Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفوضية سودانية لتعزيز ثقافة حرية الأديان

ثمة بعض الإخفاقات والتحديات خلال النظام السابق أدت إلى تطبيق القانون على المسيحيين دون المسلمين

لا غبار على ممارسة العبادات في الكنائس (مواقع التواصل الاجتماعي)

اتفق قانونيون وقيادات دينية مسلمة ومسيحية سودانية، أن حرية الأديان في البلد مكفولة بشكل ممتاز وفق الضوابط المعروفة، فيما تسود المجتمع السوداني بكل طوائفه ومعتقداته الدينية روح التعايش وقبول الآخر وممارسة العبادة في المساجد.

ولفتوا إلى حدوث بعض الإخفاقات والتحديات خلال الحقب السابقة، بخاصة في ظل النظام السابق أدت إلى تطبيق القانون على المسيحيين دون المسلمين، على الرغم من أن المواطنة حق أساسي ومكتسب، لكن الثورة الشعبية صحّحت مفاهيم وممارسات خاطئة عدّة في هذا الشأن.

ونوّهوا في حديثهم لـ "اندبندنت عربية" بتوجه الحكومة السودانية بموجب اتفاقها مع الحركات المسلحة في مفاوضات السلام الجارية حالياً بين الطرفين، إلى إنشاء مفوضية لحرية الأديان بغية تعزيز مساعيها لنشر ثقافة الحريات الدينية وسط المجتمع السوداني في ظل ما يتمتّع به من مناخ ديمقراطي.

تجريم الردة

يوضح عضو اللجنة السياسية في تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين المحامي محمود حاج الشيخ أن "مسألة الحريات الدينية من القضايا المهمة في العالم ككل وليس السودان فقط، لأنها تتعلّق بالمجموعات التي تعيش مع بعضها بعضاً، وهي منصوص عليها في حقوق الإنسان، كما أن الدستور السوداني الذي يقوم على المواطنة كحق أساسي للحريات يؤيد حرية الاعتقاد، فيما يأتي القانون الجنائي منظِّماً لحريات المواطنين وليس منتقصاً لها، ومناقضاً للدستور". ويبيّن أن الإساءة للأديان تُعدُّ جريمة بثوابت قضائية قديمة، في حين رسّخ الدين للمساواة، كما أن الأحوال الشخصية هي مسألة دينية سواء مسيحية أو مسلمة.

ويضيف الشيخ "لا توجد في القانون الجنائي السوداني مواد غير منصفة وغير ضرورية غير المادة 126 التي تتعلّق بتجريم الردّة، فهي مناقضة للدستور تماماً كونها ضد حرية الاعتقاد، إضافةً إلى أن السودان دولة مواطنة فلا مكان لوجود هذه المادة في القانون، لذلك فهي الآن قيد الإلغاء، وسيُستعاض عنها بمادة تمنع التكفير ضمنياً وتسمح بحرية الأديان والمعتقدات".

ويرى أن التضييق على الممارسات الذي يتم بمداخل أخرى في بعض الأحيان عبر نصوص كانت في قانون النظام العام الذي أُلغي أخيراً، كان يقوم به رجال الشرطة بناءً على تكليف من قيادات بعينها، لكن في الأصل لا توجد مادة تمنع هذه الممارسات.

ويقول الشيخ "إن فترة الثلاثين سنة الماضية التي حدثت فيها إعادة صياغة للمجتمع وزيادة شحنه بأفكار متطرفة، أثّرت في الشعب السوداني، فالنظام السوداني السابق أتاح لعناصر تكفيرية التحرك وسط المجتمع من خلال منابر تلفزيونية ومناسبات عامة وغيرها، فساعدهم هذا المناخ في التمدّد بصورة كبيرة في ظل انغلاق البلاد آنذاك واستفحال الضائقة المعيشية، إذ إنّ عدداً كبيراً من الشباب انجرفوا وراء تلك الأفكار المضلّلة بسبب الجفاف الفكري. ونلاحظ تأثير ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إذ هناك عدم أريحية وعدم اعتراف بحقوق عدّة ومنها حرية الأديان، لكن في رأيي أن هذه الأفعال مجرد زبد سيزول، لأنه كان مرتبطاً بالنظام السابق، فالثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير غيّرت مفاهيم ومعتقدات خاطئة كثيرة، وأصبح هناك رأي ورأي آخر".

حقوق المواطنة

في المقابل، يشير أحد قيادات الأقباط المسيحيين السودانيين نصري مرقص يعقوب إلى أنه في ما يتعلّق بالحريات الدينية في السودان "لا غبار على ممارسة العبادات في الكنائس، لكن ثمة أشياء أخرى تُعدُّ خصماً للحريات منها مثلاً عدم تصديق  طيلة الحكومات المتعاقبة منذ 1952 بإقامة كنيسة جديدة على الرغم من تضاعف أعدادنا بشكل كبير بلغ 250 ألفاً، بعدما كان عددنا محدوداً في النصف الثاني من القرن الماضي، فلا يُعقَل أن تكون لدينا ثلاث أو أربع كنائس في العاصمة أُنشئت منذ 70 عاماً. وغالباً لا يأتينا رد على طلبنا، لأنه في ظل إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة، بخاصة في العهد السابق، تعتقد تلك الحكومات أنه ستتم مهاجمة الكنيسة، وممارسة القتل، وغيرها من المضايقات".

ويضيف "كنّا نتوقع من حكوماتنا الوطنية أن تزيد عدداً من الكنائس التي تركها لنا الاستعمار الإنجليزي، كما تمكنّا بجهودنا الشخصية من عدم تدريس أبنائنا المسيحيين المنهج الإسلامي في المدارس".

ويوضح يعقوب "من التحديات التي واجهتنا في الحقب الماضية، أنه عندما أعلن الرئيس الأسبق جعفر نميري تطبيق الشريعة الإسلامية عام 1983، حدثت هجرة كبيرة للأقباط تجاه الغرب لأنهم اعتبروا أنه لم تعُد لديهم فرصة في السودان، لكنني أعتبر هذا التصرف ضعفاً في المواطنة، لأن الهروب ليس الحل، ولا بد من المواجهة والمطالبة بحقوق المواطنة بالقانون. كما تعرّضنا خلال النظام السابق وهو نظام إسلامي لمواقف عنصرية قبيحة، فلم يعد باستطاعتنا العمل في مؤسسات الدولة وأجهزة الخدمة المدنية أكاديمياً ومهنياً، لذلك كنّا نجتهد مع أبنائنا ليدرسوا الطب والصيدلة لأنه لا يستطيع أحد أن يقف في طريقهم في هاتين المهنتين، أما بالنسبة إلى التمثيل السياسي، فكان التعيين صورياً، بخاصة في العهد السابق".

ويبدي القيادي السوداني ارتياحه للحياة الاجتماعية والعلاقات بين الأقباط وعامة الشعب، لما فيها من حميمية غير عادية، إذ هناك تداخل واختلاط على المستويات الاجتماعية كافة، لكنه يعيب على المسيحيين الأقباط، تحديداً الجيل القديم عدم الوعي السياسي، بخلاف الجيل الحالي الذي يظهر استنارة ووعياً سياسياً واعتزازاً بوطنيته السودانية.

وينوّه بتوجه الحكومة السودانية إلى إنشاء مفوضية لحرية الأديان، كونها ستسعى إلى تعزيز ثقافة حريات الأديان وسط المجتمع في ظلّ ما يتمتع به من مناخ ديمقراطي، مطالباً بإتاحة ممارسة الحقوق الدينية الممثلة في دور العبادة ومنح الفرص الدينية في أجهزة الإعلام من خلال بثّ صلاة يوم الأحد إكراماً للمسيحيين واحتفالات الأعياد بخاصة الكريسمس وعدم التضييق في مسألة التعيين في الخدمة المدنية والوظائف القيادية والسياسية.

قبول الآخر

من جهة ثانية، يرى كاهن كنيسة الشهيدين القبطية في الخرطوم الأب فيلو ثاوث فرج أن ممارسة المسلمين والمسيحيين شعائرهم في المساجد والكنائس تتم بشكل طبيعي، ولا يشوبها شيء يعكّر صفوها، بل ثمة نقاشات طبيعية وتلقائية بين الطائفتين، كما تتفشّى وسط المجتمع السوداني كل أشكال التعايش الديني وقبول الآخر على مستوى السكن وتبادل الزيارات في المناسبات الاجتماعية والأعياد.

لكن في ما يتعلّق بالتحديات التي تواجه المسيحيين الأقباط، يشير إلى أنه لم يكن سببها دينياً، بل قد يرتبط بمنافسة في المجالات التجارية وغيرها.

فيما يرى أن التشريعات الموجودة ممتازة، لكن أحياناً قد يعتري التطبيق بعض الإخفاقات، التي تؤدي إلى تطبيق القانون على المسيحيين وليس على المسلمين، على الرغم من أن المواطنة حق أساسي ومكتسب، وكان صوتنا عالياً لأنه لا يمكن أن يحاسب الإنسان على دينه بل على وطنيته.

وينتقد الأب فرج توجه ومنهج حكومة الرئيس السابق عمر البشير وتصريحاته المستفزة خلال السنوات الثلاثين الماضية، بقوله في مناسبات عدّة "نحن حركة إسلامية كاملة الدسم"، من دون "اعتبار واهتمام بمشاعرنا كمسيحيين يجمعنا وطن واحد"، مشيداً بخطوة إنشاء مفوضية لحرية الأديان في البلاد، كونها تسعى إلى تعزيز ثقافة الحوار الديني وتعميقه، وتفشّي السلام والمحبة بين أبناء الوطن المتعدد الديانات والإثنيات والأعراق.

حقوق الإنسان

من جانبه، يوضح عضو مجمع الفقه الإسلامي في السودان الدكتور محمد خليفة صديق أن "الواقع يقول إن حرية الأديان مكفولة في السودان بشكل ممتاز بالضوابط المعروفة، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصّ على إعطاء الإنسان حرية كاملة في اختيار دينه، إلّا أنّ تلك المادة استدركت ووضعت قيوداً على الحرية الدينية المطلقة وحدّدتها بالقوانين التي تكون فيها القيود ضرورة لحفظ الأمن والنظام".

ويلفت إلى أن الإعلان العالمي نصّ في الفقرة 35 من المادة 8 على أنه لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلّا للقيود التي أوجبها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو المصلحة العامة أو الآداب العامة لحقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، وهذا النص يعني أن الحرية الدينية مقيدة في الفقرة الثالثة من المادة ذاتها في الإعلان، والإسلام قد أعطى الإنسان كامل الحرية في اختيار دينه وحماه بموجب القانون، وكذلك منعه بموجب القانون من تغيير دينه بنصّه بمنع الردّة والرجوع عن الإسلام والخروج منه.

ويضيف "بحسب الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية في السودان، لا يوجد ذكر لمفوضية حرية الأديان، من بين المفوضيات الـ 11 التي نصّت عليها المادة 39 من الفصل 13، لذا لا أرى داعياً لقيام مثل هذه المفوضية، إذ تُعنى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بكل ما يتعلّق بالمهمات المفترضة لها مثل إدارة شؤون الكنائس. وقد أشار التقرير السنوي الذي أصدرته اللجنة الأميركية للحريات الدينية في أبريل (نيسان) الماضي عن الحريات الدينية في العالم، إلى "التقدم الملحوظ في السودان في مجال الحريات الدينية"، بل وصف التقدم الذي حدث في البلاد بأنه "أبرز تطور موجب في العالم لعام 2019، كما أزالت أميركا اسم السودان من قائمة الدول المثيرة للقلق لناحية الحريات الدينية".

ويوضح عضو مجمع الفقه الإسلامي "حتى حين كان جنوب السودان بالوجود المسيحي الكبير فيه، لم تكن هناك مطالبة بمفوضية لحرية الأديان، بل قامت مفوضية لمراعاة حقوق غير المسلمين في العاصمة الخرطوم فقط، فالسودان خال من أي حوادث اضطهاد بسبب الدين، إذ تجد أسراً عدّة فيها أكثر من دين، كما سعت الحكومة الحالية إلى تمثيل غير المسلمين في مجلس السيادة الانتقالي، أعلى سلطة في الدولة بالسيدة نيكولا عبد المسيح وهي مسيحية قبطية".

المزيد من العالم العربي