مع استمرار تدفق الخارجين من الباغوز، آخر معاقل داعش، يستسلم المئات من مقاتليه ومنتسبيه في مشهد أقل ما يوصف بالانهزام، بينما يتيقن المرء المتابع للحدث كيفية غسل دماغ الآلاف من النسوة والأطفال، وتأثرهم بفكر التنظيم الذي قتل الآلاف باسم المعتقد الديني وبحسب تفسيراته واجتهاداته له. البقعة الصغيرة التي يتحصن فيها داعش بين المدنيين في الباغوز تعج بمقاتليه الذين ما زالوا يرفضون الاستسلام، أو على الأقل لم يتركوا مزارع البلدة الصغيرة حيث يعسكرون.
القتال حتى النهاية
فقد أكد العشرات من المغادرين أن من بين مقاتلي داعش من قرر القتال حتى النهاية، لكن المشاهد اليومية في الممر الإنساني الذي فتحته قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ونقطة تجمع الخارجين، تشير إلى أن إنهاء المعركة يسير وفق نهج محددة تفاصيله. خروج دفعات من المدنيين يومياً بينهم مقاتلون ومنتسبون إلى داعش يسلمون أنفسهم إلى قوات التحالف الدولي وشريكه في محاربة داعش "قسد" بينما يبقى احتمال قائم ببقاء بوجود بعض مقاتلي داعش داخل الباغوز، والقتال فيها حتى النهاية.
كما أن مصدراً عسكرياً في "قسد" أوضح أنهم تمكنوا بعملية استخباراتية من إلقاء القبض على 400 عنصر من داعش حاولوا الهروب، والتسلل من المنطقة المحاصرة من دون ذكر تفاصيل أخرى، كما لم تصدر "قسد" أي بيان أو تصريح رسمي حول هذه العملية.
قصف مدفعي
بينما كانت قافلة إخراج عناصر داعش وعائلاتهم تستعد للخروج من الباغوز باتجاه نقطة تجمعهم شرق البلدة، الخميس في السابع من مارس (آذار) بدأت المدفعية الثقيلة، من الجانب العراقي، مقابل نقطة التجمع بالضبط، بقصف البلدة بأكثر من عشر قذائف، كما حطت عندها مروحيتان من نوع شينوك لتظهر بعدها أعمدة الدخان الأسود والأبيض تتصاعد من داخل الباغوز.
الباغوز... جوع وخوف
عاصفة غبارية تضرب منطقة وصول الخارجين من الباغوز مع تشكل غيوم سوداء، ووسط ساحة التجمع الترابية، وبلهجة مغاربية تحدّث شخص فضّل تسمية نفسه "أحمد محمد" من المغرب عن أوضاع بلدة الباغوز التي وصفها بالسيئة جداً، إذ يسيطر عليها الجوع، والخوف، والقصف، ووصف خروجه بالأعجوبة إذ سقط قتلى جراء القصف، مع انعدام وجود الدواء أو المستشفيات، مضيفاً أن عدداً من الأطفال الصغار والحديثي الولادة ماتوا بسبب نقص الغذاء والدواء والعيش في الخيام.
المغربي "أحمد" قال إن عدداً قليلاً من المدنيين مازالوا داخل الباغوز مؤكداً ألا رغبة في القتال لدى عناصر التنظيم، ولا وجود لأي مسؤول مشيراً إلى حالة فوضى في صفوف التنظيم منهياً كلامه بأن معركة الباغوز محسومة، ولا أمل من النجاة إلا بمعجزة وفق تعبيره. وكان أحمد التحق بالتنظيم في نهاية العام 2013 بعد تركه مجموعة إسلامية كانت تقاتل القوات الحكومية في منطقة اللاذقية.
قافلة جديدة
بعدما فككت "قسد" لغماً أرضياً زرعته داعش عند طريق الممر الآمن أسفل التلة المطلة على الباغوز مباشرة، خرجت قافلة مكونة من إحدى عشرة شاحنة تحمل مجموعة من النساء والأطفال وعناصر من "داعش".
عراقيان وأيزدية
الخميس في السابع من مارس، وعبر حسابه على التويتر نشر مصطفى بالي، مدير المكتب الإعلامي لـ "قسد"، صورة لشابين وامرأة قال إنهما "غامرا بنفسيهما لإنقاذ هذه السيدة الأيزيدية، وإيصالها سالمة إلى قواتنا في محيط الباغوز هذا اليوم، وهي طلبت الحماية لهما وكان لها ذلك". وكان أحد عشر طفلاً أيزيدياً وشيعياً من تلعفر العراقية وصلوا مع الخارجين من الباغوز في الدفعة الأخيرة.
منطقة آمنة تركية؟
يبدو أن أجواء شرق الفرات لن تكون هادئة مع اقتراب انتهاء داعش، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول المنطقة الآمنة "يجب أن تكون المنطقة الآمنة في سوريا بعمق 30 كيلومتراً وبالتأكيد لا بد أن تكون تحت سيطرتنا، مضيفاً أن تركيا لا يمكن أن توافق على منح السيطرة على هذه المنطقة لأي جهة غيرها".