Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثة فصول سياسية في حرب الصحة والاقتصاد

كان الأديب الفرنسي أندريه مالرو يقول "الإنسان هو ما يخفيه" وأكد كورونا أنّ هذه المعادلة تنطبق على الأنظمة أيضاً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (غيتي)

دقت ساعة الخيار الصعب منذ بداية حرب كورونا: إلى أي حد يمكن تخفيف قيود الطوارئ وإجراءات العزل والتباعد الاجتماعي؟ ما العمل لضمان توازن بين ما يخدم أربعة عوامل: صحة الإنسان، "صحة" الاقتصاد، استمرارية النظام وموقع الحاكم؟

قصة كورونا طويلة. لا لقاح تتوقعه منظمة الصحة العالمية قبل 12 شهراً، بصرف النظر عن التسابق في أمكنة كثيرة على الإعلان عن علاجات ولقاحات صارت جاهزة أو في طور الجهوزية. ولا قدرة للناس على العيش من دون أعمال ورواتب، وللحكومات على ضخ المال والمساعدات على المدى المتوسط من احتياطات لها حدود.

الاقتصاد، حسب توقعات صندوق النقد الدولي، يمر في "أسوأ انكماش اقتصادي"، أكبر بكثير من أزمة عامي 2008 و2009. أما الذي لا يقوله الصندوق، فهو أن الانكماش العميق الذي يضرب ويغير نوع حياة البشر، يشكّل خطراً على مواقع الأنظمة داخل بلدانها وعلى صعيد اللعبة الجيوسياسية – الاقتصادية. والأولوية بالنسبة إلى الحكام، على العموم، هي البقاء على الكراسي، وبالتالي إعطاء الأولوية للنجاح في الانتخابات وتأمين كل ما يقود إلى النجاح. وقديماً، قال اللورد كراكبورن إن "السياسة هي حول الخداع والاستمرارية، وأحياناً حول خداع الاستمرارية". فهل هناك سياسات تضمن شيئاً من التوازن بين هذه العوامل الأربعة، أم أن ما يلجأ إليه الحكام هو الانتقائية في الأولويات؟

في حرب كورونا حتى اليوم ثلاثة فصول، رافقها كالعادة فصل خيالي سخيف هو اللجوء إلى "نظرية المؤامرة" وتبادل الاتهام حول صنع الفيروس في مختبرات لضرب الاقتصاد في هذا البلد أو ذاك، مع أن الخبراء أكدوا علمياً استحالة تصنيع هذا النوع من الفيروس الذي يطوّر حمضه النووي.

الفصل الأول هو إنكار وجود إصابات بكورونا لمدة أسابيع بحيث انتشر الوباء، والاستهتار بالوباء بعد انتشاره وتأخير إجراءات الحماية. الإنكار بدأ في الصين بسبب طبيعة النظام، وفي إيران خوفاً من امتناع الناخبين عن ممارسة واجبهم عشية انتخابات مجلس الشورى، وفي تركيا لأسباب تتعلّق بصورة الحاكم. والاستهتار تجسّد في أميركا على يد الرئيس دونالد ترمب، الذي تخوّف من فرض قيود على النشاط الاقتصادي بحيث يؤثر الركود في خيار الناخبين ويؤدي إلى خسارته الانتخابات الرئاسية.

وضمن حسابات الانتخابات، عاد ترمب إلى الإصرار على الظهور اليومي أمام الكاميرات للحديث عن تطورات كورونا والحرب عليه. لكن مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الدكتور المخضرم أنطوني فاوتشي، الذي يظهر إلى جانب الرئيس الأميركي، قال بصراحة إنه لو جرى اتخاذ الإجراءات الوقائية في وقت مبكر لتجنّبت أميركا الكثير وتمكّنت من احتواء الوباء.                    

الفصل الثاني هو هرولة الأنظمة في كل البلدان حين لم يعد التكتّم ممكناً نحو التشدّد في إجراءات الحماية والوقاية، إذ جرى تجميد الحياة والاقتصاد والاجتماع تحت عنوان التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي وإنتاج آلات التنفس والفحص والكمامات والكفوف وسواها من مستلزمات الحماية. وكان هناك بالطبع كثير من القفز من فوق قواعد النيوليبرالية عبر ضخ تريليونات الدولارات لمساعدة رجال الأعمال والعمال والمزارعين وشركات الطيران وسواها في تحمّل التوقف عن العمل.

والفصل الثالث هو ما نعيشه حالياً: الخيار الصعب بين موجبات الصحة ومتطلبات الاقتصاد. ترمب يريد استعجال فتح الأسواق وإعادة دولاب الاقتصاد إلى الحركة. وهو ادّعى أنه يملك سلطة القرار في تخفيف الإجراءات، مع أنّ الدستور لا يعطي لرئيس الاتحاد هذه السلطة، ومع أنّ حكام الولايات احتجوا على ادّعائه لأنّ القرار هو لكل منهم في ولايته. وهاجس ترامب بالطبع هو الانتخابات. إيران المحشورة اقتصادياً تجرّب تخفيف الإجراءات تحت عنوان "التباعد الاجتماعي الذكي". الاتحاد الأوروبي الذي غاب التضامن والتكامل بين أعضائه في مواجهة الوباء، يشهد قرارات مختلفة في العواصم حول مدى الفتح والإغلاق، وتحاول المفوضية الأوروبية وضع توصيات جامعة لا تزال محل نقاش. لكنّ صندوق النقد الدولي يعود إلى التحذير من أن مضاعفات كورونا تعتمد على عوامل "يصعب التنبؤ بها" حيال مسارات الوباء وإجراءات الاحتواء.

كان أندريه مالرو، الأديب ووزير الثقافة أيام الجنرال شارل ديغول، يقول "الإنسان هو ما يخفيه". لكن ما أكده كورونا هو أنّ هذه المعادلة تنطبق أيضاً على الأنظمة.

المزيد من آراء