كانت السترات عاكسة الضوء في ما مضى "الزينة التي لا بدّ منها" للسياسيين في المملكة المتحدة. سبق وأن رأيتموها بالتأكيد. عضو في الحكومة طموح، على نشرة أخبار التلفزيون المحلي. ربما كان يزور موقع بناء تحيط به الكاميرات والبطانة. إنّه هناك –يقول- بهدف التواصل مع عامة الشعب.
حسناً، كما هي الحال في كثيرٍ من الأحيان، كان للفرنسيين رأيهم الخاص في موقع السترات الصفر بالسياسة - وينضوي على شغفٍ أكبر مع شيء من التمرّد (قبل أن تسطو عليه قواتٌ رهيبة وبغيضة). الآن، وفيما يساهم الجمود في ويست مينيستر [مقر البرلمان البريطاني] في عرقلة العجلة السياسية، قد ينبغي لسياسيينا أن يُوَلوا وجوههم قِبل فرنسا لاستخلاص العبر للخروج من هذه الفوضى.
بدأ الأمر بحملةٍ على منصّة العرائض "Change .com". ما تبع ذلك كان حقا استثنائياً. فقد أضاف ما يقارب 1,2 مليون شخص أسمائهم. ثمّ انتظموا في حركة اعتراضية لم يقم الرئيس ماركون على أثرها بالتخلّص من زيادة الضرائب وإعلان تخفيض ضريبي جديد يمس الأشخاص العاديين وحسب، بل فعل أكثر من ذلك. قدّم التزاماتٍ تجاهل السياسيون في المملكة المتحدة تقديمها في بريكست: الانفتاح على الناس والإصغاء إليهم.
إنها لصدفة مثيرة للاهتمام أن تكون عريضة "فاينال ساي" [الكلمة الفصل] التي أطلقتها صحيفة "اندبندنت" قد بلغت الآن العدد نفسه. وهكذا، حاول 1,2 مليون شخصاً في المملكة المتحدة إسماع صوتهم، لكن الحكومة لم تستجب بعد.
فيما شكّك البعض في صدق مقاربة ماكرون ودوافعه (ولا شكّ أنّ الشعب الفرنسي سيحكم عليه بناء على أفعاله عقب ما سُمي Grand Débat national [المناظرة القومية الكبرى])، فإنّ المزايا الأساسية للسياسيين الذين يتعاملون مع الجمهور مباشرة قد تخفى على كثيرٍ من قادتنا هنا في بريطانيا. فقد وجد استطلاع رأي شمل أكثر من مئة ألف موقّع على عريضة Change.org أنّ 7 في المئة فقط اعتبروا أنّهم مُنحوا فرصة الاصغاء إليهم في ما يتعلق باتفاق بريكست منذ استفتاء العام 2016.
على الرغم من أنّ العريضة الفرنسية ارتبطت بزيادة الضرائب، فإنّ حركة الحملة كانت أكثر من مجرّد ذلك. فقد ارتبطت بشعورٍ عميق بالإحباط جرّاء عدم الإصغاء؛ وهو موقف نجد أنفسنا فيه هنا في المملكة المتحدة.
وفيما يختتم النقاش الوطني في فرنسا فصوله - ومع استمرار هدير ملحمة بريكست- عوضاً عن جولة أخرى من سياسة دفن الرأس في الرمال، يستطيع قادة بلدنا أن يفعلوا ما هو أسوأ من البحث عن حلول خارج مناطقهم المستأنسة.
بوسعهم الانفتاح على ذوي الأفكار والعنفوان وروح المبادرة لمعالجة الانشغالات الملحّة والطارئة التي تواجه البلاد.
قد تكون فرنسا النموذج الذي يحتذى به، ولكن هنالك العديد من الشبان الذين يملكون الشجاعة لتولي القيادة في الصفوف الأمامية في المملكة المتحدة.
لنأخذ على سبيل المثال بيلا لاك البالغة من العمر 15 عاماً والتي تدرس حالياً لنيل شهادة الثانوية العامة. انضمّت بيلا إلى آلاف الشبان في تظاهرةٍ في مدرسةٍ محلية للمطالبة بالتعامل مع التغيُر المناخي. أرادت بيلا أن تكون في المدرسة ولكنّها عوضاً عن ذلك ذهبت إلى التلفزيون المحلي للتحدّث عن مسألة المناخ الملحّة يحدوها شعور بالغضب من تخاذل القيادة.
كما بوسعنا النظر أيضاً إلى أميكا جورج التي ساهمت في إدراج حملة #PeriodPoverty [عَوَز الطمث] على الأجندة السياسية. ردّاً على 270 ألف شخص الذين دعموا حملتها، أعلنت الحكومة في بداية شهر مارس (آذار) تمويلها المواد الصحية في المدارس الثانوية.
ثم تلك النساء المذهلات اللواتي طالبن بتحديث المنهج التعليمي في المدارس وحققن مطالبهن. ونخصّ بالذكر أليس سميث التي قادت حملة لإدراج حالة انزياح بطانة الرحم (Endometriosis) في التربية الجنسية. أو لورا دارال لحملتها من أجل ضمّ تربية الصحّة العقلية إلى الفصول الدراسية، ونيمكو علي التي نجحت إلى جانب نشطاء من Pink Protest [الاحتجاج الوردي] في إضافة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على منهج كافة المدارس الثانوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يُدرج هؤلاء الفتيان – وهم في معظم الأحيان شابات- قضايا ضمن البرنامج القومي وحسب، بل تراهم يسعون في إحداث تغيير يودّون -وآخرون سواهم كثير- رؤيته.
قد يبدو الأفق القومي قاتماً بالنسبة للكثيرين في هذا الوقت. ولكن، يوماً بعد يوم، يعبر الأشخاص العاديون عن مخاوفهم ويحدثون زخما لا يُحبط ولم يتمكّن معظم ساستنا من مواكبته.
قد لا ينحصر الدرس الذي استفدناه من القارة [فرنسا] في معرفتنا لفظ "السترات الصفراء" بالفرنسية وحسب، بل كذلك في إدراكنا أن سلطة الشعب هي التحكّم في برنامج الحكم بالطريقة التي اتّبعتها الحكومات في ما مضى. على الرغم من الإحباط الذي سيشعر به كثيرون لدى مشاهدة الجمود في ويست مينيستر، بوسعنا أن نستمدّ الأمل من الأشخاص القدوة أمامنا. ليس من الدمى المتحركة في ويست مينيستر بل من أليس ولورا ونيمكو وسواهنّ.
المسألة بالنسبة لهؤلاء الساسة الذين يتساءلون عما إذا كان مناسبا ارتداءُ السترات الصفراء والخوذ أثناء الحملة الانتخابية المقبلة هي: إذا انتظرتم طويلاً قبل بدء الإصغاء إلى الناس، قد تفوتكم الأحداث بكلّ بساطة.
كاجال أوديدرا هي المديرة التنفيذية لموقع Change.org في المملكة المتحدة
© The Independent