Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التفاهم اللبناني العراقي سياسي فهل ينتج نفطا؟

بيروت دخلت نفقاً خطيراً جداً سيخضعها للضغط الدولي والعقوبات

تعتبر الحكومة اللبنانية أن المحادثات مع الوفد العراقي "إيجابية" (دالاتي ونهرا)

في خضمّ الحصار الاقتصادي الذي يتعرّض له لبنان والشحّ في السيولة الناجم عن فقدان الدولار في الأسواق وتعذّر عمليات الاستيراد، وفيما بلغت أزمة تقنين الكهرباء ذروتها، مع تراجع ساعات التغذية في شكل كبير، مهدِّدةً اللبنانيين بالعتمة الكاملة، خرقت الحكومة اللبنانية الحصار عبر استقبال وفد عراقي رفيع. وقد هدفت إلى البحث في سبل التعاون الممكنة من أجل استيراد النفط العراقي وفتح السوق العراقية أمام الإنتاج الزراعي.

وبعد سلسلة اللقاءات التي عقدها الوفد، أوجز وزير الطاقة ريمون غجر النتائج بوصفها بـ"الإيجابية"، كاشفاً عن بدء وزارته الإعداد لكتاب رسمي يطلب فيه تزويد لبنان بالنفط عبر مدينة البصرة. ونفى ما تردّد عن احتمالات إعادة تشغيل الأنابيب القديمة التي كانت تُستعمل في السابق وتوصل النفط العراقي إلى مصفاة طرابلس، وذلك لتعذّر استخدامها، من جراء التدمير الذي تعرّضت له محطات الضغط في سوريا والعراق.

وفيما المحادثات تناولت آليات السداد في ظلّ عجز المالية اللبنانية عن الدفع، تركّز البحث على الخيارين المتاحين أمام لبنان ولكن باستطاعة بغداد الموافقة على أحدهما، نظراً إلى أن المالية العراقية ليست في وضع أفضل في ظلّ تدهور أسعار النفط عالمياً.

يقضي الخيار الأول بالذهاب إلى المعادلة الأممية التي اختبرها العراق وتقوم على النفط مقابل الغذاء، (الاتفاق المطبّق عام 1995 مع الأمم المتحدة بعد حصار بغداد غداة غزوها الكويت)، بحيث تقدم بغداد النفط مقابل المواد الزراعية الغذائية.

أما الخيار الثاني، فيكمن في تأمين الفيول مقابل تسهيلات بالدفع تمتدّ حتى سنتين.

ويجري درس الخيارين لاستكشاف أيّهما سيُعتمد، علماً أن الاثنين دونهما عقبات كثيرة، قد يكون من المتعذّر على البلدين تنفيذهما.

فإلى جانب العوائق المالية واللوجستية، ثمة عوائق سياسية تدركها قيادتا البلدين، وتتمثل بالفيتو الأميركي على أي عمليات استيراد للنفط تمرّ عبر سوريا.

من هنا، فإنّ التعاطي مع الزيارة ظلّ ضمن المجاملة والبروتوكول. وإن كان ثمة في بيروت وبغداد مَن يعتقد بأن هناك تفاهمات سرّية على عدم كشف النتائج من أجل عدم إفشالها، وأن المسؤولين في بيروت لمسوا رغبة عراقية جدية في مساعدة لبنان.

زيارة دعم لحكومة دياب

لكن في المقابل، تُطرح تساؤلات حيال إمكانات المساعدة المتاحة، بعدما خاض لبنان مع العراق تجربة لم يُكتب لها النجاح. فعندما طلب الأول من بغداد إيداع مبلغ من المال في المصرف المركزي، كان الجواب العراقي متحفّظاً جراء الأزمة المالية التي تواجهها البلاد وتحول دون إخراج نقد أجنبي منها، فضلاً عن عدم قبول في الشارع العراقي وسط الانقسامات السياسية الحادّة فيه والاصطفاف المماثل للاصطفاف في الشارع اللبناني بين مَن هو مؤيّد لنفوذ "حزب الله"، ومن هو ضدّه.

عليه، لا توقّعات متفائلة في بيروت حيال نتائج مثمرة للزيارة، لا سيما أنّ تركيبة الوفد تعكس التوجه السياسي الذي جاء به إلى بيروت، إذ ضمّ الى جانب وزيرَيْ النفط إحسان عبد الجبار والزراعة محمد كريم قاسم، شخصيات قريبة من النظام السوري، ما أثار حفيظة جهات لبنانية معارضة لهذا النظام. ورأت فيه رسالة دعم سياسي لحكومة الرئيس حسان دياب ومن ورائه، ولا يمكن صرفها بالسهولة التي يراها دياب والحزب من خلفه، أقلّه على الصعيد اللوجستي، لأن أي مذكرة تفاهم يجري الإعداد لها لتوقيعها تحتاج إلى بضعة أشهر. كذلك الأمر بالنسبة إلى الآليات التطبيقية لعملية التبادل المرتقبة، خصوصاً أن حركة الترانزيت من لبنان وإليه عبر طريق سوريا باتت مكلفة جداً، نظراً إلى ارتفاع الرسوم التي تفرضها دمشق نتيجة حاجتها إلى النقد الأجنبي. ومعلوم أن لبنان لا يملك ترف الوقت والانتظار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي استطلاع للخلفيات التي أوجبت هذه الزيارة، قالت مصادر في الهيئات الاقتصادية، وهي الهيئات التي تضمّ ممثلين عن القطاع الخاص اللبناني في مختلف مجالاته، أن البلاد ليست ضدّ الانفتاح على العراق، وهو شريك تجاري جيد والعلاقات جيدة بين البلدين، حيث للبنانيين استثمارات ضخمة. ولكن المشكلة هي أن هذا الانفتاح لا يأتي على خلفيات المصلحة المشتركة للبلدين، بل على خلفيات كيديّة من حكومة اللون الواحد التي تريد خرق الحصار والعزلة الدوليَّيْن اللذين يعاني منهما اقتصاد لبنان وشعبه بسبب أجندات سياسية. وتساءلت مصادر في الهيئات الاقتصادية كيف يمكن للبنان أن يقايض النفط مقابل المنتجات الزراعية والصناعية وهو لا ينتجها، بل القطاع الخاص. وللأسف لم يتم التواصل مع القطاعات الإنتاجية لتبيّن المجالات أو المنتجات التي يمكن تصديرها ومقايضتها بالفيول. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن آخر عملية تصدير جرت خلال الأزمة كانت للحامض اللبناني، ما أدى إلى انقطاعه في السوق المحلية وارتفاع سعره بشكل كبير.

أما بالنسبة إلى استيراد الفيول، فسألت المصادر عن الآليات اللوجستية المتوافرة عن طريق البر أو البحر، ذلك أن الطريقين دونهما عقبات كبيرة، بقطع النظر عن العقوبات الأميركية. فالخط البري عبر سوريا أو حتى البحري، تحت مجهر المراقبة. وتخوّفت المصادر من أن يكون هذا الموضوع مقدمة لاستيراد النفط الإيراني عبر ميناء طرطوس. وقالت إنه في حال كان هذا هو المخطّط الأساسي للانفتاح على العراق، فإنّ هذا يعني أن لبنان دخل نفقاً خطيراً جداً، سيخضعه للضغط الدولي والعقوبات. وهو ما نحن في غنى عنه في هذه المرحلة الكارثية من الأزمة، داعيةً الحكومة اللبنانية إلى التروّي ودرس خياراتها أكثر قبل الذهاب شرقاً أو نحو الدول الخاضعة للعزلة والعقوبات.

زيارة سياسية

ولاحظت أوساط قريبة من الفريق المعارض للزيارة، الطابع السياسي الذي أُسبغ عليها، إذ اقتصرت اللقاءات على الرؤساء فضلاً عن وزيرَيْ النفط والزراعة. وهذا ربما ما ترك انطباعاً بأن التحضير لها جاء على يد وزير حركة "أمل" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري.

وأجواء الاعتراض لمسها الوفد العراقي بنفسه خلال العشاء الذي أقامه على شرفه وزير الطاقة اللبنانية ريمون غجر في أحد المطاعم في منطقة الزيتونة بي السياحية، إذ احتشد عدد من المعترضين أمام المطعم ليس احتجاجاً على الوفد العراقي، وإنّما على غجر، ما دفع النائب في البرلمان العراقي محمد التربولي إلى التغريد على صفحته تحت عنوان "لبنان... العشاء الأخير"، قائلاً إنّ "مشاعر الغضب ليست خاضعة لمشيئة المؤسسات السياسية لتحرّكها كما تشاء، بل هي صرخة غضب تهزّ كيان المقامرين بمصلحة الوطن".

وفُسّرت التغريدة في الداخل اللبناني على أن الزيارة قد تكون الأخيرة، انطلاقاً من كلمة النائب العراقي أنه العشاء الأخير!

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي