مرة أخرى، تنقسم إنجلترا إلى أمتين. في المرة الأولى، كان السبب بريكست، والآن يتعلق الأمر بنهجنا في التعامل مع تخفيف الإغلاق. ويتمثل النصف الأول من الأمة في الذين قضوا عطلة نهاية أسبوع مشمسة مع كسر المبادئ التوجيهية ليتجمعوا في مجموعات كبيرة، ويمارسوا رياضات تتطلب تواصلاً جسدياً، ويتشاركوا الطعام في النزهات، ويجلسوا معاً في تقارب يبدو أكبر من كل وقت سابق الوباء العالمي. (وفي حين يحدث ذلك، يبدو أن هذه المجموعة بالكامل كانت في حديقة "كلافام كومون" الأحد الماضي، بحسب الصور المنشورة على "تويتر"). في هذه الأثناء، يواصل النصف الآخر تفادي الغرباء بحذر خلال سيرهم اليومي على الأقدام، حاملين عصي القياس لضمان التباعد الاجتماعي، وما يكفي من معقم اليدين ليطهروا أيديهم بعد كل شاردة وواردة.
وإلى حد ما ولفترة معينة، ساعد الشعور بأننا "جميعاً في خطر" في توليد راحة شاملة نوعاً ما، إذ حدّد لنا ماذا نفعل بالضبط لنبقى آمنين. وقد شمل ذلك ما يتوجب فعله كي نضمن قدرتنا على الحد من انتشار الفيروس، وكيف نسهم في حماية هيئة الخدمات الصحية الوطنية وإنقاذ الأرواح، لكنه أعطانا أيضاً شعوراً زائفاً بالأمان.
ولم نتشارك جميعاً في ذلك. فالوالدون العازبون الذين اضطروا إلى البقاء في المنزل والاهتمام بالأطفال حين مرضوا هم أنفسهم، شعروا بغضب من القدرة الواضحة لدومينيك كامينغز، مستشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، على تجاوز القواعد. وكذلك لم تشعر العائلات السوداء المعرضة للموت بالفيروس بأربعة أضعاف سواها من العائلات، بأنها كانت تتجاوز العاصفة برفقة البيض. ولم تكن النساء المحجورات مع شركائهن العنيفين ينقذن حياتهن الخاصة خلال بقائهن في المنزل. ولقد راقبت العائلات الكبيرة المحشورة في شقق صغيرة كيف تمتع جيرانها، المتبعين للقواعد، بالشمس في حدائقهم المواجهة للجنوب.
لكن خلال 10 أسابيع، كانت ثمة قاعدة واضحة واحدة تفيد بأن "ابقوا في المنزل، واحموا هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وأنقذوا الأرواح". وظننا أننا باتباع هذه القاعدة، سنخفض معدل العدوى، وسنقلص معدل الوفيات، وسنتجاوز هذا الوضع في نهاية المطاف. أو هكذا كنا نأمل. لقد سجلت إنجلترا وويلز حتى الآن أكثر من 40 ألف وفاة بفيروس كورونا، ويبقى معدل العدوى مساوياً لواحد (بمعنى أن كل مريض لا يزال يعدي شخصاً صحيحاً)، ولا تزال أنظمة الاختبار والمتابعة واختبارات الأجسام المضادة تتعرض للتأخير والإبطاء.
لذا، فُوجِئ كثيرون بالطبع حين خففت الحكومة الإرشادات الخمسة للإغلاق، وأكثر بكثير مما توقعه الناس، إذ باتت تسمح الآن بالتجمع في مجموعات من ستة أشخاص وزيارة الحدائق وحفلات الشواء الخاصة. والأحد الماضي، أُعلِن أيضاً عن مزيد من التخفيف لمصلحة الـ 2.2 مليون شخص الذين يشكلون المجموعة الأكثر عرضة للخطر؛ فالذين قيل لهم في البداية أن يحتموا ويبقوا في المنزل حتى 30 يونيو (حزيران) يستطيعون الآن الخروج والتنقل ورؤية الأصدقاء من ضمن مسافة اجتماعية.
والغريب أن الاجتماع في الحديقة الخاصة مع صديق لكم (لا يمكن الوصول إلى حدائق كثيرة إلا بالمرور عبر البيت نفسه) بات مسموحاً به، على الرغم من أن التجمع في البيت نفسه يُعَد الآن غير قانوني. ولا يظهر أن هذه الإرشادات المتناقضة على ما يبدو تحظى بمباركة المستشارين العلميين في "المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ" الذين حذروا من أن إلغاء الإغلاق سابق لأوانه طالما بقي عدد الحالات اليومية للعدوى عند ثمانية آلاف حالة.
وفي ذلك الشأن، أشار ساخرون إلى أن توقيت مجموعة القواعد المطبقة أخيراً التي يبدو اتباعها الناجح أقرب إلى محاولة الممثلة كاثرين زيتا جونز العبور البهلواني من حزم الليزر الأمني في فيلم "الفخ"، كان قراراً صادماً استهدف التخفيف من التوتر الوطني في أعقاب فضيحة "بارنارد كاسل" (البلدة التي زارها كامينغز في كسر مفترض لقواعد العزل).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذ لم يظهر التخفيف حتى أنه متوافق مع النظام الحكومي للإنذار المتعلق بفيروس "كوفيد-19". وفي ظل المستوى الرابع الحالي، الذي يميزه "الانتشار العام للوباء، والعدوى العالية أو المتزايدة أضعافاً"، يصعب اعتبار تخفيف الإجراءات متوافقاً مع معايير النظام الخاصة، إذ يبدو أقرب إلى الاستسلام وإعطاء حلوى لأطفال ساخطين ومحبطين.
وبعد تخفيف الإرشادات الخاصة بالاحتماء، ردت الجمعيات الخيرية بأن وصفت التخفيف بـ"الفوضى العارمة"، ذلك أن كثيرين من المجموعة المعرضة للخطر أفادوا بأنهم قرروا البقاء في المنزل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غير المحتمين.
وثمة عناصر كثيرة في اختيار الناس بين الاستمتاع بالتخفيف أو البقاء في المنزل، وتشمل وضعهم الاجتماعي ومتطلباتهم الصحية والحالة الخاصة بعملهم. وتُعَد هذه القرارات شخصية وتُعتبَر الحساسية والتفهم أمرين حيويين.
في السياق نفسه، أنا أعاني من حالتين من حالات المناعة الذاتية وألتزم قاعدة تقضي بألا أقابل سوى شخص بمفرده ضمن مسافة اجتماعية، بانتظار أن نعرف أكثر كيف يؤثر التخفيف في معدل العدوى. وتحدثتُ مع أشخاص كثيرين خلال إعدادي مقالة وصفية، وقد ذكروا أنهم يشعرون بالأمر نفسه، واختاروا الالتزام بقواعد للإقفال أكثر صرامة مما تسمح به الحكومة، خوفاً على صحتهم، وخشية من قفزة ثانية في الحالات بحسب ما يتوقعه كثيرون.
وفي نظر البعض، أصبح الطلب منهم البقاء في المنزل وطلب الأمان لشهرين مترسخاً إلى درجة تبدو معها فكرة التمتع بالأمان في الخارج سخيفة. وعلى غرار تعلمنا المشي للمرة الأولى، علينا الآن أن نعبر العالم من دون حماية.
هل الأمر عبارة عن مقارنة بين المخاطرة وتجنب الخطر؟ هل هي مقارنة بين الإيمان الأعمى بالحكومة والسخرية منها؟ هل يتعلق الأمر بأناس عيل صبرهم من كل ما جرى ولا يرون منه مخرجاً؟ في نهاية المطاف وبغض النظر عن دافع الناس، يبدو أن غالبيتنا تسير على إيقاعها الخاص في ما يتعلق بالإغلاق، وإن لم يكن ذلك دليلاً على غياب الثقة في نهج الحكومة، فلا أدري على ماذا يدل.
© The Independent