في الثامن من مايو (أيار) الحالي، مر عامان على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني الذي عقده سلفه باراك أوباما في 2015، متبعاً استراتيجية الضغط القصوى التي ترتكز على تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة ضد طهران وكبار مسؤوليها، غير أن البعض يرى أن الحملة لم تؤت بما كان مرجواً منها، إذ استأنفت طهران تخصيب اليورانيوم وكذلك البحث وتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ووسعت مخزونها من الوقود النووي، ما خفّض نصف الوقت الذي تحتاجه لإنتاجه وقود كافٍ لصنع أسلحة نووية.
وقبل أيام، قال ريتشارد نيفيو، الذي شارك في المفاوضات حول الاتفاق النووي عام 2015، في تعليقات لمجلة "فورين بوليسي"، إن "طهران أقرب بشكل واضح إلى قدرتها على إنتاج سلاح نووي عما كانت عليه قبل عامين". وتقول المجلة الأميركية المقربة من دوائر صنع القرار، إن "الجهود التي أضرت بشدة باقتصاد إيران لم تخفف بعد من طموحاتها النووية، وبدلاً من ذلك دفعت طهران إلى استئناف الأنشطة النووية المحظورة بموجب الاتفاقية النووية، التي تُعرف رسمياً باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفع العقوبات مقابل تقييد النشاط النووي
ونص الاتفاق النووي الإيراني على الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة ضد طهران مقابل تقييد أنشطتها النووية والاضطلاع بمجموعة من الالتزامات التي يمكن التحقق منها للتأكد من عدم سعيها لبناء أسلحة نووية. ووقع على الاتفاق ممثلون عن القوى الدولية، بريطانيا والصين والاتحاد الأوروبي وإيران وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة.
الاتفاق الذي يعتبره كثيرون إنجازاً بارزاً على صعيد السياسة الخارجية لإدارة أوباما، لطالما سخر منه ترمب باعتباره اتفاقاً معيباً منح إيران إمكانية الوصول إلى مليارات الدولارات التي تم استخدامها منذ ذلك الحين في تمويل الميليشيات الحليفة لها في المنطقة والمضي قدماً في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية.
رد أوروبي بارد
وكشفت وزارة الخارجية الأميركية الشهر الحالي عن جهود دبلوماسية لتأمين نتيجة ملموسة لحملة الضغط القصوى خلال الأشهر القليلة المقبلة عبر اتفاقٍ بين أعضاء مجلس الأمن الدولي لتمديد حظر الأسلحة التقليدية المقرر أن ينتهي في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وبالعودة إلى فبراير (شباط)، عمّمت الولايات المتحدة عناصر مشروع قرار لمجلس الأمن يمدد حظر الأسلحة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على أمل حشد الدعم للمبادرة، لكن بحسب المجلة فإن واشنطن تلقت رداً بارداً من الأوروبيين، الذين جادلوا بأن القرار بكل تأكيد سيتم رفضه من قبل الصين وكذلك روسيا التي تخطط لبيع الأسلحة لإيران بمجرد انتهاء الحظر.
ويقول الأوروبيون إنهم يشاركون واشنطن مخاوفها بشأن برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعمها الوكلاء في المنطقة، بما في ذلك "حزب الله" وميليشيات أخرى منتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لكنهم ينتقدون واشنطن لتقويض الاتفاق النووي الذي حظي بدعم دولي واسع وكان يُعتَقد أنه نجح في تقييد برنامج طهران النووي، إلى أن تخلت عنه الولايات المتحدة.
إيران تهدد بالانسحاب من الاتفاق النووي
وفي الأسبوع الماضي، حذر بريان هوك، المبعوث الأميركي الخاص لإيران، من أنه إذا فشل المجلس في الموافقة على تمديد الحظر، فإن واشنطن يمكن أن توجه ضربة قاتلة محتملة للاتفاق النووي من خلال تفعيل بند snapback"" الذي يسمح لأي من الدول السبع الموقعة عليه، لإعادة فرض جميع العقوبات المفروضة على إيران، بما في ذلك حظر الأسلحة التقليدية، التي كانت سارية قبل إبرام الاتفاقية النووية. لكن إيران هددت بأنه إذا أعيد فرض العقوبات، فمن المرجح أن تنسحب من الاتفاق النووي وتنهي عمليات التفتيش الدولية لبرنامج الطاقة النووية وتنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
وبموجب أحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي أقر الاتفاق النووي، يحق لأي مشارك في الاتفاقية النووية أن يسترجع بمفرده العقوبات السابقة. وبحسب "فورين بوليسي"، يؤكد مسؤولو إدارة ترمب أنه على الرغم من أن أميركا لم تعد مشاركاً في الاتفاق النووي، فإنها لا تزال تحتفظ بجميع حقوق المشارك بموجب القرار، التي لم يتم إلغاؤها أبداً. وهم ينوون ممارسة هذا الحق إذا استلزم الأمر.
ضرورة تجديد حظر الأسلحة
وجاء في تعليقات هوك للصحافيين في 30 أبريل (نيسان) الماضي، أنه وفقاً لقرار 2231، لا توجد شروط مؤهلة تتطلب المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة. وأكد "يجب تجديد حظر الأسلحة، وسنمارس جميع الخيارات الدبلوماسية لتحقيق ذلك". مضيفاً "لدينا هدف سياسي يتمثل في تجديد حظر الأسلحة، وهنا ينصب تركيزنا، ونأمل أن ننجح".
وبينما أشار جون بيلينجر، الذي عمل كمستشار قانوني رئيسي لمجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأميركية خلال إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، إلى إن الولايات المتحدة يمكن أن تقدم قضية قانونية ذات مصداقية لإعادة فرض العقوبات، إلا أنه حذّر من جدوى الخطوة في تحقيق ما تستهدفه، في حال كانت الدول الأخرى غير راغبة في المضي قدماً في هذا الاتجاه.
آلية تسوية المنازعات
لكن في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أن رفضت إيران أي قيود على تخصيبها اليورانيوم، انتقد وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا طهران لانتهاكها شروط الاتفاق النووي واستعانوا معاً بما يسمى بآلية تسوية المنازعات للضغط عليها بالعودة إلى الامتثال أو مواجهة احتمال إعلان الأوروبيين أنها تنتهك التزاماتها، وهو إجراء من شأنه أن يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات.
وعلى الصعيد الداخلي، وبينما ينتقد الديمقراطيون ترمب بسبب قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، فإن أغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، بما في ذلك بعض من أشد منتقدي الرئيس الأميركي من اليسار، يدعمون تمديد حظر الأسلحة على إيران. وقد وقّع المئات من أعضاء مجلس النواب من كلا الجانبين على رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، الشهر الماضي، يدعون فيها إلى تمديد الحظر. وجاء في الرسالة "نحن قلقون من أن انتهاء الحظر سيؤدي إلى قيام المزيد من الدول بشراء وبيع الأسلحة من وإلى إيران. يمكن أن يكون لهذا عواقب وخيمة على الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائنا الإقليميين".
تطوير الأسلحة سراً
وأصرت إيران لسنوات على أنها لم تكن لديها رغبة في امتلاك أسلحة نووية، لكن وكالات المخابرات الأميركية وغيرها طالما زعمت أن طهران كانت تعمل على تطوير أسلحة نووية سراً لسنوات. وخلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنها كانت تعمل على تصميم سلاح نووي حتى عام 2009 على الأقل، لكن الوكالة الدولية قالت أيضاً إن إيران أوقفت عملها وكانت ممتثلة لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي إلى أن انسحبت الولايات المتحدة منه وأعادت فرض العقوبات.
وبعد عام من انسحاب أميركا، بدأت طهران عملية انتهاك التزاماتها بموجب الاتفاق، معلنة في 8 مايو 2019، أنها لن تكون ملزمة بعد الآن بالقيود على حجم مخزوناتها من اليورانيوم المخصب. وعززت بعد ذلك أنشطتها في منشآت التخصيب في "نطنز" و"فوردو"، وزادت مخزونها من اليورانيوم من درجة أكثر نقاءً يمكن أن تقربها من إنتاج وقود مناسب للأسلحة، كما استأنفت أعمال البحث والتطوير المحظورة على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، التي من شأنها تمكين البلاد من تنقية اليورانيوم بسرعة أكبر.
وبموجب شروط الاتفاق النووي، يُسمح لإيران بتخزين ما يصل إلى 300 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب، وهو أقل بكثير من 1.050 كيلوغرام المطلوبة لإنتاج وقود يكفي لصنع قنبلة واحدة. لكن في مارس (آذار)، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران أنتجت 1.021 كيلوغراماً من اليورانيوم منخفض التخصيب، مما يؤكد أن لديها ما يكفي من اليورانيوم الخام لتصنيع قنبلة. ومع ذلك يعتقد بعض الخبراء المتخصصون في مراقبة الأسلحة أنها ستظل بحاجة إلى التغلب على العقبات التقنية الكبيرة لتسليح ونشر سلاح نووي.