في ظلّ الضغوط الأميركية على بغداد للحدّ من العلاقات مع طهران، وصل الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العاصمة العراقية الاثنين، في زيارة تستمر ثلاثة أيام، وهي الزيارة الأولى له إلى العراق منذ توليه الرئاسة في العام 2013.
وبعيد الاستقبال الرسمي لروحاني ولقائه نظيره العراقي برهم صالح في قصر السلام في بغداد، وصف صالح في مؤتمر صحافي مشترك للرئيسين، العلاقات بين البلدين بالـ "راسخة عبر التاريخ"، مضيفاً أنّها تفيد المنطقة ككلّ، وقال إنّ الأمن المشترك بين العراق وإيران ودول المنطقة يتطلّب مزيداً من التعاون، مشيراً إلى أنّ انتصار العراق ضدّ "داعش" مهمّ لكنّه "غير مستكمل".
ورأى الرئيس العراقي أنّ بلاده تعيش لحظات تحوّل تاريخية ومهمّة، وأنّها محظوظة بدول جوارها إيران وتركيا وامتدادها العربي، مضيفاً أنّ زيارة الرئيس روحاني "مهمة لنا".
وقال الرئيس الإيراني "نشعر في العراق بأنّنا في وطننا الثاني"، مؤكّداً أنّه لم يجد "نقطة خلاف" في محادثاته مع صالح، أضاف "علينا بذل كل جهدنا لتعزيز علاقتنا وتطويرها مع العراق"، مشيراً إلى مجالات التعاون الواسعة بين البلدين.
ومن ناحية أخرى، قال روحاني إنّ بلاده سعيدة بمساعدة العراق بحربه ضدّ الإرهاب، مشيراً إلى الصعوبات الكثيرة التي واجهها البلدان نتيجة الإرهاب.
كذلك علّق الرئيس الإيراني "أهمية كبيرة" على زيارته هذه إلى العراق، قائلاً "في إمكان العراق لعب أدوار أكبر مع الدول في هذه المنطقة".
روحاني يبدأ زيارته بانتقاد واشنطن
برسالة قوية وناقدة إلى واشنطن التي تفرض عقوبات اقتصادية على طهران التي مازالت تتمتّع بتأثير قوي في العراق والمنطقة، قال روحاني قبيل إقلاعه من مطار مهر أباد في طهران، إنّ إيران مصمّمة على تعزيز علاقتها الأخوية مع العراق، مضيفاً "أننا مهتمون في شكل كبير جداً بتعزيز علاقاتنا مع العراق... ولدينا مشاريع مهمّة ستُبحث خلال هذه الزيارة"، وفق التلفزيون الرسمي الإيراني.
ونقلت وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء قوله إنّ هذه العلاقات "لا يمكن مقارنتها بعلاقات العراق مع دولة محتلّة مثل أميركا المكروهة في المنطقة". أضاف "لا يمكن نسيان القنابل التي أسقطها الأميركيون على العراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة".
وفي هذا السياق، ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء أنّ سلسلة من الاتفاقيات ستوقّع خلال الزيارة، في مجالات مثل الطاقة والنقل والزراعة والصناعة والصحة.
وقال مسؤول إيراني كبير لوكالة "رويترز"، وهو أحد مرافقي روحاني في زيارته إلى العراق، إنّ "العراق قناة أخرى لإيران لتفادي العقوبات الأميركية الجائرة المفروضة على إيران... وهذه الزيارة ستوفر فرصاً للاقتصاد الإيراني".
يشار إلى أنّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان سبق روحاني إلى بغداد للتحضير لزيارته، وتقدّم الأحد بالشكر إلى العراق على "رفضه العقوبات الجائرة وغير القانونية ضد الشعب الإيراني".
علماً أنّ بغداد، العالقة بين حليفيها المتعاديين، تمكّنت من الحصول على إعفاء موقت من الولايات المتحدة مع دخول العقوبات على إيران حيّز التنفيذ.
العقوبات الاقتصادية على إيران
إيران التي تعتبر ثاني أكبر مصدّر إلى العراق، يعاني اقتصادها من صعوبات كبيرة منذ اتخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في مايو (أيار) الماضي، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي الموقّع في العام 2015 بين إيران وست دول كبرى، معيداً فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، ممّا دفع قادة هذه الأخيرة إلى محاولة توسيع نطاق العلاقات التجارية مع دول الجوار.
وبرّرت إدارة ترمب حينها انسحابها من الاتفاق النووي بالقول إنّه متساهل أكثر من اللازم، وأخفق في كبح برنامج الصواريخ الباليستية لإيران وتدخّلها في صراعات إقليمية، مثل سوريا واليمن.
وكانت رُفعت العقوبات المفروضة على إيران من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في العام 2016، مع دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ.
وحاولت بقية الدول الموقّعة على الاتفاق إبقاءه قيد التنفيذ بعد انسحاب واشنطن منه، لكنّ العقوبات الأميركية أفلحت إلى حد كبير في إثناء شركات أوروبية عن العمل مع إيران.
وأمام هذا الواقع، وعد الأوروبيون بمساعدة الشركات على إنجاز الأعمال مع طهران طالما ظلّت ملتزمة بنود الاتفاق النووي.
وفي السياق، هدّدت طهران بالانسحاب من الاتفاق إذا لم تتمكّن القوى الأوروبية من حماية مصالحها الاقتصادية.
برنامج زيارة روحاني
بعد لقاء روحاني نظيره العراقي برهم صالح، من المفترض أن يلتقي رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وكان مكتبا الرئاسة ورئاسة الوزراء في العراق ذكرا أنّ الرئيس الإيراني سيزور مزاراً شيعياً في حي الكاظمية في بغداد، قبل مراسم الاستقبال الرسمية.
وبعيد ذلك، سيزور روحاني مدينتَي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف جنوب بغداد، حيث يلتقي المرجعية الشيعية الأعلى في البلاد السيد علي السيستاني، وفق ما أفادت وسائل إعلام إيرانية مقرّبة من الحكومة.
وسيكون بالتالي روحاني أوّل رئيس إيراني يلتقي السيستاني، الذي رفض في العام 2013 استقبال سلفه محمود أحمدي نجاد.
علماً أنّ السيستاني، الذي يعتبر مرجعاً للكثيرين من المسلمين الشيعة حول العالم، نادراً ما يلتقي بمسؤولين إيرانيين أو يعلّق على الشؤون الداخلية لطهران.
وفي هذا السياق، قال عضو مجمّع حوزة قم العلمية الدينية في إيران، محمد تقي فاضل مبيدي، لصحيفة "ابتكار" المقرّبة من الإصلاحيين، إنّ استقبال السيستاني روحاني يمكن أن "يمنع السعودية وحلفاءها من زرع الفتنة في العلاقات الإيرانية العراقية"، أضاف "آية الله السيستاني يحاول منع تسلّل بعض الذين يسعون إلى التفرقة بين السنة والشيعة".
العلاقات الإيرانية – العراقية
تربط إيران علاقات وثيقة ومعقّدة مع العراق في الوقت نفسه، ولها نفوذ كبير فيه من خلال فصائل مسلّحة وأحزاب سياسية شيعية مقربة منها.
وخاض البلدان حرباً داميةً استمرت ثمانية أعوام بين 1980 و1988، إلّا أنّ تأثير إيران السياسي تنامى في العراق بعد إطاحة الغزو الأميركي البلاد في العام 2003 نظام صدام حسين.
من جهة أخرى، دعمت طهران العراق في حربه ضدّ "داعش"، الذي سيطر في العام 2014 على ما يقارب ثلث مساحة البلاد.
وتأتي زيارة روحاني وسط ضغوط أميركية على بغداد للحدّ من العلاقات مع جارتها، خصوصاً في مجال استيراد الطاقة بينما تخطّط إيران والعراق لرفع مستوى التبادلات التجارية السنوية من 12 مليار دولار سنوياً إلى 20 مليار دولار، وفق روحاني.