمع أصواتاً لصرخات مدوية من السماء بقرية البعيرات بمركز القرنة في غرب الأقصر وتفاجأ باشتعال رحلة البالون، والمؤلم أنه رأى أكثر من ثلاثة سائحين قد قفزوا من مسافة 300 متر هرباً من النيران، ليسقطوا جثثاً هامدة على الأرض.
وقال أحمد محمود، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات البالون، إن الحادث تسبب في قرار وقف رحلات البالون الطائر لمدة شهرين، كما صنف هذا الحادث بالأسوأ عالمياً في موسوعة "غينيس" لحوادث المناطيد الطائرة، بعد حادثة قد وقعت في اليابان عام 1989 أسفرت عن مصرع 13 شخصاً بسبب اصطدام منطادين في الهواء، ومع ذلك لم تؤثر هذه الحادثة على شغف وحب السائحين حول العالم لرحلات البالون، وذلك لأن كل المجالات لا تخلو من الحوادث، فرحلات الطيران والمترو والبواخر البحرية تتخللها حوادث.
قالت ماريا دانيال، سائحة فرنسية، إنها لم تشعر بالخوف ولا بالرهبة على الإطلاق خلال رحلتها في البالون الطائر، مضيفة أنها ستكرر هذه التجربة الرائعة خلال فصل الصيف مرة أخرى مع أسرتها، كما أن حادث 2013 الخاص ببالون الأقصر قد نسي من ذاكرة جميع السائحين، ولم يبق سوى في ذاكرة بعض وسائل الإعلام فحسب!
عوامل الأمان والسلامة وتفتيش الطيران المدني ومتابعة GPS
قال وائل المنشاوي، طيار في إحدى شركات البالون، إنه عقب حادثة 2013 كثفت وزارة الطيران المدني الدورات التدريبية للعاملين في قطاع البالون الطائر حول إجراءات الأمن والسلامة، وإدارة الأزمات.
وأضاف المنشاوي أن أعمال التفتيش تتواصل على رحلات البالون بكافة الأشكال العلنية والسرية لمنع وقوع أي حوادث جديدة، ولحظر التصاريح والتراخيص عن أي مخالفين.
عن سؤال "اندبندت عربية" للمنشاوي، ما هي الصعوبة الأكبر التي قد تواجه طيار رحلات البالون؟، ذكر أن الدوامات الهوائية المفاجئة، هي أبرز مخاطر رحلات البالون لأنها تفقد قائد الرحلة السيطرة على قيادة البالون، وقد تدفع رحلة البالون إلى المحافظات المجاورة كما حدث خلال العام الماضي، حين انحرفت إحدى الرحلات إلى قرية كرم عمران في محافظة قنا على بعد 35 كيلو متراً من مطار البالون بسبب دوامة هوائية مفاجئة، تلك الدوامات الهوائية أحياناً يصعب التنبؤ بها من قبل هيئة الأرصاد الجوية، ولكن مع بداية العام الجديد تم تزويد طياري البالون بجهاز الخرائط الهوائية الذي يسمح لقائد البالون التعرف على سرعة طبقات الهواء المفاجئة، لاتخاذ قرار الهبوط السريع خلال الرحلة.
أكد مصدر مسؤول في سلطة الطيران المدني بالأقصر، رفض ذكر اسمه، أن سلطات الطيران المدني بالتنسيق مع مديرية أمن الأقصر تجري فحصاً طبياً متواصلاً لقائدي رحلات البالون للتأكد من عدم تعاطيهم أي مواد مخدرة، بالإضافة إلى تفتيش لجان متنوعة للإدراة الهندسية شهرياً على جودة معدات البالون وأجهزة الإطفاء بها، وكفاءة وأداء الطيارين، مشيراً إلى أن أي شركة تخالف إجراءات السلامة يسحب منها الترخيص ويحظر تنظيمها لأي رحلات لطيران البالون لحين تقنين أوضاعها.
أشار الخبير السياحي محمد إدريس أن رحلات البالون الطائر بالأقصر هي الأكثر أماناً حول العالم، بدليل أنه يومياً يقلع قرابة 1000 سائح على متن تلك الرحلات بنسبة حوادث تكاد تكون منعدمة، مؤكداً أن حادث 2013 هو استثناء قدري لا يعول عليه، لأن إجراءات الدولة حازمة وصارمة مع شركات البالون وطياريها، الذين لا يحصلون على رخصة قيادة إلا بعد اختبارات عملية ونظرية معقدة من كافة الجهات الأمنية والتنفيذية.
أفاد مصدر مسؤول في فرع هيئة الأرصاد الجوية بالأقصر، أنه يشترط لإقلاع رحلات البالون ألا تتجاوز درجة الحرارة 35 درجة مئوية، وأن يخلو الطقس من الضباب، وأن يصلح معدل الرؤية لأكثر من 4 كيلو متر، وألا تتخطى سرعة الرياح 8 عقد، ذلك بهدف ضمان استقرار حركة البالون ووضوح الرؤية.
من جانبه أعرب الطيار عبدالله عبدالرحمن، الخبير في شئون سياحة البالون، عن ثقته في إجراءات شركات البالون لحماية السائحين والركاب خلال الرحلات، مؤكداً أن تحذيرات وإرشادات هيئة الأرصاد الجوية، باتت ملزمة لجميع رحلات البالون، بإشراف من سلطات الطيران المدني وشرطة السياحة، لأن حركة الرياح قد تدفع البالون خارج حيز محافظة الأقصر في حال تمكن الدوامات الهوائية من تلك الرحلات.
ذكر أيمن الشريف، رئيس مدينة الأقصر، أنه خلال العام المنصرم 2019 تم التزويد والتجهيز بتقنيات حديثة كـ"GPS" والصندوق الأسود لمراقبة رحلات البالون بدقة وتتبع مسارها وموقع هبوطها، مؤكداً أن عمليات التفتيش من قبل وزارة الطيران المدني وشرطة السياحة والحماية المدنية حازت ثقة شركات السياحة العالمية، التي جعلت رحلات البالون جزءاً أساسياً من رحلاتها.