Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النوروز وصراع القوميات في إيران...العرب يتمسكون بعيد الفطر والنظام يحاول فرض "شمولية ثقافية"

"حفلة بلا فستق" والإيرانيون يتركون بيوتهم خوفاً من حلول ضيوف مع مواسم الاحتفالات...قتلى وجرحى ليلة رأس السنة في احتجاجات على الغلاء

صورة عامة من بازار طهران جنوبي العاصمة الإيرانية (وكالة مهر للأنباء)

عيد النوروز مناسبة قومية للشعبين الفارسي والكردي في إيران، غير أن شعوباً أخرى في أواسط آسيا تحتفل بهذا العيد الذي يصادف يوم 21 مارس (آذار) من كل عام، وهو رأس السنة الفارسية التي تعتمد التقويم الشمسي لا القمري، كما هو الحال بالنسبة للسنة الإسلامية الهجرية.

ويُعطى هذا العيد-في العادة-أهمية كبيرة على المستويين: الشعبي والرسمي في إيران، كمناسبة قومية ترمز إلى الحضارة والقومية الفارسيتين.

والنوروز كلمة فارسية مركبة من "نو" بمعنى جديد و"روز"، وتعني يوم، وبذا يكون معنى نوروز "يوم جديد".

وتعود الاحتفالات بهذا العيد إلى أكثر من 2000 سنة، وفي عام 2009 تم إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

يرجع الباحث الأحوازي يوسف عزيزي أصل النوروز إلى البابليين الذين قال إنهم وضعوه ابتداء كمناسبة دينية انتقلت إلى جبال كردستان، ثم إلى بلاد فارس، ومنها إلى أواسط آسيا، مصطبغة بصبغة ثقافية وقومية فارسية.

ويذكر عزيزي أن الفرس جعلوه مرتبطاً بعبادة النار التي يقول إنها كانت مقدسة لدى فارس، نظراً لأهميتها في الهضبة الباردة التي لا ينقذ من من برودتها إلا النار التي عبدها الفرس وغيرهم من الشعوب قديماً.

غير أن أسطورة فارسية قديمة تقول إن الملك الفارسي "جمشيد" الذي كان يدعى "جم" غزا العالم، فلما وصل أذربيجان أمر بنصب عرشه هناك، ثم جلس عليه وقت شروق الشمس، حين سطع نورها على عرش الملك وتاجه، فابتهج الناس وقالوا: هذا يوم جديد. ولأنّ الشعاع يقال له في البهلويّة "شيد" أضيفت الكلمة إلى اسم الملك فأصبح جمشيد، وقيل إن هذا هو أصل الاحتفال بهذا اليوم.

ومهما يكن من أمر، فإن في الاحتفال بالنوروز بقايا من ثقافات بابلية وفارسية دينية وثقافية قديمة، كم أنه-مع مرور الزمن-صُبغ بصبغة قومية فارسية، كما يرى باحثون.

وتستمر الاحتفالات بالنوروز في إيران لمدة أسبوعين، حيث تعطل المدارس والجامعات 14 يوماً، وتعطل الدوائر الحكومية لمدة أسبوع واحد، ويتبادل الناس التهاني والهدايا والزيارات.

أعياد متشابهة

يعد الاحتفال بالنوروز ابتهاجاً بقدوم الربيع وعودة الأمل ورحيل البرد والعواصف والفرح بالشمس والدفء، كما هو مناسبة لعام جديد وآمال جديدة. وهذه المعاني في حقيقتها ليست حكراً على النوروز وحسب، ولكنها متضمنة في أعياد أخرى تحل متزامنة مع النوروز.

وهنا يقول الباحث يوسف عزيزي إن "النوروز يقابله عيد البنجة عند الصابئة المندانيين في العراق".

ويمكن أن يلحظ أن هذا العيد قريب في سياقاته الثقافية والاجتماعية من عيد "شم النسيم" في مصر، وكذا من عيد "إيستر" ذي الصبغة المسيحية، وعيد الفصح ذي الطابع اليهودي، حيث تحل مثل هذه الأعياد متقاربة، مع بدء موسم الربيع ورحيل البرد والعواصف والثلوج، الأمر الذي يجعلها مجتمعة معبرة عن فرحة الناس بتغير المواسم وتجدد الحياة.

 

النوروز وصراع القوميات

يحاول النظام الإيراني جعل النوروز مناسبة قومية لكل الشعوب في إيران، مع أنه يخص الفرس والكرد، وإن كانت الشعوب الأخرى في إيران تحتفل به بشكل أو بآخر، لكن الشعب العربي في إيران لا يحتفل بذلك العيد إجمالاً، نظراً لخلفيات سياسية وتاريخية، جعلت العرب يحتفلون بعيد الفطر كعيد ديني، تحول مع الزمن إلى عيد قومي يرى فيه العرب شخصيتهم القومية في مقابل تجسد الشخصية القومية الفارسية في النوروز في أبعاده السياسية والثقافية.

يقول عزيزي "حاولت الأنظمة الإيرانية المختلفة-منذ الشاه وحتى نظام ولاية الفقيه-فرض النوروز على الحياة العربية في إيران، الأمر الذي ولَّد ردة فعل بالتمسك بعيد الفطر الإسلامي، الذي ربطه الأحوازيون بمضامين قومية".

يضيف عزيزي إن التمسك بعيد الفطر الذي يحتفل به العرب ثلاثة أيام، مع المبالغة في الابتهاج به جاء كردة فعل على محاولات النظام فرض ما أسماها "الشمولية الثقافية" على الشعوب الإيرانية ومنها الشعب العربي في إيران. وأضاف أن عيد الفطر تحول لدى العرب في إيران إلى مناسبة للاحتجاج على سياسات النظام الإيراني التي وصفها بالعنصرية والقمعية ضد العرب، حيث تستمر الاحتفالات مصحوبة بهتافات ضد النظام، وشعارات تندد بعنصريته.

ويلمح عزيزي إلى الأبعاد القومية الفارسية في النوروز، فيقول إنه على الرغم من أن النظام في إيران يعد نظاماً إسلامياً، لكنه لا يولي عيد الفطر الإسلامي الأهمية ذاتها التي يوليها للنوروز كمناسبة قومية فارسية.

وفي هذا الجانب، وعلى الرغم من أن الأكراد في إيران يحتفلون بالنوروز، لكنهم يحاولون أن يتمايزوا-قومياً-عن الفرس الذين يحتفلون بالعيد في البيوت، في حين أن الأكراد يخرجون إلى الجبال لإشعال النار، ويمارسون الرقص والأهازيج الكردية، رجالاً ونساء، فيما تحاول السلطات في إيران منع تلك المظاهر، التي يرون أنها تخالف التعاليم الإسلامية.

نوروز بلا فستق بسبب الأوضاع المعيشية

مع صعوبة الأوضاع المعيشية التي يمر بها المواطنون في إيران فقدت أعياد النوروز الكثير من الرونق، والعديد من الطقوس التي كان الإيرانيون يمارسونها خلال أسبوعين من الاحتفالات.

ومع تصاعد أسعار السلع لم يتمكن الكثير من الناس من شراء حلويات النوروز، وظهرت مع اقتراب العيد حملات-على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران-تدعو إلى مقاطعة شراء الفستق، الأمر الذي أدى إلى انخفاض بيع هذه المنتوجات بنسبة عالية قدرها باحثون بـ90% كما يقول يوسف عزيزي.

وبلغ من شأن غلاء الأسعار في موسم نوروز هذا العام أن ناقشه البرلمان الإيراني، حيث صرح نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإيراني، سيد حسن حسيني شاهرودي بأن غلبية الناس لم تعد تحتمل تكاليف الاحتفال بالنوروز. وقال البرلماني الإيراني، خلال حوار أجراه معه موقع "عصر إيران" إن "غالبية الناس يعيشون في ظروف صعبة، ويعانون جراء الأوضاع الحالية في البلاد".

وأضاف: "نظراً لارتفاع أسعار السلع الأساسية، تفضل كثير من العائلات عدم البقاء في البيت أيام العيد حتى لا يأتيهم ضيوف، لأنهم غير قادرين على توفير الفواكه والمكسرات وتقديمها لهم".

وفي إشارة إلى تصاعد الأسعار مع حلول النوروز نشرت الإيرانية براح أنورين صورة لرغيف خبز على صفححتها على تويتر وكتبت " اشترينا هذا الرغيف بـ 20 ألف ريال إيراني وكان أمس 15 ألف ريال."

أما بيكاه برويز فنشرت صور فيديو لرجل يبحث عن قوته في القمامة في أحد شوارع طهران وقالت "هذا هو حظه قبل أيام من بدء رأس السنة الإيرانية."

 

وكتبت ريحانة حسيني على تويتر "اشترينا العام الماضي بعض الأواني الإيرانية الخاصة بالفستق والحلويات والفواكه، لدعم المنتوجات المحلية لاستخدامها في استقبال الضيوف، في النوروز، ولكن-هذا العام-في ظل الوضع الاقتصادي السيء نتمكن نحن وضيوفنا فقط من النظر الى هذه الأواني".

وفي ليلة رأس السنة الفارسية، وعشية النوروز اندلعت مظاهرات في مدن إيرانية عدة جنوب البلاد، احتجاجاً على غلاء المعيشة، واقتحم المتظاهرون مبنى بلدية دسبول، واندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين، قُتل على إثرها أحد المتظاهرين، وجرح العشرات، الأمر الذي أضفى على موسم العيد جواً من الحزن بسبب قتل وجرح المحتجين على صعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

 

المزيد من الشرق الأوسط