كثّف القادة الأوروبيون المحادثات الأحد في بروكسل على أمل تجنّب فشل المفاوضات حول خطة تعاف اقتصادي لمرحلة ما بعد كورونا في ختام يوم سادته انقسامات مهمة بين الدول.
ودعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال مساء الأحد زعماء الاتّحاد الأوروبي إلى عدم إظهار "أوروبا ضعيفة"، حاضّاً إيّاهم على التوافق حول خطّة التعافي الاقتصادي.
وقال ميشال خلال عشاء لرؤساء الدول والحكومات الأوروبّية المجتمعين منذ الجمعة في بروكسل، "السؤال هو الآتي: هل القادة الـ27 المسؤولون أمام شعوب أوروبا قادرون على بناء وحدة أوروبية وثقة؟ أم أننا... سنُظهِر أوروبا ضعيفة يُقوّضها انعدام الثقة؟".
وبحسب التصريحات التي نقلها مصدر مطّلع على المحادثات، فقد أعرب ميشال عن "رغبته" في أن يتوصّل الأوروبيون إلى "اتّفاق وأنْ يتصدّر نجاح الاتّحاد الأوروبي في مهمّة مستحيلة، الصحف الأوروبية".
وفي ثالث أيّام القمّة التي كان يُفترض أن تستمرّ يومين فقط، وبعد أكثر من 55 ساعة من الاجتماعات، جرى استئناف النقاشات بين جميع الدول الأعضاء حول مأدبة عشاء قرابة الساعة 19.20 (17.20 ت غ) بعد تأجيلها غيرَ مرّة.
وكثّف ميشال على امتداد اليوم لقاءاته الفرديّة أو مع مجموعات صغيرة، جرى أغلبها على شرفة مكتبه حيث وضِعت طاولة كبيرة انتشرت الصوَر الملتقطة حولها في شبكات التواصل الاجتماعي.
وعصراً، أكّدت رئيسة الوزراء البلجيكية صوفي ويلماس، عند استقبالها لدى ميشال، برفقة نظيريها في لوكسمبورغ وإيرلندا، أنّ "ساعة التوصّل إلى اتّفاق حانت".
نتائج غير واضحة
ولا تزال نتائج القمة غير واضحة، وهي الأطول بين قادة الاتحاد الأوروبي منذ قمة نيس عام 2000 حول مراجعة الاتفاقيات في إطار توسع الاتحاد شرقاً (استمرت أربعة أيام وليال). وفي هذا السياق، قال مصدر أوروبي إنّ الأمور "تتحرّك ببطء".
وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتيل "نادراً ما رأيت خلال 7 أعوام (منذ توليه المنصب) مواقف متعارضة إلى هذا الحدّ، وحول عدد كبير من النقاط". ومن أهمّ النقاط التي يجب "توضيحها" وفقاً له هو حجم صندوق التحفيز الاقتصادي وطريقة إدارة الأموال.
ويعقد الاجماع الضروري بين الدول الـ27 الأعضاء للوصولَ إلى حلّ وسط. وحذّرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل صباحاً من "احتمال عدم التوصّل إلى أيّ نتيجة" الأحد.
كذلك شدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدافع عن هذه الخطّة إلى جانب ميركل على أنّ "التسويات" لا يمكن أن تتمّ "على حساب الطموح الأوروبي".
والتقت ميركل وماكرون رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال رئيس القمة صباح الأحد لتحديد ما يجب القيام به بعد 48 ساعة من المناقشات التي بلغت طريقاً مسدوداً مع رفض هولندا وحليفاتها "الدول المقتصدة" الأخرى (الدنمارك والسويد والنمسا وفنلندا) هذا المشروع.
وعقدت هذه الدول الخمس لقاءً قبل الاجتماع مع قادة دول الجنوب، الإيطالي جوزيبي كونتي والإسباني بيدرو سانشيز واليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وكتب كونتي على تويتر أنّ "المفاوضات مستمرّة. هناك من جهة الأغلبية العظمى للدول -أكبرها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا- التي تدافع عن المؤسسات الأوروبية والمشروع الأوروبي، ومن جهة ثانية الدول الأخرى القليلة، التي تسمى مقتصدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبلغ قادة الاتّحاد طريقاً مسدوداً السبت بشأن حجم وبنود خطّتهم الضخمة لإنعاش الاقتصاد بعد أزمة كوفيد-19، إذ فشلوا في تجاوز المعارضة الشديدة من الدول "المقتصدة"، فيما أشار مصدر أوروبي إلى أنّ التفاوض كان "شاقّاً وصعباً".
وحاول ميشال "اختبار" اقتراح جديد الأحد. وفي صلب المحادثات، خطة إنعاش لما بعد كوفيد-19 بقيمة 750 مليون يورو يموّلها قرض مشترك، وهي فكرة مستوحاة من اقتراح تقدّم به ماكرون وميركل.
وتتألّف هذه الخطة في صيغتها الأولى من 250 مليون يورو من القروض ومساعدات مالية بقيمة 500 مليار لن يترتّب على الدول المستفيدة منها إعادتها.
وتستند إلى موازنة طويلة الأمد (2021-2027) للاتحاد الأوروبي بقيمة 1074 مليار يورو.
ومن الخيارات المطروحة، تعديل التوزيع بين القروض والمنح من طريق زيادة حصة الأولى إلى 300 مليار (مقابل 250 في الاقتراح الأولي) من دون خفض حصّة المنح المخصّصة لدعم خطط الإنعاش الخاصة بدول معينة.
وأشارت فرنسا وألمانيا إلى عدم رغبتهما في التراجع إلى ما دون 400 مليار يورو في ما يخصّ المنح. ومن الواضح أنّ "الدول المقتصدة" تفضّل القروض على المنح.
واقترح ميشال أيضاً آليّة تسمح لأيّ بلد لديه تحفّظات على خطّة إصلاح أيّ بلد آخَر، بأن يَفتح نقاشاً بمشاركة الدول الـ27.
ويأتي هذا الاقتراح ردّاً على رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي الذي يريد أن تتم الموافقة على الخطط الوطنية بإجماع الدول الـ27، ما يمنح فعليّاً كلّ عاصمة حقّ التعطيل، للتأكّد من أنّ المبالغ المقدّمة لدول الجنوب التي تعتبر متراخية في ما يخصّ تطبيق شروط وضع الموازنة، ستنفق بالشكل الصحيح.
لكنّ هذه المطالب الملحّة للإصلاحات تقلق روما ومدريد اللتين تخشيان مواجهة برنامج إصلاح مفروض (سوق العمل والرواتب التقاعدية...) مثلما حصل مع اليونان في السابق.
كما تتطرّق القمّة إلى موضوع حسّاس آخر، هو ربط منح الأموال باحترام "دولة القانون". وبإمكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن يستخدم حقّ النقض لصدّ أيّ محاولة لربط تمويل الموازنات بالحفاظ على المعايير القانونية الأوروبية.
واتهم أوربان الأحد نظيره الهولندي بأنه يريد "معاقبته مالياً"، وبأنه "يكرهه". ووفق أوربان، سيتطلب إنشاء هذه الآلية "أسابيع من المفاوضات".
وقدّر دبلوماسي أوروبي أنه "إذا فشلت القمة، فسيكون ذلك لسببين: معارضة كونتي المستمرة (للآلية بشأن) الإجماع الذي يطالب به روتي، وإصرار (رئيسة الوزراء الفنلندية سانا) ماران وروتي على سيادة دولة القانون".