إنه القهر اليومي الذي يعيشه المواطن اللبناني أينما كان، حتى داخل بيئة "حزب الله"، ففي وضح النهار، أقدم مواطن شيعي من منطقة الهرمل (البقاع) على الانتحار بعدما ضاقت به سبل تأمين لقمة العيش لعائلته، تاركاً وراءه رسالة تختصر معاناة كل لبناني "أنا مش كافر، الجوع كافر".
في الضاحية ثورة صامتة
لم تعد المناطق ذات الغالبية الشيعية المنتمية إلى "حزب الله"، في منأى عن الأزمة الحادة التي تعصف بلبنان، والضاحية الجنوبية لبيروت واحدة منها، فعلى الرغم من غياب ملامح الاعتراض، غير المبرمج، كقطع الطرقات وإحراق الدواليب، فإن مواطنين كثرين يتحدثون عن غضب مكبوت وثورة صامتة لا يمكن التكهن بتوقيت انفجارها.
وفي الضاحية، التزمت الملاحم بقرار نقابة اللحامين بالإقفال، لعدم القدرة على شراء المواشي بسعر مرتفع نتيجة ارتفاع سعر الدولار الأميركي وتدني قيمة العملة الوطنية، مواطنون كثر غادروا الضاحية إلى قراهم الجنوبية أو البقاعية بعد عدم تمكنهم من تسديد بدلات الإيجار للمنازل والمحال التجارية، والوضع المأسوي بحسب مواطن فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، لا يميز بين مواطن وآخر أو منطقة وأخرى، فالارتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية هو نفسه، وكذلك الشح في مادة المازوت وانسحابه تقنيناً في التيار الكهربائي، وبعض المحلات التجارية في الضاحية لا يزال يبيع بعض السلع الغذائية بأسعار أقل من بقية المناطق لكن إلى متى يمكنه أن يستمر بذلك، يسأل ابن الضاحية؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دولار الحزب فقط للحلقة الضيقة
عند "حزب الله" احتياطي في الدولار الأميركي يقول أحد العارفين بأمور الحزب، لكن المستفيد من العملة النادرة الطبقة اللصيقة بالحزب بينما جمهوره الأوسع يعاني من تبعات انهيار الليرة وتراجع قيمة الرواتب، فالحد الأدنى للأجور المحدد بـ 675 ألف ليرة لبنانية بات يساوي 84 دولاراً، وفقاً لسعر الدولار الجديد (8000 ليرة)، بعدما كان 450 دولاراً.
كثيرون من المستفيدين من "قرض الحسن" المدعوم من "حزب الله" باتوا عاجزين عن تسديد المستحقات الشهرية التي تحتسب على سعر الدولار في السوق السوداء، حتى أصحاب رؤوس الأموال في أفريقيا من رجال أعمال في الطائفة الشيعية، والذين كانوا يعدّون صمام أمان للطائفة، صاروا عاجزين، كأي لبناني آخر، عن استخدام ودائعهم من المصارف اللبنانية، وسحب دولار واحد من أموالهم.
الوجع ممنوع
ممنوع على الناس في الضاحية أن يصرخوا "الآخ"، يقول ابن الطائفة الشيعية، الناشط السياسي والاجتماعي المستقل لقمان سليم لـ "اندبندنت عربية"، في مناطق سيطرة "حزب الله" غير الخاضعة إلا جزئياً لسيادة الدولة اللبنانية، قوى الأمر الواقع، ومن خلال عناصر الانضباط التابعة للحزب، تفرض كما يقول بالعين المجردة انضباط المواطنين حتى بصرخاتهم، أما الكلام والهمس والأوجاع وراء أبواب مغلقة فحدّث ولا حرج يعترف سليم.
نقمة الناس يحتويها "حزب الله" في كل مرة بتحويلها إلى المناطق الأخرى كما حصل عند قطع الطرقات في مداخل الضاحية الجنوبية في المشرفية ومطار بيروت احتجاجاً على ارتفاع الدولار، فأسرع الحزب الى احتوائها بإرسال فوج "الموتوسيكلات" إلى عين الرمانة (شرق بيروت) وإلى ساحة الشهداء وباتجاه مصرف لبنان، بحجة التعرض للمقاومة والمطالبة بتطبيق القرار 1559 ونزع سلاح "حزب الله"، وبدلاً من أن تنفجر في وجهه عمل على تفجيرها ضد الآخرين.
نقمة رجال الأعمال
وبحسب الناشط لقمان سليم، التعبير عن الألم، لا سيما وسط مجتمع مقموع عايش تاريخاً من الاستيلاء على قراره، هي عملية طويلة، علماً أن المعالجة بما يصفه سليم بالأموال الطاهرة لا يمكن أن تستمر في بلد كله مهدد بالانهيار، والدفع نقداً في الأزمة الحالية المتفاقمة، هو بنج مخدر يزول مفعوله سريعاً، النقمة الحقيقية داخل البيئة الشيعية ليست تلك التي يعبر عنها شارع منضبط يقول سليم بل تلك التي تتفاقم لدى المغتربين الشيعة من رجال الأعمال.
وبحسب رأيه، نقمة الفقراء لا تزال تعكس القمع بينما النقمة الكبرى هي نقمة الأثرياء داخل الطائفة، هؤلاء الذين آمنوا في هذا النظام واعتبروا أنه محمي، إذ بهم يتفاجأون بانهياره وبانكشافه إلى حد تهديده جنى عمرهم، وتكشف مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية" أن رجال الأعمال الشيعة، الذين تبلغ نسبة ودائعهم في المصارف اللبنانية 50 في المئة من الودائع، يسألون يومياً زعماءهم في الطائفة ماذا فعلتم بأموالنا؟ نقمتهم انعكست على مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المتمايزة عن مواقف الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، في ملف تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والسعي إلى استبدال رئيس الحكومة الحالي حسان دياب.