يترقب الأميركيون بشغف الدور الذي يمكن أن يلعبه بيل ستيبين المدير الجديد لحملة الرئيس دونالد ترمب الانتخابية الذي عينه بعدما طرد مدير حملته براد بارسكال إثر سلسلة انتقادات لاحقته وبسبب استمرار تراجع ترمب خلف المرشح الديموقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي بهامش كبير. فما هي الخطط والتكتيكات التي يمكن أن يدفع بها ستيبين السياسي المخضرم الذي يوصف بالداهية الميكيافيلي؟ وما الجديد الذي يستطيع أن يقدمه لضمان أن يبقى ترمب في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى؟
الإعلان المفاجئ الصادر قبل أيام بتعيين ستيبين مديراً لحملة ترمب الانتخابية خلفاً لبارسكال، يشير إلى تغيير حاد في الاتجاه الذي سوف تسلكه حملة ترمب قبل أقل من أربعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، ذلك أن ستيبين، وهو سياسي مخضرم كان نائباً لبارسكال، يحاول إستنهاض الحملة ودفع أفكار ودماء جديدة إلى شرايينها بعد سلسلة من الانتكاسات عبر الاعتماد أساساً على البيانات والإحصاءات المتعلقة بالناخبين ومناطقهم وتطلعاتهم.
شخصية مختلفة
اختار ترمب عاملاً تقليدياً ومهنياً يتوافر في ستيبين أكثر من بارسكال، إذ أن الأول منضبط للغاية ومولع بالبيانات والإحصاءات، يوصف بأنه داهية، وهو مكيافيلي، يعرف كيف يحقق أهدافه، يسترشد بجداول البيانات المتعلقة بالناخبين وتوجهاتهم ونسب التصويت، ما سيتيح له فهماً أفضل لساحة المعركة الانتخابية، ومن ثم تحديد استراتيجية مناسبة تتعاطى مع بشكل أفضل مع هذه البيانات.
وفي حين كان بارسكال في بعض الأحيان منشغلاً بالأضواء وأنفق بعض أموال الحملة في الترويج لصفحته الخاصة على فيسبوك، يبدو ستيبين على عكس ذلك تماماً، حيث يُفضل العمل خلف الكواليس بعيداً عن العيون أو الاهتمام العام، وفقاً لما يقول حاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي، الذي عمل ستيبين مساعداً له.
كما أن ستيبين ليس غريباً على السياسة المتعثرة والمتخبطة، فقد أقاله كريستي، قبل أن يتصالحا فيما بعد، وسط تداعيات ما يسمى فضيحة بريدجيت عام 2013، حين تبين أن المسؤولين في مكتب الحاكم استخدموا نفوذهم السياسي للضغط على خصم سياسي ديمقراطي لكريستي. وبالرغم من أن ستيبين لم توجه إليه تهمةً جنائيةً في هذه الفضيحة، إلا أن هناك مؤشرات على أن يديه لم تكن نظيفة تماماً حسبما تقول صحيفة "نيويورك تايمز".
تاريخ من الانتصارات
اكتسب ستيبين (42 سنة)، خبرة سياسية واسعة منذ نعومة أظفاره حيث انخرط متطوعاً في حملة السيناتور أنتوني بوكو في ولاية نيوجيرسي عام 1997 بينما كان طالباً في جامعة روتجرز، ومن هناك صعد سُلم السياسة على مستوى الولاية حين ساهم في حملة بوب فرانكس الانتخابية لعضوية مجلس الشيوخ عام 2000، ثم حملته لمنصب حاكم الولاية عام 2001، قبل أن يصبح مديراً لحملة المرشح الجمهوري بيل باروني لمجلس ولاية نيوجيرسي عام 2003 والتي حقق فيها معجزة مدوية كان لها أصداء واسعة لأن باروني انتزع فوزاً صعباً من خصمه الديمقراطي في واحدة من القلاع التقليدية للحزب الديمقراطي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضع هذا الانتصار ستيبين على الخريطة، فأصبح محل اهتمام السياسيين في نيوجيرسي، فقد وظفه مايك دوهيم وهو ناشط سياسي في شركته للاستشارات السياسية، الأمر الذي قاده إلى تولي مناصب في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري وفي الحملات الرئاسية لرودي جولياني، والسيناتور جون ماكين عام 2008.
لكن اقتحامه أوسع الأبواب جاء مع كريس كريستي عام 2009، عندما أدار ستيبين حملته الأولى لمنصب حاكم نيوجيرسي. فعلى الرغم من أن خصمهم الديمقراطي جون كورزين، كان مرشحاً ضعيفاً، إلا أن استحواذ المرشح المستقل كريس داجيت على تأييد 20 في المائة من الناخبين في استطلاعات الرأي، أبقى كريس كريستي عالقاً عند تأييد 40 في المائة فقط، فما كان من ستيبين، إلا أن استقطب أصوات مؤيدي المرشح المستقل بعدما ركز حملته على من كان كريستي هو اختيارهم الثاني، ليفوز كريستي في النهاية على كورزين بأقل من 4 في المئة، لكنه اعتُبر انجازاً ضخماً في رصيد ستيبين حتى الآن.
بعيداً عن الأضواء
وفي عام 2016، كان صهر ترمب جاريد كوشنر، هو من وَظف ستيبين في حملة ترمب، ومن غرفة عمليات الحملة، عمل ستيبين بعيداً عن الأضواء وقاد مهام ميدانية بالتركيز على الولايات المتأرجحة التي تحسم عادة المعركة الانتخابية، وبعد فوز ترمب بانتخابات عام 2016، كافأ ترمب ستيبين بتعيينه مديراً سياسياً في البيت الأبيض.
ومنذ ذلك الحين أصبح ستيبين شخصية رئيسة في محيط الرئيس ترمب، وكان له دور فعال في إقناع سياسي آخر من نيوجيرسي وهو النائب جيف فان درو، لتحويل تسجيل حزبه من ديمقراطي إلى جمهوري.
وبالرغم من أن ستيبين غادر منصبه في البيت الأبيض عام 2018 لتأسيس شركة استشارات سياسية مع المحامي جاستين كلارك، إلا أن شبهة ارتباطهما بعمل سياسي لصالح الرئيس ترمب ظلت تلاحقهما.
تغيير إيجابي
كثير من الجمهوريين اعتبروا أن تولي ستيبين قيادة حملة الرئيس ترمب تُمثل تغييراً إيجابياً، فقد اعتبر نيل نيهاوس، المؤسس المشارك لشركة إستراتيجيات الرأي العام، وهي مؤسسة استطلاع رأي معروفة بعملها مع المرشحين الجمهوريين، تغيير قيادة الحملة أنه يشير إلى صعوبة التحدي الذي تواجهه الحملة وإدراكهم الحاجة الملحة للتغيير، وهو ما ما بدا أنهم يخططون القيام به.
ويقول مراقبون في واشنطن أن ستيبين يبدو عازماً على تكرار استراتيجيته المتميزة في توظيف بيانات الناخبين لصالح مرشحه، حيث أشاد بجهود بارسكال و ترمب في بناء حملة قوية غير مسبوقة على أساس البيانات والتكنولوجيا، تشمل معلومات أفضل حول الناخبين، وفريق أفضل لجمع الأموال قبل 105 أيام فقط على يوم الحسم الانتخابي في الثالث من شهر نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
نذير خطر
في المقابل، يعتبر البعض أن اضطرار ترمب لاستبدال مدير حملته يُعد نذير خطر داهم يشير إلى أن حملة ترمب تواجه أزمة كبيرة للغاية، لدرجة أنها تهدد بإسقاط ليس فقط رئاسته ولكن حزبه الجمهوري بأكمله، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي على المستوى الوطني في الولايات المتحدة ككل، تقدم خصمه جو بايدن بفارق تسع نقاط، وفي كثير من الولايات المتأرجحة الحاسمة بدرجات متفاوتة لدرجة أن ولايات جنوبية فاز فيها ترمب بسهولة ضد هيلاري كلينتون في الانتخابات الماضية مثل فلوريدا وتكساس وجورجيا وكذلك أريزونا، أصبحت غير مأمونة العواقب للرئيس ترمب، في حين تؤكد ولايات الغرب الأوسط المهمة مثل ميتشغان وبنسلفانيا و ويسكونسن والتي سبق وفاز بها عام 2016، تقدُم نائب الرئيس السابق جو بايدن بنسبة تتراوح بين ست إلى تسع نقاط.
ويشير وليام غلاستون من معهد بروكينغز للأبحاث إلى أن الوضع السياسي للرئيس ترمب يؤثر على المرشحين الجمهوريين الآخرين، حيث خلقت هذه الأجواء معارك أشد مما كان متوقعاً للأعضاء الجمهوريين الحاليين في مجلس الشيوخ في ولايات أريزونا وجورجيا وأيوا ونورث كارولينا و ميشيغان، ما يهدد بتآكل شعبية الجمهوريين وإمكانية خسارة مقاعدهم في الانتخابات المقبلة، وبخاصة مع استمرار التأثيرات السلبية لوباء فيروس كورونا على الناس وعلى الاقتصاد.
استراتيجية الإنعاش
لكن من المؤكد أن ستيبين لديه استراتيجية واضحة لإنعاش فرص الرئيس ترمب وإخراجها من حطامها الحالي، عبر التعامل أولاً مع فئات المجتمع الأميركي على حدة، والتعامل مع الولايات المتأرجحة بطريقة تمس تطلعات كل ولاية من الولايات بما يسمح باستعادة عدد من هذه الولايات لصالح ترمب.
ولأن هناك قناعة مهمة بين الجمهوريين بأن فرص ترمب في الفوز لم تختف تماماً، يتفاءل مديرو الحملة أنه إذا أظهر اللقاح المنتظر سلامته وفعاليته مع بداية فصل الخريف وبدأت الإصابات الجديدة بالمرض في الانخفاض، فمن المحتمل أن يتغير المزاج العام لدى الناخبين، وسيتيح ذلك لستيبين وحملته أن يدفع الرئيس ترمب إلى الاعتراف بالخطأ عن الكيفية التي واجه بها الوباء، مما يسمح له بتغيير المسار من حيث الجوهر، مع وعود قاطعة بإعادة الاقتصاد إلى التحسن بسرعة كما كان طوال سنوات حكم ترمب، بدلاً من مواجهة ضرائب مضاعفة محتملة من جو بايدن.
كما ينتظر ستيبين وفريق مساعديه أن يرتكب جو بايدن زلة مدمرة، و أن يؤدي أداءً سيئاً خلال المناظرات الانتخابية الثلاث، بما يكفي لإثارة الشكوك حول لياقته للمنصب الرئاسي وهو ما يركز عليه ترمب في تغريداته ومؤتمراته الجماهيرية ولقاءاته التليفزيونية الأمر الذي يمهد الطريق أمام خاق حالة ذهنية عامة لدى غير المتحمسين لبايدن أن يبقوا في منازلهم ولا يتوجهوا للتصويت في صناديق الاقتراع بعد أقل من أربعة أشهر من الآن.
ومع الأيام القليلة المقبلة سيلحظ الأميركيون شكل وحجم التغييرات التي يتوقع أن يضيفها المدير الجديد لحملة ترمب الانتخابية.