عُثر على كميات "عالية غير متوقّعة" من ألياف نسيجية متناهية في الصغر، تُستخدم عادة في صناعة الملابس، تطفو في الجزء الأبعد من محيطات العالم.
ووجد علماء نتفاً من البلاستيك والصوف والقطن والكتان والأقمشة الأخرى في المحيط الجنوبي قبالة ساحل القارة القطبية الجنوبية.
ويعتقد الباحثون في "معهد العلوم البحرية" في إيطاليا أن تلك الخيوط المجهرية ربما قطعت مسافات طويلة بالطائرة أو القارب.
في التفاصيل، فحص الفريق 916 عينة من مياه البحر جُمعت من 617 موقعاً حول العالم. وبالنتيجة، وجدوا ما مجموعه 23 ألفاً و593 جزيئة من الألياف، بمتوسط 18 جزيئة في كل دلو من الماء.
وكان التركيز العالي من الألياف المتناهية الصغر في البحر الأبيض المتوسط، علماً أنه حوض مكتظ بالسكان ومغلق، ويشوبه التلوث البلاستيكي الأسوأ في العالم.
وفي تعليقه على النتائج، قال الدكتور جوزيبي سواريا، الباحث الرئيس في الدراسة التي نُشرت في مجلة "ساينتيفيك أدفانسيس"، موضحاً "أن تركيزات عالية أيضاً غير متوقعة (من الألياف الدقيقة) وجدت في المحيط الجنوبي، الذي يُعتبر غالباً بيئة أصيلة نقية".
في المقابل، غابت الألياف تماماً في ثلاث عينات فقط من المياه، إحداها مأخوذة من شمال المحيط الأطلسي واثنتان من ساحل الموزمبيق في المحيط الهندي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الخيوط الأطول من الألياف الدقيقة فوُجدت في البحر الأبيض المتوسط. وقال الدكتور سواريا في هذا الصدد إن "ذلك يشير على الأرجح إلى ملوِّثات دخلت إلى الحوض في وقت حديث، كونها قريبة إلى مصادر تلوّث وأكثر تشابهاً مع طول ألياف القطن والرايون التي تحرّرت أخيراً عن طريق غسل الملابس".
وأردف "في البحر، تتكسّر (الألياف) شيئاً فشيئاً، الأمر الذي يُفسر وجود الألياف ذات الحجم الأقصر والأقل سماكة في المحيط الجنوبي، بعيداً نسبياً من المصادر الرئيسة... من ناحية أخرى، يمكن أن تتأثر الألياف الأصغر حجماً بسهولة أكبر عبر النقل الجوي الطويل المدى، وتصل لاحقاً إلى المناطق الأكثر بعداً في العالم."
ولكن في حين تُعتبر الألياف الدقيقة عادةً أحد أشكال التلوّث البلاستيكي، وجد الباحثون أن 8 في المئة فقط من الأنسجة الطافية على مياه المحيط كانت صناعية، ذلك على الرغم من أن هذا النوع مهيمن في سوق الأقمشة. وكانت الغالبية العظمى من المواد نباتية أو حيوانية.
وأشار العلماء إلى أن ذلك الاكتشاف يشير إلى أن "مئات الدراسات السابقة ربما تكون قد أخطأت في تقدير بعض الألياف المصنوعة أساساً من السليلوز (مادة مستخرجة من النباتات والأشجار)، إذ اعتبرتها موادَّ اصطناعية، ما أدى إلى المبالغة في التقديرات المتعلقة بالكمية الكبيرة من الجزيئات البلاستيكية المتناهية الصغر".
والحال أنه فيما ازداد إنتاج الألياف الطبيعية والاصطناعية أكثر من الضعف في شتى أنحاء العالم خلال السنوات العشرين الماضية، إذ وصل إلى 107 ملايين طن متري في 2018، فإن الألياف الاصطناعية سيطرت على السوق العالمية منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. ومعروف أن المنسوجات من النوعين تُستخدم بشكل رئيس في الملابس، وتدخل البيئة عند غسل الملابس أو من جراء الاستخدام المتكرِّر والاهتراء.
غير أن الدكتور سواريا أشار إلى أنه في حين يُعتبر الصوف والقطن مادتين قابلتين للتحلّل بيولوجياً، لا يُعرف سوى القليل عن كيفية تفتّت الألياف الطبيعية الأخرى في المحيطات، مع مرور الزمن.
وأضاف "يُستخدم كل من النوعين بشكل رئيس في الملابس، ويدخل البيئة عند غسل الملابس أو عبر الاستخدام المتكرِّر والاهتراء... هنا، نبيِّن أنّ الألياف الطبيعية والاصطناعية موجودة في كل مكان في محيطات العالم، وأنّها تتفاوت في وفرتها وتكوينها بين أحواض المحيطات".
ولفت سواريا إلى أن "فهم الآثار البيئية ومعدلات التحلّل البيولوجي للألياف الطبيعية والاصطناعية، في مجموعة من الظروف البيئية، يكتسب أهمية بالغة في تقييم الآثار التي يُحتمل أن تخلّفها في البيئات والنظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم".
يُشار في هذا المجال إلى أنه للمرة الأولى عُثر على جزيئات متناهية الصغر من البلاستيك في الجليد البحري في القطب الجنوبي، بحسب ما أوردت دراسة نُشرت الشهر الماضي.
اُكتشفت 96 جزيئة بلاستيكية دقيقة من 14 نوعاً مختلفاً من البوليمر (مادة كيماوية) في عينة جليدية أُخذت من شرق القارة القطبية الجنوبية في عام 2009.
كانت الجسيمات ما زالت كبيرة الحجم نسبياً، ما يشير إلى أنها جاءت نتيجة تلوث محلي وحظيت بمتسع أقل من الوقت للتحلّل مما لو كانت التيارات البحرية جرفتها بعيداً.
© The Independent