Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي والتهديد الإيراني

موقف طهران من الدول العربية التي دخلت في عملية سلام مع تل أبيب مر بمرحلتين أساسيتين

مبنى البلدية في تل أبيب مضاء بألوان علم الإمارات (أ ف ب)

بماذا يختلف الموقف الإماراتي بتطبيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي عن غيره من الدول العربية الأخرى التي سبق أن ذهبت إلى معاهدات سلام وتطبيع في العقود الماضية، ولماذا كل هذه المواقف الإيرانية التصعيدية والتي تحمل كماً كبيرا من التهديد لأبوظبي بعد قرارها عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها؟ 

يمكن القول إن الموقف الإيراني من الدول العربية التي دخلت في عملية سلام مع إسرائيل قد مر بمرحلتين أساسيتين، الأولى ما قبل عام 1989 والثانية من تلك السنة وحتى عام 2020، لأن مرحلة ثالثة لا شك ستبدأ بالتبلور والظهور من عام 2021 وما بعد، وكل هذه المستويات والمراحل كان لها علاقة بالتحولات الداخلية الإيرانية وليس بما حدث وسيحدث على مستوى العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل. 

ففي مرحلة التشدد التي امتدت من التأسيس عام 1979 حتى عام 1989، يمكن القول إنها كانت متأثرة بالموقف الايديولوجي والخطاب الثوري والسقف العالي الذي فرضته قيادة مؤسس النظام، ووجوده بحيث استطاع أن يرسم الخط العقائدي للنظام من خلال التركيز على القضية الفلسطينية كأحد أهم الأدوار التي يجب على إيران أن تتحملها من منطلق أنها تشكل نقطة استقطاب للعالم الإسلامي نتيجة "الثورة الإسلامية" التي استلمت السلطة على أنقاض نظام ملكي لم يتردد في فتح وبناء علاقة مع إسرائيل. 

وقد شكلت القضية الفلسطينية ومسألة تحرير فلسطين المدخل الأساس والرئيس من أجل ولوج إيران ونظامها إلى قضايا العالم الإسلامي، وما يعنيه ذلك إمكانية أن تلعب إيران وثورتها ونظامها أدوارا في هذا العالم وانتزاع اعتراف بزعامتها من البوابة الفلسطينية على طريق تحقيق مشروع العالمية الإسلامية.

هذه الرؤية لدى المؤسس للثورة والنظام، تعتبر أحد أسباب الموقف الحاد والتصعيدي بقطع العلاقات مع مصر بعد قرار الرئيس الأسبق أنور السادات بزيارة القدس وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، وقد عبّر عن ذلك بوضوح في رسالة جوابية وجهها إلى الزعيم االليبي معمر القذافي بتاريخ (2 جمادى الثاني 1399) وقال فيها "إن مسؤوليات الحكومات الإسلامية عند الله القدير ولدى الشعوب كبيرة جداً ويجب على الحكومات الإسلامية أن ترد بحسم على حكومة مصر... وأن تقطع علاقاتها معها." مضيفاً "وأنا أمرت الحكومة أن تقطع العلاقات مع مصر، نحن نمد يد الأخوة إلى جميع الشعوب الإسلامية ونستعين بهم جميعاً للوصول إلى الأهداف الإسلامية".

بعد رحيل مؤسس النظام، دخلت القيادة الجديدة في مرحلة إعادة تقويم لدور وموقع النظام في المعادلات الأقليمية والدولية، ولعل محطة احتلال الكويت من قبل نظام صدام حسين وإعادة تحريرها عام 1991، والتطور المفصلي الذي حصل في مؤتمر مدريد على طريق عملية السلام الشرق أوسطية مع إسرائيل، كل ذلك ساهم في دفع النظام الإيراني لاعتماد قراءة جديدة للموقف الأقليمي وإعادة صياغة استراتيجيته في التعامل مع هذه التطورات، وقد برزت هذه الحاجة بشكل ملح بعد عام 1993 والإعلان عن توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. 

انطلاقاً من هذه التطورات والمتغيرات التي شهدها الإقليم، بدأ النظام الإيراني بالابتعاد عن الإلتزامات التي فرضتها مواقف المؤسس الأيديولوجية والعقائدية، واتبع سياسة أكثر واقعية وبراغماتية في التعامل مع محيطه العربي وعمقه الإسلامي. وبموازاة موقفه الصريح في العداء لإسرائيل وتبني خيار القضية الفلسطينية كمدخل لفرض دوره ونفوذه في الإقليم من خلال تبني القضية المركزية الإسلامية والعربية، فان قيادة النظام ذهبت إلى خيار العودة إلى الانفتاح على الدول والقوى السياسية التي ذهبت إلى خيار السلام ووقعت اتفاقيات سلام مع تل أبيب، أو تلك الدول التي يتهمها النظام باعتبارها داعمة لهذا الخيار. 

فجهدت هذه القيادة لبذل ما بوسعها لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام المصري والقيادة المصرية برئاسة حسني مبارك، ثم عززت علاقاتها مع قيادة المملكة الهاشمية الأردنية وإعادة فتح قنوات التواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقامت بالتفافة عميقة بقيادة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني بالانفتاح على السعودية والمحيط الخليجي على العكس من وصية الخميني السياسية التي وضعت خطاً أحمر على هذه العلاقة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من أن المسار السياسي الذي يعتمده النظام الإيراني في العقدين الأخيرين يميل كثيراً لاعتماد الواقعية والابتعاد عن الأيديولوجية من دون التخلي عنها على اعتبار أنها المدخل لحشد الساحة الداخلية وجمهور حلفائها، إلا أن ردة الفعل التي صدرت عن قيادات النظام السياسية والعسكرية حول القرار الإماراتي بالاتجاه نحو عقد اتفاقية سلام مع تل أبيب وتطبيع العلاقات الثنائية بين الطرفين، ظهرت وكأنها عودة إلى المسار الأيديولوجي المتشدد الذي سبق أن اعتمد في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، إلا أن التدقيق في خلفيات هذا الموقف يكشف أن المنطلقات لهذا التصعيد الذي سيطر على تصريحات المسؤولين الإيرانيين ورفع مستوى التحذير والتهديد للقيادة الإماراتية يأتي من مكان آخر، تحكمه الاعتبارات نفسها التي دفعت طهران للوقوف بوجه المساعي الكردية في إقليم كردستان العراقي في التأسيس لمرحلة الانفصال من خلال إجراء الاستفتاء على ذلك عام 2017، واعتبرت هذا المسار يأتي بدعم ورؤية إسرائيلية يوفر لتل أبيب حضورا مباشرا على الحدود الإيرانية ومن دون أي وسيط، فلم تتردد بالذهاب إلى دفع الخيار العسكري مستفيدة من رفض الحكومة الاتحادية لأي محاولة انفصالية وما فيها من تداعيات سلبية على مستقبل العراق ووحدة أراضيه. 

وفي ظل العلاقة المتوترة بين طهران وأبوظبي في الكثير من الملفات الأقليمية في العراق واليمن ولبنان وسوريا وغيرها من الساحات، فان طهران تعتبر القرار الإماراتي الجديد تهديداً لأمنها القومي في مواجهتها المفتوحة مع تل أبيب، لأن هذا القرار يسمح لإسرائيل بالوجود مباشرة بالقرب من الحدود الإيرانية والإشراف المباشر على المحيط الاستراتيجي لها في مياه الخليج خصوصاً مضيق هرمز الذي يعتبر الشريان الرئيسي للاقتصاد والنفوذ الإيراني في منطقة الخليج. وهي ترى أن هذا الوجود استفزازي وتهديدي على العكس من الوجود أو العلاقة التي تربط بين تل أبيب وسلطنة عُمان التي تعتبر طهران أنها تلعب دور التهدئة وتخفيف التوترات بينها وبين تل أبيب. من هنا فان العلاقة بين أي دولة عربية وإسرائيل قد لا تشكل استفزازاً للنظام الإيراني طالما أن الدائرة الاستراتيجية الأقرب للنظام خارج دائرة النفوذ الإسرائيلي، وأن دخول تل أبيب إلى هذه الدائرة عبر اتفاقيات سلام مع الدول الخليجية يعتبر تهديداً مباشراً وينقل المعركة بين الطرفين إلى الساحة الداخلية للنظام وتضعه أمام تحد أمني وسياسي واستراتيجي حقيقي، بعد أن اعتاد على إدارة المعركة معه في الدائرة الأقرب لتل أبيب على الساحتين السورية واللبنانية وفي الداخل الفلسطيني.

ويبدو أن التصعيد الإيراني تجاه الإمارات لن يتجاوز مرحلة المواقف وتنشيط الاتصالات الثنائية للوقوف على تطمينات واضحة من الجانب الإيراني بضمان العمق الاستراتيجي والأمن القومي الإيراني، خصوصاً وأن الحاجة الإيرانية للعلاقة مع الإمارات لا يمكن التغاضي عنها، فالاستثمارات الإيرانية في الإمارات قد تتجاوز 350 مليار دولار وحجم الصادرات الإماراتية تتجاوز 13 مليار دولار في ظل العقوبات التي تتعرض لها، فضلاً عن أن الإمارات سبق لها أن خففت القيود على بعض البنوك الإيرانية. لذلك من المستبعد أن تلجأ طهران إلى إرباك الساحة الإماراتية، إلا أنها ستعمل من أجل الحصول على ضمانات عملية بعدم تهديد مصالحها في الخليج في ظل التوسع الإسرائيلي الجديد.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء