فيما كان يُفترض أن يُذكر على أنّه انتصار ساحق لمانشستر سيتي على بيرنلي، طغت عليه حادثة مشينة أظهرت أنّه على الرغم من كلّ الجهود الإيجابية التي يبذلها الدوري الإنجليزي في حركة "حياة السود مهمّة"، لا تزال معركة كرة القدم الإنجليزية ضدّ العنصرية بعيدة من تحقيق الفوز.
فبعد لحظات من ركوع اللاعبين وطواقم الفريقين والمسؤولين على ركابهم في لفتة تضامنية مع الاحتجاجات المناهضة للعنصرية منذ مقتل جورج فلويد على غرار ما سبق وحصل قبيل انطلاق عددٍ من مباريات دوري الدرجة الممتازة مجدداً تحت مسمّى برنامج "بروجكت ريستارت" أو مشروع إعادة البدءProject Restart، حلّقت طائرة فوق ملعب الاتحاد حاملةً يافطة كُتب عليها "حياة البيض مهمة- بيرنلي".
وحلّقت الطائرة فوق رؤوس اللاعبين ما يكفي من الوقت لكي يتسنّى للجميع رؤيتها ولم تغادر أجواء الملعب سوى بعيد الدقائق الأولى من بدء المباراة على مرأى من رحيم ستيرلينغ الذي شاهدها من مقاعد البدلاء وهو الذي يقود الحركة المناهضة للعنصرية والتعصّب والتمييز ضمن كرة القدم الإنجليزية.
وسارع نادي بيرنلي إلى التنديد باللافتة في بيان شديد اللهجة واعتذر من الدوري الإنجليزي ومانشستر سيتي وكلّ الذين يسهمون في الترويج لحركة "حياة السود مهمّة". وجاء في بيان النادي: "إنّ هذا التصرّف لا يمثّل بأيّ شكلٍ من الأشكال القيم التي يقوم عليها نادي بيرنلي لكرة القدم وسنعمل بشكل وثيق مع السلطات لتحديد المسؤولين عن تلك الأفعال واتّخاذ الإجراءات المناسبة بحقّهم".
لا شكّ أنّ هذه الحادثة ستدخل السجلّ البائس لتاريخ كرة القدم الإنجليزية المثير للجدل مع العنصرية. من ناحيته، اعتبر بيارا باور من شبكة "كرة القدم ضدّ العنصرية في أوروبا" أنّ "شعار حياة الأشخاص ذوي البشرة البيضاء مهمة كان جزءًا من ردّ الفعل العنصري الأوسع في أوروبا". وفي تصريحٍ لوكالة برس أسوسييشن، قال باور إنّه "في مقابل شعار حياة السود مهمّة الذي يروّج للمساواة في الحقوق، لا يمكن أن يكون شعار "حياة البيض مهمّة" مدفوعاً إلّا بالعنصرية وإنكار المساواة في الحقوق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطغت هذه الأحداث التي وقعت في الدقائق الأولى من المباراة على الفوز الساحق الذي حقّقه مانشستر سيتي ممّا يعني أنّه لم يَعُد بوسع فريق ليفربول أن يُتوّج بطلاً للدوري الإنجليزي في مواجهة كريستال بالاس مساء الأربعاء. وسبق لمثل هذه المباراة أن قرّرت مصير لقب الدوري عام 1960، إذ تُوّج بيرنلي بطلاً للدوري بعد فوزه بنتيجة 2-1 في ملعب ماين رود ولكن احتمال تكرار هذه النتيجة كان دائماً ضئيلاً.
وبعد الهدف المتأخر الذي سجّله فيل فودين في الفوز على أرسنال يوم الأربعاء الماضي، سجّل اللاعب هدفين في مرمى بيرنلي وأسهم في صنع هدفين آخرين في المباراة التي خرج منها المدافع عن لقب الدوري والمنافس الأقرب إلى ليفربول منتصراً بنتيجة 5-0. كما سجّل النجم الجزائري رياض محرز - وهو أحد اللاعبين القلائل الذين شاركوا في التشكيلة التي فازت على أرسنال- هدفين، أحدهما في نهاية الشوط الأوّل والثاني من ركلة جزاء، فيما تكفّل القائد دافيد سيلفا بتسجيل الهدف المتبقّي من الخماسيّة. وكانت إصابة سيرجيو أغويرو التي أسفرت عنها ركلة جزاء، سبب القلق الوحيد للسيتي.
وكان واضحاً من خلال المباراة كيف أرخى الوباء بظلاله على التفاوت المالي بين فرق الدوري الإنجليزي الممتاز، وبدا ذلك جليّاً على تشكيلتَيْ الفريقين. ففيما برزت قوّة السيتي ومكّنت المدرب بيب غوارديولا من إجراء ثمانية تبديلات، لم يتمكّن شون دايك من جهته من ملء مقاعد البدلاء في فريقه، وذلك بسبب مجموعة من الإصابات وبسبب الضبابية التي ترافق (تجديد) عقود بعض اللاعبين التي تنتهي مدّتها قريباً، فلم يتبقَّ لبيرنلي سوى سبعة لاعبين في الاحتياط، عوضاً عن تسعة وهو العدد الذي سُمح به أخيراً.
وكان بوسع السيتي أن يثق بقدرته على الفوز منذ أن سجّل فودين في الدقيقة 22 هدفاً اخترق شباك حارس المرمى العاجز نيك بوب. فقد أدرك هدف المراهق المنطقة في أسفل يمين الحارس بوب بعدما صوّب من طرف منطقة الجزاء. وبالحديث عن فودين، أوضح غاريث ساوثغيت، مدرب المنتخب الإنجليزي أنّه يجب على اللاعب أن يشارك في مزيد من المباريات بقيادة غوارديولا قبل أن يتمّ استدعاؤه للانضمام إلى التشكيلة التي ستقود المباريات الدولية. وأشار مدرّب المنتخب إلى أنّه كان يحضر المباريات باهتمام من منزله.
أمّا ثنائية محرز، فأتت على أعتاب الشوط الأول. وسجّل الهدف الأوّل بعد جري سريع يشبه الركض في المتاهة الذي اشتهر به الجناح الأيمن الذي يخوض موسماً ثانياً مثيراً للإعجاب في ملعب الاتحاد وقد تغلّب على لاعب الجناح الخلفي تشارلي تايلور قبل أن يدرك هدفه الشباك. ومن ثمّ ارتكب بن مي خطأ بحقّ أغويرو فأوقعه أرضاً وحصل السيتي على ركلة جزاء بعد الاستعانة بتقنية التحكيم بالفيديو. وكان أغويرو سيسدّد الركلة لولا استبداله نتيجة الإصابة بمحرز لتسديد الهدف.
ووسّع السيتي هيمنته مع بداية الشوط الثاني بهدف من سيلفا، الناجي الوحيد الآخر من تشكيلة الأربعاء الماضي. وبعدما اجتازت تمريرة فودين خطّ جهة بيرنلي من الملعب، مرّر برناردو سيلفا الكرة لزميله الذي يحمل الكنية ذاتها ليضعها في شباك الخصم. وأنهى فودين أسبوعه الحافل بعدما بلغ منطقة العارضة الخلفية، مسدّداً كرةً لم يتمكّن الحارس بوب بحذائه من الحؤول دون دخولها خطّ المرمى.
ومع إطلاق الحكم صافرة النهاية، انتهت الجولة الأولى من مباريات "مشروع إعادة البدء"Project Restart . وأظهرت العودة في قسم كبير منها قوّة كرة القدم في الاتحاد حول حركات وقضايا اجتماعية قوية وتقدّمية، ولكن لا بدّ للصورة الشهيرة التي طبعت المباراة الأخيرة من أن تشكّل تذكيراً لنا جميعاً أنّه لا مجال لنهنّئ أنفسنا أو نتفاخر بما أنجزناه.
© The Independent