منذ أعلن المغرب عودته إلى الاتحاد الأفريقي رسمياً في عام 2017 بعد غياب دام 33 سنة، بسبب قبول عضوية جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو"، لا تزال العوائق ومحاولات التوفيق بين الطرفين تجري ضمن الاتحاد. ومن المنبر الأفريقي، أخذت "الجبهة" التي قامت في الصحراء المغربية في عام 1976، تلوِّح بالانفصال، إثر ما عدَّته اعترافاً أفريقياً بكيانها بدعمٍ من الجزائر.
عوائق العودة
ظل المغرب على مدى زمنٍ طويل أوروبي الهوى بحكم القرب الجغرافي والتواصل على كل المستويات، وفي الوقت ذاته لم تستطع القارة السمراء تجاهل أفريقية المغرب، العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الأفريقية، والناشط في تعاون دول جنوب – جنوب. وإذا كان تصاعد النزعات الانفصالية سببه السعي إلى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الذي تغذيه دول معينة للدفع في اتجاه إعادة ترسيم الحدود الدولية، فإن حركة البوليساريو تقف كأبرز الأمثلة الانفصالية في المغرب العربي، وتُوصف بأنها "صنيعة دولة جارة" لتحويل الانتباه عن مشكلاتها الداخلية والحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي. ولذلك يبرز في الإطار، الجفاء بين المغرب والجزائر، التي تصدت لعودة الرباط إلى الاتحاد الأفريقي، بشكل يظهر الجزائر كوكيل للبوليساريو تتحدث باسمها ويعلو صوتها نيابة عنها.
وتذهب الجزائر إلى أبعد من ذلك بصياغة مبررات رفض الاتحاد الأفريقي لعودة المغرب، وإرجاعها إلى مبادئ الاتحاد، إضافة إلى مواقف رسمية ومواد في الدستور المغربي تعبِّر صراحةً عن أطماع توسعية تتعارض مع المبادئ التأسيسية لمنظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي لاحقاً. كما دخلت قضية تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الأفارقة، ضمن إطار المزايدة السياسية بين البلدين الجارين. وفوق هذا وذاك، يبدو أن المغرب يتحرك وفق استراتيجية معينة هي تفعيل عضويته في الاتحاد كمرحلة أولى ثم جمع تواقيع عدد من الدول الأعضاء في سبيل طرد "البوليساريو" على اعتبار أنها غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من حصول المغرب على دعم 28 دولة أبدت تجاوبها مع طلبه العودة إلى الاتحاد الأفريقي، إلا أنه ظل بحاجة إلى مجهود إضافي لتغيير القانون التنظيمي للاتحاد. وقدّمت هذه الدول طلباً إلى إدريس ديبي رئيس الاتحاد الأفريقي وقتها، بتجميد عضوية البوليساريو. ويعتبر المغرب أن الجبهة تتجه نحو التطرف فضلاً عن التقرب إلى مجموعات متطرفة، في حين يرى مراقبون أنه لن يتم عزل البوليساريو أفريقياً، ولكن يُحتفظ بالكيان الذي يلقى تجشيعاً غربياً لخلق نوع من التوازن في إقليم المغرب العربي والقارة الأفريقية.
الكرسي الشاغر
اعترضت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي عوائق عدة ابتداءً من وجود جبهة البوليساريو في المنظمة، وليس انتهاءً بتعنت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي وقتها نكوسازانا دلاميني زوما التي اتُهمت بتأجيل توزيع الطلب المغربي بالعودة على الدول الأعضاء حتى تعيق حضور المغرب القمة الأفريقية التي عقدت في 28 يناير (كانون الثاني) 2017 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وعلى أثر ذلك، اعتبر المغرب أن رئيسة المنظمة تخدم أجندة بلدها، جنوب أفريقيا، إضافة إلى الجزائر ونيجيريا، الدول الداعمة لجبهة البوليساريو المطالِبة بانفصال الصحراء الغربية. كما تقف بوجه عودة المغرب إلى الاتحاد بعد الانسحاب في سبتمبر (أيلول) 1984 احتجاجاً على قبول المنظمة عضوية الجبهة، لتظل نقطة خلاف رئيسة بين الرباط والاتحاد الأفريقي. وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة، فإن المقارنة تكمن في أن المغرب عانى من الاستعمار الفرنسي مثلما عانت منطقة الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني، ولكن المعاناة الآنية للطرفين معاً هي في النزاع على المنطقة التي تسميها "الجبهة" أراضي محتلة، بينما يطلق عليها المغرب تسمية "المنطقة العازلة".
وظل المغرب يسعى حثيثاً للعمل على تعزيز الجهود الشعبية والدبلوماسية لتوطيد علاقاته مع القارة الأم بعد طول جفاء. وتمهيداً لتلك العودة قام العاهل المغربي محمد السادس بزياراتٍ رسمية إلى رواندا وتنزانيا وإثيوبيا، شرق القارة السمراء، التي لا تُصنَّف ضمن المجال التقليدي للعلاقات المغربية - الأفريقية. وشارك العاهل المغربي في طقوس الترحيب به التي شملت دقّ الطبول، وأمر بالتمدد الدبلوماسي عبر تعيين سفراء في دول أفريقية شهدت فراغاً دبلوماسياً مغربياً لوقت طويل. وكانت فرصة للمغرب أن يظهر بثوبه الأفريقي ذي الألوان الحارة. هذه الجهود حرّكها إدراكٌ تأخّر 33 سنة، حين وصل المغرب إلى اكتشاف ضرورة العودة إلى مكانه الطبيعي في أفريقيا وإنهاء سياسة الكرسي الشاغر فيه.
خلاف في ثوب الوحدة
أما مبدأ الوحدة الذي يتخذه الاتحاد الأفريقي شعاراً، فبات موضوعاً خلافياً بسبب ما يطرأ في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو الانقسام. وأدى تفكك الوحدة الوطنية التي يتسم بها عدد من دول القارة، إلى توصيفها ضمن الأدب السياسي العالمي. وخلال القرن الـ20 شكّلت دول أفريقية بؤراً للصراعات المسلحة ما أعاق حركة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وعطّل تشكيل المؤسسات اللازمة لنجاح التنمية الاقتصادية.
وليس الحاضر وحده وإنما التاريخ أيضاً، يحفظ كثيراً من أسباب الفُرقة بين شمال القارة وجنوبها، فمطبات الانقسام بارزة، وما يفرّق أكثر مما يجمع. ظلّ إرث الحدود المرسومة من قِبل الاستعمار، والمركزية السياسية المحدودة، من الأسباب التي أدت إلى استمرار التشرذم في أفريقيا، إضافة إلى التنوع اللغوي والتقسيمات العرقية. ونتيجة لذلك، استمرت التبعية القبلية في إعاقة نشوء هويات وطنية موحدة. فضلاً عن احتكار السلطة حتى بين زعماء التحرير الذين ناهضوا الاستعمار لبلدانهم فكثيراً ما كانوا يستأثرون بالسلطة لعقود طويلة بناءً على حشد وتعاطف مناصريهم.
وفي مواجهة الأزمة ذاتها، نجد أن هناك خصومة غير مرئية بين السود المنتمين إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء وبين سكان القارة في الشمال، تعقد احتمالات قيام أي اتحاد بين الجانبين. والفكرة التي كانت تراود كثيرين داخل المنظمة وعبّر عنها رئيس جمهورية الكونغو الراحل موبوتو سيسيكو "فهد كينشاسا" كما كانوا يطلقون عليه، هي المطالبة باستبعاد دول الشمال الأفريقي التي تتباهى بأصولها العربية من منظمة الوحدة الأفريقية. وأشار موبوتو في مطالبته تلك إلى إعلان الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، مصر جمهورية عربية. وإن كانت الوحدة في ظلّ هذا التنوع مصدراً للثراء وليس الخصومة، إلا أن أغلب الزعماء الأفارقة لا يؤيدون الوحدة الأفريقية الحقيقية جدياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فض النزاع
بعد استبعاد البوليساريو من حضور عدد من القمم الدولية للدول الأفريقية، شاركت الجبهة بعد ضغطٍ من جنوب أفريقيا والجزائر في أعمال الدورة العادية الـ33 لمؤتمر قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، التي عُقدت في مقر الاتحاد في 9 و10 فبراير (شباط) الماضي، تحت شعار "2020 السنة الأفريقية لإسكات صوت البنادق وتهيئة الظروف لتنمية أفريقيا". وعمَّق الدعم الذي حصلت عليه جبهة البوليساريو من جنوب أفريقيا التي تسلمت رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال هذه القمة، رفض المغرب لدور الاتحاد. وهو الموقف القائم أساساً بسبب ما يراه المغرب محاباةً من المنظمة للجبهة، الذي ترسَّخ باتفاق قادة الوفود المشاركة في قمة الاتحاد في العاصمة الموريتانية نواكشوط في يوليو (تموز) 2018، على إنشاء آلية أفريقية لحل النزاع في الصحراء الغربية، وذلك في أعقاب المقترح الذي قدَّمه موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد. عندها أعلن المغرب أن الاتحاد الأفريقي ليس معنياً بحل قضية الصحراء الغربية، ولا يمكنه التدخل في مباحثات ملف يعالجه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وزادت الرباط تمسكها بدور الأمم المتحدة التي تسعى إلى تسوية سلمية للنزاع بين الطرفين منذ عام 1988.
خطة انفصالية
ويستمد المغرب قوة موقفه من الظروف الدولية والإقليمية ومن خلال التوسع الدبلوماسي الذي حققه خلال السنوات الماضية في غرب أفريقيا وصولاً إلى الدول الأفريقية الناطقة بالإنجليزية. وما يُحسب لصالح المغرب هو طرحه لمبادرة الحكم الذاتي مع الاحتفاظ برموز السيادة المغربية لإنهاء نزاع الصحراء الغربية، ما يعكس جدية المشروع الذي يجمع بين مطلبي الوحدة والاستقلال في مقابل الركود الذي يطبع مواقف الطرف الآخر. وكان بإمكان هذه المبادرة الحدّ من الخطة الانفصالية، لولا إصرار البوليساريو ورفضها التفاوض بشأن المقترح المغربي. ونتيجةً لذلك، أعلنت دول أفريقية أنها ستلتزم الحياد في قضية النزاع في الصحراء المغربية، بينما أعلنت بوليفيا تعليق اعترافها بجبهة البوليساريو وقطع علاقاتها. وفي الأثناء سجَّلت جبهة البوليساريو في منتصف يوليو (تموز) الحالي إشادةً بمواقف التأييد من قِبل رؤساء وقادة دول القارة خلال قِمّة الاتحاد الأفريقي، إذ قالت إنها أثبتت تمسّكه بقانونه التأسيسي وبحقوق أعضائه، ومطالبةً في الوقت ذاته إسبانيا بإيفاء التزاماتها عن إدارتها للصحراء الغربية حتى تصل إلى تقرير المصير والاستقلال.
وعاد المغرب إلى الفضاء الأفريقي وقد تبقى البوليساريو في كنف الاتحاد الأفريقي ولكن خمود النزعة الانفصالية ليس مؤكَّداً لأن العمل على تقوية كيان دول المغرب العربي ضمن الاتحاد الأفريقي، على نسق كل التحالفات الإقليمية التي أثبتت نجاحاً وضمنت استقراراً لشعوبها، تشوبه أيضاً بعض العوائق، فضلاً عن إدارة الملف وفقاً لسياسة التجاذبات التي تمهّد لسيناريو تصعيد الأحداث، أو على أقل تقدير العودة إلى حالة اللاحرب واللاسلم.