Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسامون مغاربة يختبرون معنى الحلم في زمن الحجر

"نحو ضفاف أخرى" معرض افتراضي يضم أسماء بارزة وتيارات تشكيلية مختلفة

من المعرض في الدار البيضاء (اندبندنت عربية)

ينظم رواق "سو آرت غاليري" في مدينة الدار، معرضاً إفتراضياً بعنوان "نحو ضفاف أخرى" بين 14 مايو (أيار) و14 يونيو (حزيران) 2020. يضم معرض "نحو ضفاف أخرى" العديد من الأعمال الفنية المُتفاوتة الحجم والاشتغال لكل من المهدي قطبي، غاني بلمعاشي، خالد البكاي، عبد الكبير ربيع، عبد الله صدوق، حكيم غزالي، ماحي بنبين، محمد شبعة، حسن بورقية، هدى قباج، موران بلحسن. وهي تجارب تستدعي في مُجملها التفكير في موقع الفن المغربي داخل هذه البلدان العربية، بخاصة أنه يقع في "الما بين" على مستوى حجم هذه المعارض. أي أن المتتبع سواء أكان مغربياً أو أجنبياً، يستطيع أن يفهم ما يجري داخل الساحة التشكيلية، التي باتت وكأنها تعيش على ماضي أمجادها، باستثناء تجارب فنية جديدة معدودة على أصابع اليد الواحدة، ممن استطاعت فرض نفسها بشكل كبير داخل الساحة العربية والعالمية. والأسباب عديدة ومنها أولاً تنصلها من بعض الموضوعات والمفاهيم، ظلت الغالبية العظمى من الأسماء المغربية تطرق أبوابها، وثانياً، أن بعضها دَرَسَ خارج البلد، سواء في فرنسا أو أميركا أو بلجيكا، ما يجعل منها الأكثر تفرداً ليس فقط داخل الساحة المغربية، وإنما داخل البحر الأبيض المتوسط ككّل وبشهادة نقاد عرب وأجانب. هذا إضافة إلى أن هناك عاملاً أساسياً في نظرنا مُرتبط بالدور الكبير، الذي باتت تلعبه بعض المؤسسات الفنية المغربية في محاولة المزج داخل معارضها، بين التجارب التشكيلية الرائدة والتجارب المنسيّة، كما هو الشأن في المعرض الافتراضي هذا.

تلتقي الأعمال المعروضة في جملة من الأحاسيس المُشتركة لها ارتباط أساس بالحلم: كيف يستطيع الفنان أن يحلم خارج يوميات الحجر القاهرة والرتيبة؟ هنا يصبح الحلم، أشبه بذلك الفضاء المُشتهى البعيد/ القريب منا، لكنه صعب المنال أمام عنف الموت. بالتالي فإن الحلم، هو أكثر ما يملكه الفنان في مثل هذه الظروف الحالكة. لذلك يأتي الرهان على البحث عن ضفاف أخرى أكثر تحرّراً من فنتستيكية الواقع الحالي، أيّ البحث على مغامرة عن واقع جديد لا ننتمي إليه فيزيقياً. لكن إلى أيّ مدى تستطيع اللوحة المسندية وما يرتبط بها من عوالم المادة واللون، أن تنقل الفنان بوصفه أصل العمل الفني على حدّ تعبير مارتن هيدغر، من هذا الواقع المُزري والمُرتبك صوب ضفاف أخرى، تُصبح في الذات المُبدعة حالمة وأسيرة أفكارها الإبداعية وهواجسها الفنية؟

تعبير ومقاومة

إن الفن في هذه اللحظة، يتحول من كونه مجرد تعبير بصري عن إحساس غريزي أو لذة جماليّة، تجاه موضوعها وواقعها، إلى مقاومة حقيقية ضد التفاهة والوضاعة وكل أشكال الإنحطاط اليومي، نكاية في عنف تاريخ لم يندمل بعد، وفداحة واقع مأزوم ومُتشظٍ أمام ذاته، يُحاول أن يُجمد اللحظة التاريخية وينفي معها قدرة الفنان على الإبداع والتخيّل، بحكم تعدّد تجارب المعرض واختلافها على مستوى الاشتغال البصري على الموضوع والمادة واللون. فكُلٌ يعبّر بلغته وبأساليبه الفنية، لكنهم يلتقون حول مفهوم الحلم، الذي يحنون إليه جميعاً داخل يوميات الحجر الصحي، من ثم يعملون على إعادة بناء هذا المتخيّل وفق أساليب فنية مُتفاوتة التركيب. ويجب ألا ننسى أن هذا الزخم في التجارب الفنية، قام بتغذية المعرض فنياً وجعل معه مفهوم المقاومة، يتخذ صبغة وجودية وأبعاداً وصُوَراً مختلفة لها علاقة أساساً، بقدرة الفنان على تنفس الفن في زمن الأوبئة والفواجع.

ليست هي المرة الأولى، التي تجتمع فيها تجارب فنية لتجعل من معرضها مقاومة للواقع القائم سياسياً واجتماعياً وثقافياً، إذ إنها تُصبح هنا ضرورة وجودية عن استمرار الحياة في فوضويتها وزئبقيتها. ففي أعمال ماحي بنبين (1959)، نرى ذلك الجسد المُنهك وكأنه يقاوم غيابياً شكل الحياة اليومية. أجساد بنبين دائماً غائبة ولكنها تُعطي الانطباع الأقوى، بأن وجودها لا يحضر إلا من خلال مفارقة الغياب. وهذا الأخير  في حدّ ذاته، ليس سوى طريقة مغايرة في مقاومة الموت، تتجسد صُوَره من خلال مأساوية الجسد وهو يتخذ أنماطاً مختلفة من الألم. أما عند الفنان المهدي، فتتخذ المقاومة عملية الرجوع إلى التراث الزخرفي الموجود داخل التراث المعماري وأنواع الزرابي، بما يتميّز به من أشكال وخطوط وألوان، فالتراث لدى قطبي، هو شكل من أشكال المقاومة، الذي يستعين بماضي الحضارة لتبديد الواقع القائم وإدانة الحاضر.

وهذا النزوع إلى التراث رافق جملة من التشكيليين في مغرب السبعينيات من القرن الماضي، بسبب طبيعة المرحلة المُنفلتة من قبضة الاستعمار والتقليد، فجاءت أعمال كل من محمد شبعة وأحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية، تعبيرات بصرية صادقة من أجل بلورة تجربة تشكيلية مغربية قِوامها المقاومة، ومُتنصلة من مختلف الأطر  الفنية الغربية، لذلك مثّل التراث العربي الملاذ الآمن لهذه التجارب لمقاومة الموروث الغربي، على الرغم من أن هذا الموروث، ظل يشتغل كتقنية ومرجع. لكن الانفتاح على التراث بأنماطه التعبيرية المختلفة، سواء عن طريق رهافة الخط العربي لدى عبدالله الحريري أو معانقة المواد المحلية من جلد ونحاس وحناء، كما تبدى ذلك في تجربة بلكاهية أو الرهان على العلامة مع أحمد الشرقاوي، كامتداد فنيّ وجمالي للحضارة العربية. من ثم فإن الاختراقات الفنية، التي ألمت بجسد التشكيل المغربي في ذلك الإبان، تُحاكيها بعض أعمال معرض "نحو ضفاف أخرى" باعتبار أن التجربة الفنية مشروع جمالي وصيرورة إبداعية لا تتوقف في الراهن ولا تحصر نفسها داخل سياق تاريخيّ مُحدّد، بقدر ما تظل مشرعة على الحلم، مُتنطعة إلى الإقامة في تخوم المستقبل، بشكل موازٍ مع التجارب الراهنة، بوصفها تجارب لا تعبّر إلاّ عن ذلك الارتباك المُشترك، الذي يحصل في المجتمع، والذي هو وليد مرحلة سابقة بالمفهوم التاريخاني، ولا تمكن مقاومته إلاّ من خلال الفن والانفتاح على تراث الآخر، من دون نسيان خصوصية التجربة المحلية، وما يمكن أن تفتحه من آفاق إلى العالمية.

المزيد من ثقافة