"عشرات الحالات المؤكَّدة، فضلاً عن وفيات رحلت حاملة معها أعراض الوباء"، هذا ما يمكن إيجازه عن البداية المرعبة لتفشي فيروس كورونا المستجد في اليمن. إذ سجلت البلاد حتى اليوم نحو 34 إصابة، توفيت منها سبع حالات، وتماثلت حالة واحدة للشفاء في ظل عجز صحي كبير، لمجابهته على صعيدي تجهيزات السلطات الصحية، والوعي المجتمعي، فضلاً عن السجال المحتدم بين الحكومة اليمنية من جهة، والمجلس الانتقالي جنوباً، وميليشيات الحوثي شمالاً، من جهة أخرى، فضلاً عن تبادل التهم عن مسؤولية تفشيه، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية، إلى إطلاق تحذيرات أكدت خلالها "تفشي الوباء على نطاق مجتمعي في البلد الذي أنهكته الصراعات الدامية".
وحسب اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا، (تتبع الحكومة الشرعية) فإنّ الجائحة وصلت حتى اليوم، إلى أربع محافظات هي: حضرموت (شرق)، وعدن ولحج (جنوب)، وتعز (جنوبي غرب)، وهي مناطق تقع تحت سلطة الحكومة الشرعية، بينما تُتهم ميليشيات الحوثي بالتعتيم على انتشار عشرات الحالات المصابة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في سلوك وصف بالمشابه لما انتهجه النظام الإيراني الذي تستّر على تفشي الوباء، إلا بعد ظهوره للعلن، ووفاة كثير من الحالات.
حالات تغادر بصمت
وبينما حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان، من أن يكون "كورونا" انتشر في اليمن من دون أن "تتمكن السلطات من اكتشافه"، تداولت وسائل إعلام محلية ونشطاء مدنيون، أنباءً تحدّثت عن وفاة نحو 25 حالة بأعراض "كوفيد 19" في عدن من دون الكشف عن سبب الوفاة، وحالات مماثلة في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، وهو ما يعزز الفرضية التي ذهب إليها كثيرٌ من الأطباء بعد رصد عشرات الوفيات التي غادرت الحياة بصمت مفاجئ، حاملة معها لغز أعراض الوباء القاتل من دون أن تصلها فرق الترصد الوبائي.
تجهيزات لا تستوعب الحدث
وفي بلد مثل اليمن، يبرز التحدي الأكبر للمواطنين اليوم بعد تفشي الفيروس المستجد، ممثلاً في الضعف الحاد للتجهيزات الطبية اللازمة لمواجهة الوباء الذي لا يرحم.
وتؤكد إشراق السباعي، الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا، أنّ السلطات الصحية "لا تستطيع الوصول إلى كثيرٍ من الحالات المشتبهة، وفحص المخالطين للحالات المؤكّدة، بسبب شحة المسحات الخاصة بمحاليل (PCR) للكشف عن الفيروس".
وأوضحت السباعي، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "اللجنة تسلّمت أخيراً نحو 2000 مسحة فحص PCR من سلطنة عمان، ووُزّعت على بقية المحافظات مع تزايد الطلب والاحتياج الشديد إليها لمواجهة الحالات المشتبهة". مشيرة إلى "النقص الكبير في ملابس ومستلزمات السلامة المهنية الخاصة بالكوادر الطبية العاملة في الميدان وفرق الإنقاذ والترصد الوبائي".
متطلبات ملحة
وقالت، "جهزنا محجر الأمل الطبي في عدن بسبعة أجهزة تنفس صناعي فقط وقاعة العناية، إضافة إلى محجر عزل في مستشفيات الجمهورية و22 مايو والصداقة"، وبلهجة تحذيرية تستدرك "لكن كل هذه التجهيزات ليست كافية. ما زلنا بحاجة ماسة إلى مزيد من الدعم، خصوصاً المختبرات وأجهزة التنفس الصناعي، فالمتوفر شحيح جداً، ولا يكفي لمواجهة تفشي الوباء، إضافة إلى الأدوية المضادة وتجهيزات غرف العناية المركزة، خصوصاً أقسام النساء والطوارئ".
نداء ما قبل الكارثة
التدهور الحاد الذي يعانيه اليمن في قطاعه الصحي، دفع المنظمات الصحية والإغاثية إلى إطلاق تحذيراتها بشكل متكرر من "عواقب وخيمة" لكورونا، حال انتشاره في البلاد.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إنها تعتقد أن وباء كورونا يتفشّى في الأوساط الاجتماعية اليمنية بـ"شكل كبير"، حسب ما ذكرت وكالة "رويترز".
وسبق ذلك تحذيرات أطلقتها المنظمة، السبت الماضي، من احتمالية تأثير فيروس "كورونا" في نصف سكّان اليمن، الذي يعاني هشاشة القطاع الصحي من جراء الحرب المستمرة منذ خمسة أعوام.
وقالت، في بيان صادر عن مكتبها الإقليمي في اليمن، "الإمدادات اللازمة لمكافحة كورونا غير كافية بشكل كبير"، مضيفة "لا يزال النظام الصحي في اليمن يعاني هشاشة وضعفاً ونقصاً حاداً في عدد العاملين".
وشددت المنظمة على أن كورونا سيظل "تهديداً كبيراً للشعب اليمني والنظام الصحي المتعثر إذا لم تُحدد حالات الإصابة وعلاجها وعزلها، وتتبُّع مُخالِطيها على النحو السليم، حتى وإن كانت حالة واحدة".
ولفتت إلى أنه "منذ إعلان الجائحة، طرحت المنظمة عديداً من السيناريوهات المُسندة بالبيّنات على السلطات المحلية، لكي تتضح لها الصورة الكاملة عن احتمالية تأثير هذا الفيروس على 16 مليون رجل وامرأة وطفل، أي ما يزيد على 50 في المئة من السكان".
وبالنظر إلى حالة الانهيار الصحي المريع الذي تشهده البلاد حتى ما قبل هذه الجائحة، فإنّ عوامل مواجهة تفشي الوباء القاتل في بلد مثل اليمن، ربما تفشل ما ينذر بكارثة إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم، يعززه استمرار الصراع الدامي المشتعل منذ نحو ست سنوات، سببه الانقلاب الحوثي على السلطة، والإجماع الوطني الذي أنتج ما يوصف بأنه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، جعلت 80 في المئة من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الملايين إلى حافة المجاعة.
مخاوف دولية
هذا القلق الدولي، دفع ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى إطلاق تحذيراته خلال مؤتمر صحافي، من انتشار سريع لكورونا في اليمن، ربما يؤدي إلى "نتائج مميتة أكثر من عديد من البلدان الأخرى".
وقال دوجاريك، "لا تزال الأمم المتحدة تشعر بقلق عميق من احتمال أن يطغى الفيروس بسرعة على النظام الصحي في اليمن الذي يعاني بالفعل الإجهاد".
دعم أميركي
وفي ترجمة للمخاوف الدولية بهذا الشأن، أعلن مسؤول أميركي رفيع أن الولايات المتحدة تعدّ لصرف "مساهمة كبيرة" لمساعدة اليمن في مكافحة الفيروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبرز قبالة هذا الوعد الأميركي، تساؤلات عدة تدعو إلى تفسير الكيفية التي ستنفق بموجبها واشنطن هذه المساعدات بمعزل عن منظمة الصحة العالمية بالتزامن مع تصاعد الأزمة بين الرئيس دونالد ترمب والمنظمة الدولية، وحالة العداء الظاهري الذي تبديه تجاهها ميليشيات الحوثي، المتحالفة مع إيران والمسيطرة على أغلب مناطق الشمال اليمني، إضافة إلى الغياب الفعلي لسلطات الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً عن معظم المناطق التي يفترض أنها تقع تحت سيطرتها.
وكانت واشنطن وفقاً لبيان الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تعهدت تقديم نحو 27 مليون دولار، وذلك لدعم القطاعين الصحي والغذائي في اليمن، تحت إشراف منظمة الصحة العالمية.
وعلاوة على ما يمثله تهديد "كوفيد 19" على اليمن فإن نحو 80 في المئة من سكان البلاد، أو 24 مليون نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، حسب الأمم المتحدة. ويحذر مسؤولو الأمم المتحدة من أن ثلاثة أرباع برامج الأمم المتحدة الرئيسة الـ41 "ستبدأ بالإغلاق في الأسابيع القليلة المقبلة، إذا لم نتمكّن من تأمين أموال إضافية".