أدت الأعوام الطويلة والتأثيرات المناخية المتتالية التي مرت بها الأحياء القديمة في جزيرة تاروت إلى تشويه هويتها المعمارية وتلويث جدرانها وممرات أزقتها ومعالمها، وأسهمت الكتابات العشوائية، وتهالك بعض جدران مبانيها في اختفاء ملامحها وتواريها خلف التكتلات الإسمنتية التي طمست الكثير من مقوماتها الحضارية وعوامل البهجة فيها.
وسعى بعض سكان الأحياء القديمة فيها إلىى القيام بمبادرة فردية لتجميل هذه الكتل والجدران وبث الحياة من خلالها عبر ترميمها وتلوينها، وتحولت المبادرة إلى ورشة عمل مستمرة يشارك فيها فنانون وناشطون من محافظة القطيف لبث الحياة والبهجة في الجدران المتآكلة والأسقف المتهالكة بدءاً من حيّ الديرة الأثري القديم في منتصف جزيرة تاروت الواقعة في شرق محافظة القطيف.
الحي القديم
ونجح فريق شبابي في تحويل أزقة الحي القديم الذي يعود تاريخه إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد إذ يُعدّ من أولى المناطق التي شهدت تجمعات سكانية في منطقة الخليج العربي، إلى لوحات بألوان بهية ومزهرة أعادت البهجة إلى ممرات الزقاق الباهتة وحولتها إلى جداريات ساطعة.
ألوان وماء وإسفنج أدوات استخدمت لتلوين أبواب وجدران أزقة الحيّ. أبسط الأساليب استعملت للتعبير عما يدور في مخيلة المتطوعين، ونقلت مشاعرهم وأحاسيسهم لتنعكس على الجدران الصامتة التي أُعطيت حياة من خلال الترميم والتلوين.
مبادرة تلوين تاروت
يقول عبد العظيم الضامن وهو فنان تشكيلي ورائد الفريق لـ "اندبندنت عربية" : "أحببنا الخروج من مناظر الجدران المتصدّعة والممرّات المتهالكة إلى أجواء الألوان الزاهية، وتلوين الأبواب بحيث نغير من نفسية سكان هذه الأحياء وتحويلها إلى مسارات سياحية. ومبادرة تلوين الأحياء القديمة هي إحدى مبادرات مشروع المدن السعيدة الذي يستهدف بقية أحياء جزيزة تاروت".
وقبل زهاء عام راودت الفكرة الضامن وبعد موافقة أصحاب المباني شرع برفقة فريقه للعمل ويضيف "أنه ورفاقه في المبادرة يعتمدون في تطوعهم على موهبتهم ويطمحون إلى رسم البسمة على وجوه أهالي الحي وزواره عبر تزيين الجداريات وتلوينها لخلق فضاء جذب للسياح في الجزيرة"، وعن سبب اختيار الألوان المشرقة كالبرتقالي والأصفر والأزرق والأخضر يوضح الضامن" أن الألوان جاء اختيارها وفقاً لميزتها في بعث السعادة والراحة النفسية في نفوس سكان الحي المحليين إضافة إلى الزوار".
بعض الأعضاء اختاروا طريقة فريدة في التطوع، حملوا حبهم للألوان والترميم وطبعوه على جدران الحي من خلال ترميمه وتلوينه بمشاركات فردية من الأهالي بمختلف فئاتهم العمرية وبجهود نشطة تبعث السعادة وتسعى إلى بثّ روح إيجابية إلى كل قاطني هذه الأحياء القديمة كما يزرعون جذوة الفن في نفوس الصغار.
الحي الملون
حسن خيري أحد المشاركين في العمل قام بتلوين الممرات بتدرجات الأزرق لتقود الزائرين إلى المتحف في المزار السياحي للجزيرة، وينوي المشارك تغيير اللون بين فترة وأخرى في مسعى منه إلى جذب أعداد أكثر للتعرف على المتحف وما يحتويه من أثريات.
عائشة الشيخ من مدينة جازان جنوب غربي السعودية إحدى الزائرات للحي الذي بات يعرف في الجزيرة بـ"الحي الملّون" تصفه في حديثها إلى "اندبندنت عربية" بأنه تحول من زقاق قديم متهالك باهت اللون إلى حيّ في غاية الجمال والإشراق والأناقة".
وعلى الرغم من محدودية المبادرة واقتصار فكرتها على الحي القديم فإنها ترى أن الألوان الزاهية التي زينت واجهات أبواب البيوت العتيقة إضافة إلى إضاءة أزقة الحيّ، كل ذلك شجع الكثير من سكان الجزيرة على المجيء إليه والتقاط الصور التذكارية معتبرة أن فكرة المبادرة تقوم على إعادة صناعة الحياة والإشراق في حيّ الديرة القديم.