قطط تمر في الخلفية، بيجامات تهيمن على الجزء الغائب عن الكاميرا، اتصال رائع في الليل رديء في النهار، بدائل للاختبارات تفتح أبواب الإبداع على مصاريعها وطاقات الغش في أوجها، أصوات دق الملاعق على طناجر ما لذ وطاب من صنوف الطعام حيث "ماما" تبدع في مطبخ الحظر، الأخ الأصغر ينتهز الفرصة ويأتي بحركات هزلية على جانب الـ"كادر".
لكن في خضم نوادر وطرائف التعليم الجامعي المُتحوِّل في جانب كبير منه عربياً إلى الشبكة العنكبوتية، هناك تلال من التحديات والمشكلات ومعاودات صبيانية لهواية الصيد في مياه السياسة العكرة. ومع المشكلات تأتي إبداعات وولادات لم تكن على بال أو خاطر لتحوِّل مذهلٍ لدفة التعليم الجامعي في زمن ما بعد كورونا.
انتفاخة شبابية
ولأن العالم لا يزال في زمن كورونا، ولأن "الانتفاخة الشبابية" العربية في أوجها، ولأن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن ثلثي تعداد الدول العربية ينتمي إلى الشريحة العمرية الأقل من 30 عاماً، فإن هذا يعني أن نسبة معتبرة من هذه الشريحة تجد نفسها هذه الآونة إما حبيسة الشاشتين (الكمبيوتر والمحمول)، أو محرومة ومنسية في أزمة إنسانية سلطت الضوء على الفجوة الرقمية.
حياة أكثر رقمنة
الفجوة الرقمية صارت بفعل فيروس كورونا المتسجد محور الاهتمام لخبراء التحول الرقمي ومفتاح الحلول في كارثة نقلت المليارات من البشر بين تفشٍ فيروسي وضحاه للعمل والتعلم والترفيه من البيت عبر الشاشات المتصلة بالإنترنت.
"مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (المنظمة الأممية التي تعمل على إيجاد بيئة مناسبة تسمح باندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي)، أعلنت قبل أيام أن الأزمة الحالية سلطت الضوء على احتياج العالم الشديد إلى مزيد من التقدم الرقمي، لا سيما أنه بات واضحاً أن كثيرين ليسوا مستعدين أو قادرين على تبني حياة أكثر رقمنة.
قدرٌ أوفر من الرقمنة
وعلى الرغم من تأكيد "أونكتاد" على أن مقارنة المشهد الحالي بأجواء الأزمة المالية 2008-2009 تشير إلى قدر أوفر من الرقمنة حالياً، فإن هذا القدر ليس موزعاً على الجميع بالتساوي والعدل. مديرة قسم التكنولوجيا واللوجسيتات في "أونكتاد" شاميكا سيريمان، تقول إن الفجوة في الجاهزية الرقمية يحول دون استفادة أجزاء كبيرة من العالم من التقنيات الرقمية القادرة على مساعدة ملايين البشر في التأقلم مع منظومة البقاء في البيت التي يفرضها الوباء. وتضيف "نحن في حاجة إلى التأكد من أننا لم نترك أولئك الأقل جاهزية على الصعيد الرقمي في هذه الأزمة وما بعدها".
وأشارت إلى إيجابيات الرقمنة التي أظهرتها الأزمة حيث إمكانات هائلة للعالم المتحول رقمياً: تطبيب عن بُعد، عمل عن بُعد، تعلم عن بُعد وغيرها، ما أدى إلى زيادة غير مسبوقة على طلب تطبيقات وبرامج مثل "سكايب" و"زووم" و"موودل" وغيرها.
وباء قوم عند قوم برمجيات
وبلغة الأرقام تقول شركة "مايكروسوفت" إن عدد مستخدمي برمجياتها يزيد بنسبة 40 في المئة أسبوعياً منذ بداية الوباء، وتشير إلى أن القرار الصعب بإغلاق المدارس والجامعات دفعها إلى المساعدة في عملية الانتقال إلى التعلم عن بعد. وتلفت الشركة إلى أنها صممت موارد وتدريبات وأدلة توضيحية لمختلف الفئات التي تحتاج إلى التحول الرقمي. "أوفيس 365" برنامج تقدمه "مايكروسوفت" لأستاذة وطلاب المدارس والجامعات لتنفيذ وتيسير التحول الرقمي، إذ يمد القائمين على العملية التعليمية بالإمكانات التي تسمح بإقامة فصل دراسي عن بُعد، وذلك عبر الهاتف والكمبيوتر المحمول والألواح الرقمية بأنواعها.
رؤية غير واضحة
يظن البعض أن دول الخليج تخوض تجربة التعلم الجامعي الاضطراري عن بُعد من دون مشكلات وبعيداً عن المعوقات، وذلك بحكم مستويات الدخل المرتفعة مقارنة ببقية الدول العربية، ما يفترض أن يكون قد أتاح تحولاً رقمياً واسعاً في زمن ما قبل كورونا، فبعد مرور قرابة شهر كامل منذ جرى تعليق الدراسة في دول الخليج العربي، بدءاً من الكويت والبحرين في أول مارس (آذار) الماضي، ثم قطر، وبعدها السعودية والإمارات، لتليهما عمان، لا تزال رؤية التعلم الجامعي عن بُعد غير واضحة.
مؤتمرات صحافية وزارية ورسمية، وتصريحات عن التعليم الجامعي تحت وطأة الوباء، وتنويهات وتعليمات في هذا السياق، إلا أن في الاختبارات تثبت صحة التصريحات أو عكسها. مواعيد الاختبارات وكيفيتها لا تزال مجهولة، ومنظومات التعلم عن بُعد في الدول الخليجية التي أعلنت ذلك لا تزال تعاني مشكلات تقنية.
تعليق الدراسة
وكانت البداية مع إعلان كل من البحرين والكويت تعليق الدراسة الجامعية لمدة أسبوعين من دون وضع خططٍ للتعلم عن بُعد. وبعد انقضاء الأسبوعين، أعلنت البحرين تمديد التعليق لأجل غير مسمى، وخصصت أربع صفحات وبرامج لمبادرة التعليم عن بُعد وتمكين العمل من المنزل.
أما الكويت، فأعلنت التعليق لمدة أسبوعين جديدين، وأيضاً من دون وضع برامج للتعليم عن بُعد. ورغم ذلك، أعلن وزير التربية وزير التعليم العالي الكويتي، سعود الحربي، أن الدراسة ستستمر إلى نهاية شهر رمضان، على أن تنعقد الاختبارات عقب العيد مباشرة لجميع المراحل الدراسية، وذلك من دون الإشارة إلى آلية تطبيق الدراسة عن بُعد، أو إمكانية الخضوع لاختبارات تحريرية في مقار التعليم.
الإمارات أكثر ترتيباً
وجاء تعليق التعليم في الإمارات أكثر ترتيباً، فوزارة التربية والتعليم أعلنت استمرار تطبيق نظام التعلم عن بُعد لكل المدارس والجامعات والمعاهد الخاصة والحكومية حتى نهاية العام الدراسي الحالي، وكانت في بداية الأزمة أعلنت تطبيق منظومة التعلم عن بُعد لمدة أسبوعين مع تقديم إجازة الربيع ليمكث الطلاب في البيوت لمدة أربعة أسابيع، يخصص الأسبوعان الأخيران لبدء التعلم عن بُعد.
الإمارات التي قطعت شوطاً كبيراً في التحول الرقمي خلال العقد ونصف العقد الماضيين تجني ثمار هذا التحول في الأزمة الحالية، فقد تمكنت من جاهزية المنظومة وإجراء تجربة لقياس فعالية التعلم عن بُعد قبل أيام، وذلك لضمان استخدام منصة التعلم الذكي لكل الطلاب، وجودة تطبيق الحلقات الدراسية.
وزير التربية والتعليم الإماراتي، حسين إبراهيم الحمادي، قال إن منظومة التعلم عن بُعد نتاج سنوات من العمل لتحقيق قفزات نوعية في النظام التعليمي، ترسخت خلالها أسس وآليات ومعايير العملية التعليمية. وأضاف أن تطبيق هذه المنظومة في المدارس ومؤسسات التعليم العالي أصبح على درجة بالغة من الأهمية، لأنه يسهل عملية التعلم للطلاب الذين يعانون صعوبات بعينها تمنعهم من التواجد في المؤسسات التعليمية، كما أنها صمام أمان يضمن استمرار التعليم حال حدوث مستجدات، كما حدث مع انتشار فيروس كورونا المستجد.
الفيروس دفع عُمان إلى نهج مختلف عن بقية دول الخليج، حيث خصص التلفزيون أوقاتاً لبث برنامج "درس على الهواء" للصف الثاني عشر على قناة "عُمان مباشر" لتقديم دروس تعليمية وفق المناهج الدارسية طوال فترة تعليق الدراسة، إلا أن كيفية متابعة المناهج وآلية الاختبارات تظل غير واضحة، لا سيما فيما يختص بالجامعات.
عام دراسي بيتي
الجامعات في السعودية وجدت لدى المسؤولين آذاناً صاغية وخططاً تقارب الواقع، فقد اتخذت وزارة التعليم إجراءات عدة لتفعيل التعليم عن بُعد، وتسهيل العملية التعليمية على الطلاب في مقدمتها المدرسة الافتراضية، وذلك عقب إصدار قرارها بتعليق الدراسة ضمن الإجراءات الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، وتم تخصيص برنامج "بلاك بورد" لطلاب التعليم الجامعي حيث تكون الدراسة والاختبارات الفصلية عن بُعد.
وقبل أيام اجتمع وزير التعليم، حمد آل الشيخ، وعددٌ من مديري الجامعات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة ودار النقاش حول طرق تقويم الاختبارات النهائية في ضوء تعليق الدراسة، وتحدث الشيخ عن الجهود التي تبذل من أجل ضمان عملية التقويم بشكل يضمن تحقيق العدالة لجميع الطلاب، ووصف تجربة التعليم عن بُعد في الجامعات بـ"الناجحة والتي حققت إنجازات غير مسبوقة". وأكد أن أعداد مستخدمي منصات التعلم الإلكتروني الجامعي وصلت إلى ما يزيد على مليون و200 ألف مستخدم حضروا نحو 107 آلاف ساعة تعليمية في ما يزيد على 7600 فصل افتراضي.
خلل وانقطاعات
ورغم النجاح الموصوف، فإن تسجيل كل الطلاب والأساتذة في منظومة تعليم إلكترونية في وقت واحد أدى إلى مشكلات تقنية عدة، فمن انقطاعات متكررة، إلى صعوبة استخدام المنصات عبر الهواتف المحمولة، حيث يتطلب ذلك الألواح الرقمية التي لا تتوافر للجميع، أو لا يتوافر أكثر من لوحٍ لدى طلاب الأسرة الواحدة والذين يحتاجون للتعلم في التوقيت نفسه، فالتجربة لا تزال جديدة، ويُتوقع أن يشوبها بعض الخلل الذي تحاول الحكومات المختلفة في دول الخليج حله قبل موعد نهاية العام الدراسي البيتي.
وقد أجرت "اندبندنت عربية" استطلاع رأي للوقوف على آراء الطلاب والأساتذة في تجربة التعلم عن بُعد، فوجدت أن نسبة 51 في المئة من الطلاب ترجح كفة التعليم التقليدي، و27 في المئة تفضل التعلم عن بعد، وتتساوى النسبة المتبقية في موقفها تجاه النظامين. وعارض 58 في المئة من الطلاب التحول جذرياً إلى التعلم عن بُعد، واعتبر 28 في المئة التحول للتعلم عن بُعد فكرة جيدة، وذهبت النسبة المتبقية للمزج بين النظامين.
وأجمع أساتذة الجامعات المستطلعة آراؤهم على أن المشكلة الرئيسة تكمن في صعوبة التفاعل بينهم وبين الطلاب، وأن الحضور الفعلي مهم لرفع مستوى إدراك الطالب واستيعابه.
سلبيات وإيجابيات
ويقول أستاذ الجغرافيا في جامعة الملك سعود، عبد الله المغامس، إن من أبرز إيجابيات التعلم عن بُعد كونه بديلاً للتعليم التقليدي في الأحوال الطارئة، بالإضافة لكلفته المنخفضة مقارنة بالتعليم التقليدي.
وبغض النظر عن الإيجابيات والسلبيات، فقد أكدت دول الخليج أهمية استمرار منظومة التعلم عن بُعد بديلاً للعملية التعليمية الجامعية التقليدية المتعطلة، ودار أغلب الوعود الرسمية حول عزم إصلاح الخلل خلال أبريل (نيسان) الحالي. إلا أن جميع الدول الخليجية لم يعلن بعد عن آليات إجراء الاختبارات في ظل التعلم عن بُعد.
شح معلومات وضبابية امتحانات
شح المعلومات وضبابية مصير الامتحانات أديا إلى كثرة تداول إشاعات حول إنهاء العام الدراسي بالاعتماد على درجات الفصل الدراسي الأول فقط، وهو ما نفته وزارات التعليم في الدول الخليجية غير مرة. ويبقى مصير العام الدراسي الجامعي 2019-2020 بتعداده الذي يزيد على مليوني طالب وطالبة جامعيين في مهب ريح كورونا وإجراءات وآليات لم يتم الإعلان عنها بعد.
هاشتاغات وضغوط في مصر
وقبل أن تعلن وزارة التعليم العالي المصرية تعليق الدراسة في الجامعات، كان مئات الطلاب قد دشنوا عشرات الهاشتاغات وملؤوا أثير مواقع التواصل الاجتماعي صخباً ومناشدات لتعطيل الدراسة خوفاً على صحتهم ووقاية لهم من التقاط العدوى.
لكن تعطيل الدراسة والتحول للمنصات الإلكترونية وإيجاد البدائل لطلاب الجامعات المصرية البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين و104 آلاف طالب وطالبة، بحسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قرارات لم يتم اتخاذها تحت ضغوط الهاشتاغات أو تضييقات حملات عنكبوتية بعضها طلابي واقعي يعبر عن آرائهم وإمكاناتهم، والبعض الآخر خالط لحابل الأزمة بنابل التسييس واستمرار محاولات التشكيك المستمر في الدولة، وذلك ترجيحاً لكفة جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين".
منشورات و"شير"
عدد من الطلاب في جامعات رسمية بالإضافة لجامعة الأزهر أخذ يروِّج منشورات تحوي أخباراً مفبركة وغير موثقة تفيد انتشار الفيروس في كليات ومدن جامعية. المنشورات، كعادة مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت من يروجها عبر الـ"شير" غير المدقق والـ"لايك" غير المحسوب.
لكن المحسوب في الوقت الراهن هو تلك الأرقام التي أعلنها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خالد عبد الغفار، لنسب رفع المقررات الدراسية على المنصات الإلكترونية وتفاعل الطلاب معها. ويقول إن نسبة رفع المقررات الجامعية على الشبكة العنكبوتية بلغ ما يزيد على 80 في المئة، وأن تفاعل الطلاب معها يتراوح بين 70 و75 في المئة، وإنها نسبة جيدة لا سيما أن التحول الرقمي بهذا الشكل حدث فجأة وفي ظل أزمة بحجم تفشي فيروس كورونا.
تفشي الفيروس وقراراته بتحويل دفته من حالات متفرقة إلى أخطار داهمة، ومن تربص بكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة إلى توسيع قاعدة هجومه وتسريع إيقاع حصاد الأرواح أضعف القدرات الرسمية لرسم خطط مستقبلية وتصور جداول زمنية للامتحانات ومسار العام الدراسي.
عام دراسي في علم الغيب
مسار العام الدراسي الجامعي ومصيره في علم الغيب. لذلك، حين تحدث خالد عبد الغفار عن خطة وزراته كان واضحاً في عدم إعطاء تصورات واضحة، تاركاً الباب مفتوحاً أمام إمكانية تغيير وتعديل قرارات اليوم بحسب تطورات الغد، وقال إن صحة الطلاب هي الهدف والأولوية الآن، لذلك تم إلغاء امتحانات منتصف الفصل الدراسي الثاني والتي كان من المقرر أن تنعقد في مارس (آذار) الماضي، لتضاف درجاتها إلى امتحان نهاية العام. ومتي ينعقد امتحان نهاية العام؟ يقول الوزير: شهر مايو (أيار). لكنه يعود ويفتح القوس ويتركه على مصراعيه "لكن ربما تكون الامتحانات في يونيو (حزيران) أو يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) أو أكتوبر (تشرين الأول)، كل ما سبق وارد".
وما يَرِد هذه الأيام في ظل التعلم الجامعي عن بُعد عبر منصات مختلفة منها المرئي المباشر، والصوتي المسجل، الملفات "بي دي إف" والرسائل عبر البريد الإلكتروني، ومجموعات "واتساب" يقول الكثير عن الفجوات الرقمية في مصر.
فجوات رقمية
فبين جامعات خاصة دشنت العديد من منصات التعلم والتواصل الإلكتروني بين الأساتذة والإداريين من جانب والطلاب من جانب آخر على مدار السنوات القليلة الماضية، وأخرى رسمية تحوي طلاباً قادرين ومتصلين بالشبكة العنكبوتية طيلة الوقت، وآخرين متصلين بها أحياناً، إلى جانب فريق ثالث خارج المنظومة الرقمية بشكل شبه كامل، تقول الفجوة "أنا هنا". والمثير أن الفجوة تطل برأسها كذلك على البعض من الأساتذة أيضاً.
والفجوات أنواع، منها الفروق في درجات الاتصال بالإنترنت، أو قدرات التعامل مع منصاتها. تقول أستاذ مساعد الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة القاهرة، لبنى إسماعيل، إن الأساتذة يخوضون كذلك عملية تعلُم، لكنه تعلماً ذاتياً، إذ يطورون قدراتهم في التعامل مع وتسجيل وإعداد المحاضرات بطريقة جذابة ووافية ومناسبة للوسائط الإلكترونية. وتلفت الانتباه إلى الفرق الشاسع بين المنصات الإلكترونية التي تتيج التواصل والاتصال بين الجامعة والطلاب، وتخزين مادة علمية، وتسجيل الحضور والغياب وأداء الاختبارات وتسليمها وتقييمها، وبين المنصة الحقيقية حيث قاعات الدرس الافتراضية والتي يتم فيها التعليم التفاعلي في أوقات يتعذر فيها التعليم وجهاً لوجه.
معضلة الكليات العملية
وجه آخر من وجوه مشكلات التعلم الجامعي عن بُعد يكمن في الكليات العملية مثل الطب والهندسة والصيدلة، حيث تتطلب العملية التعليمية وجود معامل وأبحاث وتدريبات عملية. أستاذ مساعد ورئيس قسم الفارماكولوجي في كلية الصيدلة بجامعة بني سويف، أميرة مراد أبو يوسف، تقول إن مسألة التعلم الإلكتروني أو عن بُعد لم تكن مطروقة كما ينبغي من قبل، لكن مع ظهور احتمال إغلاق الجامعات بدأ أغلب الأساتذة في تجهيز محاضراتهم بطريقة "باور بوينت" وتحميلها على موقع الجامعة تحسباً للإغلاق. وتضيف أن بعد مرور أيام قليلة، بدأ الأساتذة في خوض تجربة المحاضرات الصوتية. وتشير إلى أن هذه المواد العلمية يتم إتاحتها على موقع الجامعة أو على صفحات "فيسبوك" المدشنة لمجموعات الطلاب في الصفوف الدراسية المختلفة، كما تم إنشاء قناة على "يوتيوب" لتحميل المحاضرات بالصوت والصورة، مع توفير رابط عنكبوتي للطلاب أو رقم "واتساب" لإرسال أسئلتهم أو استفساراتهم. وتلفت إلى أن "المشكلة في بني سويف، شأنها شأن محافظات كثيرة في مصر، أن الاتصال بالإنترنت ليس متاحاً طيلة الوقت، ولذلك فإن فكرة المحاضرات "أون لاين" والبث المباشر، تعني انعدام المساواة في الفرص للجميع نظراً لتفاوت الإمكانات.
وعن الجانب العملي في الكلية، تقول إن الأساتذة سجلوا فيديوهات للشرح العملي، حيث تشريح حيوانات ودراسة أعضائها وغيرها بالصوت والصورة. أما الاختبارات، فما زالت الرؤية غير مكتملة بشأنها، نظراً لتغير الأوضاع يومياً، رغم حتمية خضوع الطلاب لاختبارات عملية في المعامل، لكن لو استمر الإغلاق فستجرى الاختبارات عبر عرض فيديوهات ويقوم الأستاذ بطرح أسئلة يجيب عنها الطالب. وهنا تبقى مشكلة توافر الاتصال بالشبكة وجودته، وهو ما يتطلب سباقاً مع الزمن (وربما ضده) لتحسين الإمكانات الرقمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سياسة الأمر الواقع في الأردن
سباق مشابه تدور رحاه في جامعات الأردن، فرغم حداثة تجربة التعلم عن بُعد وافتقارها، بحسب متخصصين، إلى الكثير من عوامل النجاح، فإن الجامعات الأردنية تسابق الزمن للتحول إلى التعليم عن بُعد، لا سيما أنه صار أمراً واقعاً. وزير التعليم العالي والبحث العلمي، محي الدين توق، أعلن تفعيل منظومة التعليم عن بُعد طوال فترة تعليق الدراسة، وذلك وفق إجراءات تضمن استمرار العملية التعليمية للفصل الثاني.
الوزير الأردني أعلن عن إطلاق استبانة إلكترونية لقياس ومعرفة آراء طلاب الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة حول التعلم الإلكتروني من حيث المحتوى وفعالية التدريس والتفاعل بين الطلاب والأساتذة.
وفي أحدث قراراتها لمواجهة كورونا بالتعلم عن بُعد، لجأت الوزارة إلى إلغاء الامتحانات الجامعية المقرر عقدها خلال حظر التجول، والنظر في إمكانية تمديد الفصل الدراسي الثاني الحالي مع تأجيل البت في خصوص الفصل الصيفي المقبل، وسط مخاوف من أن يطول أمد "أزمة كورونا".
حالة استثنائية
ويرى منسق "الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلاب الجامعيين"، فاخر دعاس، أن العالم كله في وضع استثنائي ما سبب إرباكاً في قطاعي التعليم والتعليم العالي، إذ لم يخطر في بال أي مؤسسة تعليمية أنها قد تغلق أبوابها فجأة وتتحول من دون سابق إنذار إلى التعلم عن بُعد.
ليس هذا فقط، بل إن مجلس التعليم العالي في الأردن لم يكن يعترف بالجامعات التي تعتمد التعلم عن بُعد، وهو ما أبعد الجامعات عن خوض هذا المضمار.
ويشير دعّاس إلى أن "الجامعات الأردنية حاولت التعامل مع الواقع الجديد قدر المستطاع وفي حدود الإمكانات المحدودة المتاحة، إلا أنه ونظراً لحداثة التجربة، وضعف الإمكانات، تواجه التجربة العديد من المشكلات مثل ضعف خبرة البعض من الأساتذة في التعاطي مع آليات التعلم عن بُعد، ما أدى إلى حالة من الفوضى والإرباك".
نزاهة ومزيد من الفجوات
وأبرز هذه المشكلات استحالة إيجاد آلية تضمن النزاهة والصدقية في الامتحانات، وهو ما دفع مجلس التعليم العالي لاتخاذ قرار بعدم عقد اختبارات خلال فترة العطلة (حظر التجول). كما تبرز مشكلة الفجوة الرقمية، سواء في قدرات الأساتذة أو عدم اعتماد آلية أو حتى معايير محددة من قبل مجلس التعليم العالي أو الجامعات لتطبيق التعلم عن بُعد، ما دفع بعض الأساتذة إلى استخدام طرق عتيقة مثل إرسال نسخ مصورة من المحاضرات إلى الطلاب. ويشير دعاس إلى مشكلة الكليات العملية مثل الطب والتي يعتمد طلابها على التطبيق العملي في المستشفيات.
جاهزية منقوصة
ويرى مؤسس "الرابطة العالمية للتعليم الإلكتروني"، عبد الله الزعبي، أنه رغم توافر البنية التحتية وتعامل نحو 95 في المئة من الأردنيين مع مواقع التواصل الاجتماعي، فإن التعلم الجامعي عن بُعد يحتاج تأهيلاً وتدريباً لم يتوافر في جامعات الأردن بشكل مؤسسي.
وأشار إلى أنه في بداية الألفية، كانت هناك إرادة سياسية للدولة في هذا المجال إلا أن المجتمع الأردني لم يتقبل التعلم الإلكتروني، معتبراً أنها صرعة من صرعات "الموضة". وأوضح أن أزمة كورونا تعد وسيلة لتحويل مضمار التعليم الإلكتروني في الأردن من تحد إلى فرصة.
إهمال في الماضي
وفي سياق متصل، دعا رئيس جامعة آل البيت، عدنان العتوم، وزارة التعليم العالي لمواجهة الوضع بالتحول إلى التعلم الإلكتروني، معتبراً أن جاهزية الجامعات الأردنية لبدء عملية التعلم عن بعد، ليست حاضرة، بسبب إهمالها خلال السنوات الماضية. وقال إن التعلم الإلكتروني أحد وسائل تحقيق جودة التعليم في البلاد.
وأظهر استطلاع أجرته قناة "رؤيا" التلفزيونية المحلية، أن معظم الأردنيين لا يرى جامعات الأردن مستعدة للتحول إلى التعلم عن بعد. كما أبدى عدد من طلاب الجامعات تذمرهم من العملية برمتها، لا سيما أنها لا تحقق العدالة للجميع ولا تقيس القدرات الحقيقية للطلاب على الرغم من أنها أزالت الحواجز والعوائق المتمثلة بالموقع الجغرافي والمسافة والزمن. ويرى عدد من أساتذة الجامعات أنهم أكثر ميلاً للتعليم التقليدي وجهاً لوجه والتفاعل مع طلابهم مباشرة.
الباحثان خالد القضاة وبسام مقابلة، أعدا دراسة حول تحديات التعلّم الإلكتروني، وخلصا إلى عدم توافر القيادة الفعالة والتدريب المناسب والمعدات اللازمة، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية لشبكة الإنترنت في بعض مناطق الأردن، وهو ما صنع حالة من الترقب بين الطلاب.
ترقب جامعي تونسي
ترقب مماثل مصحوب بمخاوف يسود بين طلاب الجامعات التونسية، فبعد انقضاء العطلة الرسميّة وتأجيل العودة المدرسية والجامعية إلى أجل غير مسمى، يبدو مستقبل الطلاب ضبابياً.
تخبط واضح يسود بين أطراف قطاع التعليم العالي، فبين من يقرُّ بمحدودية الإمكانات للدراسة عن بُعد ومن يرى أنها السبيل الأنجع لتلافي سنة جامعية بيضاء، يجد الطلاب والأساتذة أنفسهم في مهب الريح.
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اتخذت قراراً يوم 9 مارس (آذار) الماضي ينصّ على تأمين بقية الموسم الجامعي عن بُعد عبر جامعة تونس الافتراضية.
الجامعة الافتراضية
تأسّست جامعة تونس الافتراضية، وهي مؤسسة حكومية، في عام 2002. ويقول رئيسُها محجوب العوني، إن الجامعة تُؤمّن حالياً الدروس عن بُعد عن طريق 1600 أستاذ لأكثر من 42 ألف طالب في ثماني إجازات و12 شهادة ماجستير، ويلتحق بها سنوياً نحو ألف طالب، كما توفّرُ التكوين المستمر عن بُعد بحسب المطوب.
لكن العوني أشار إلى الصعوبات التي تواجهها الجامعة، لا سيما ضعف البنى التكنولوجية التحتية والتي تحُول دون إتمام منظومة التعلم عن بُعد بشكل جيد، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على تلافي هذا النقص.
قرار متسرّع وبنية اتصالية هشة
وتوضح الأستاذة في معهد الصّحافة وعلوم الإخبار، يسرى قزبار، أنها لم تُعوّل على هذه المنصّة تماماً وتستخدم التراسل الإلكتروني وتجميع الطلاب في مجموعات على وسائط التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن المنصة التي وضعهتا وزارة التعليم العالي تشهد اكتظاظاً كبيراً وتعاني بطئاً وانقطاعاً بسبب الأعداد الكبيرة عليها، علاوة على مشكلات أخرى تتعلق بالبنية التحتية الهشة.
ويؤكد الأستاذ في الجامعة التونسية والكاتب العام المساعد لجامعة التعليم العالي، عبد القادر الحمدوني، عدم استعداد الوزارة لهذا الخيار، مشيراً إلى التفاوت بين الجامعات، وكذلك بين الطلاب أو المناطق المختلفة في توافر الاتصال بالإنترنت.
تكديس الدروس من دون تحصيل
وتقول طالبة العلوم الاقتصادية، نور حمدي، إن التطبيقات المستخدمة لا تستوعب عدداً كبيراً من الطلاب وقت المحاضرات، مشيرة إلى أن الدروس تكدست بشكل لافت، وهو ما يحول دون إمكانية الفهم والاستيعاب.
ويرى الطالب في جامعة منوبة في العاصمة تونس، حمزة عروس، أنه اكتشف بالصّدفة توجّه الوزارة نحو خيار استكمال السنة الدراسية عبر التعلم عن بُعد، ورغم استحسانه القرار، دعا إلى مزيد من تعزيز التفاعل والتواصل مع الأساتذة عبر هذه المنصّات.
ضرب المساواة وتكافؤ الفرص
لكن الاتحاد العام لطلاب تونس، منظّمة نقابيّة طلابية تأسّست عام 1952، يرفض توجّه الوزارة إلى استكمال السنة الدراسية عبر منظومة الجامعة الافتراضية. وتؤكد نائبة الأمين العام للاتحاد وردة عتيق، أن التعليم عن بُعد يضرب في الصميم مسألة المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، مشيرة إلى أن البنية التحتية الاتصالية لا تسمح بهذا النوع من التعليم في تونس.
منتصف العام في البيت
ومن تونس إلى لبنان، حيث تجد الهيئات التعليمية والإدارية والطلاب أنفسهم في البيت في منتصف العام الدراسي. قرابة المليون و150 ألف طالب، منهم نحو 120 ألفاً في المرحلة الجامعية، مع ذويهم وأولياء أمورهم محاصرون في البيوت، في حجر إلزامي فرضه الوباء التنفسي المنتشر "كورونا". ومن ثم تعطلت الدروس وأغلقت الجامعات أبوابها، وانتفت لغة التواصل التعليمي تماماً، في انتظار المجهول.
مرّت أسابيع عدة قبل أن تقرر وزارة التربية الوطنية والجامعات اللبنانية، الرسمية والخاصة، اعتماد صيغ ومنصات تعليمية عن بعد، بعدما وجدت أن هذا التعطيل القسري قد يمتد من أسابيع إلى أشهر.
أوعزت إدارة الجامعة اللبنانية يوم 11 مارس الماضي إلى عمداء الكليات ضرورة اعتماد المنصات الإلكترونية المناسبة لنشر المادة العلمية للطلاب، أو اعتماد التعليم التفاعلي من خلال التواصل المباشر مع الطلاب.
وللمرة الأولى، انطلقت عملية التعلم عن بُعد، والتي لم تكن معتمدة في أي من جامعات لبنان الرسمية أو الخاصة، والتي تستقطب نحو 120 ألف طالب في مختلف التخصصات.
وفي النصف الثاني من مارس الماضي، بدأت كلية الآداب والعلوم الإنسانية (الفرع الثالث) في الجامعة الوطنية التعلم عن بعد عبر منصة "Microsoft teams". وسبقتها أو لحقتها إجراءات مماثلة قام بها الطلاب وأساتذتهم في مختلف فروع الجامعة، معتمدين على تقنيات إلكترونية، منها ما اعتمدته كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية من منصات التواصل التعليمية وهي "Zoom" و"Google Classroom" ومجموعات التواصل بين الطلاب وأساتذتهم عبر "واتساب".
دروس مُصوّرة
يشير رئيس الجامعة اللبنانية، فؤاد أيوب، إلى أن التعلم عن بُعد هو إجراء جديد بالنسبة إلى الجامعة، "نحنُ ارتأينا ممارسة اللامركزية الأكاديمية في التعلّم، وطالبنا العمداء باعتماد التعليم التفاعلي المباشر مع الطلاب، وتحضير الموادّ التي تتوافق مع هذه العملية. نعتمد تجربة جديدة، وعلينا أن نعيشها بحسناتها وسيئاتها. وكل جديد قد يكون من الصعب الاعتياد عليه، لكننا سنحاول التقليل من السلبيات بتعاون الجميع، إدارة وأساتذة وطلاباً".
ويؤكد وجود بعض المعوّقات، منها كلفة الإنترنت العالية في لبنان وعدم توافرها في القرى النائية، بالإضافة إلى ازدحام البيوت بسبب وجود كل أفراد الأسرة في الوقت نفسه.
تطبيق رقمي مساعد
في المقابل، أعلن رئيس الجامعة اللبنانية عن إنجاز التطبيق الرقمي الأول من نوعه في عالم تكنولوجيا التعليم (Noter)، في إطار الجهود لتطوير قدرات الطلاب ومساعدتهم في عملية التعلم عن بُعد.
وأورد موقع الجامعة اللبنانية الإلكتروني، أن طالبين في السنة الثالثة، في قسم المعلوماتية في الفرع الأول للجامعة، حسن قطايا وسامي شمس الدين، صمّما التطبيق تحت إشراف أستاذهما عبد الصفدي.
ويدمج التطبيق تقنية تشغيل الوسائط الرقمية وبشكل خاص الفيديو التعليمي مع إمكانية تدوين وربط الملاحظات المحتملة على المحتوى رقمياً، وسيسمح للمستخدم بتشارُك الملاحظات المدونة مع زملائه من الطلاب أو الأساتذة عبر البريد الإلكتروني.
ومن وجهة نظر طلابية، يتابع طالب الطب في الفرقة الخامسة، صادق جابر، دروسه عبر الإنترنت، ويقول "الأمر أفضل من الدوام المباشر في الجامعة، على الأقل في الوقت الراهن". ويصف منظومة التعلم عن بُعد بـ"الممتعة بعيداً عن التشويش. هنا لن تُضطر إلى أن تكون بين العشرات من رفاقك، لن تنتظر الأستاذ المحاضر وربما يتأخر أحياناً أو يغيب".
شقيقه طارق، طالب في السنة الأولى بكلية العلوم في بيروت، يقول إن "التعليم عن بعد أفضل بكثير من الدوام اليومي في قاعات الجامعة. هنا أستمع إلى الأستاذ المحاضر وحدي، في غرفة لا يزعجني فيها أحد، وليس من بين 280 طالباً أو 300 طالب، يتزاحمون في قاعة مكتظة، ومن يجلس في الصفوف الخلفية يكاد لا يسمع، وأحياناً لا يجد له مقعداً. هنا ومن خلال التعليم عن بعد، يقوم الدكتور بما كان يقوم به في المبنى الجامعي، يعرض الشرائح (Slides) يشرح ونسأل، والمراجع أمامنا، نتابع معه، ومن يفتْهُ الشرح يمكن أو يعود إليه من خلال التسجيل المتاح".
وتنتهج الطالبة في الفرقة الرابعة بكلية الفنون قسم الهندسة المعمارية، ليديا أبو زيد، النهج الإيجابي نفسه فيما يتعلق بالتعلم عن بُعد في ظل الحظر المنزلي، لكنها تفتقد "الاحتكاك المباشر مع الأستاذ والرفاق". كما تشكو بطء أو انقطاع الإنترنت في حالات الذروة، أو بحسب المناطق وبُعدها عن مراكز الإرسال.
تجربة رائعة... ورب ضارة نافعة
وبينما جامعات العالم العربي تخوض تجربة التعلم عن بعد الإجبارية، يراها البعض رائعة ورب ضارة نافعة قد تمتد كوسيلة تعليمية بعد انتهاء الأزمة الحالية، ويتعثر البعض الآخر لأنه لم يكن في عجلة من أمره في إتقان مفاتيح التعلم عن بعد والتواصل الافتراضي أو لأنه يميل إلى الطرق الكلاسيكية حيث التعلم وجهاً لوجه، تظهر مشكلات توحد الصف الجامعي العربي: فجوات رقمية بين من يملك إمكانات الشبكة العنكبوتية ومن لا يملكها، سواء من حيث الاتصال أو التعامل أو القدرات المادية، عدم جاهزية رسمية للتعامل مع منظومة التعلم عن بعد التي تحولت من احتمالية بعيدة المدى إلى واقع فارض سطوته، بنى تحتية إما ضعيفة أو لا تتحمل هذه الأعداد المليونية الباحثة عن متنفس تعليمي عنكوبتي.
وفي الوقت نفسه، تحاول منظمات أممية المساعدة والدعم عبر حلول غير تقليدية. منظمة "يونسكو" بالتعاون مع كل من شركة "آي بي إم" للبرمجة وتطوير الحواسيب والبرمجيات وشركة ساب للبرمجيات، دشنت هاكاثون (حدث يجتمع فيه مبرمجو الكمبيوتر وغيرهم لتطوير البرمجيات) CodeTheCurve لدعم المبتكرين الشباب، وعلماء البيانات، والمبرمجين حول العالم، وذلك للتوصل إلى حلول رقمية للوقوف في زمن كورونا.
ضرر إغلاق المدارس انعكس حتى اليوم على أكثر من 1.5 مليار طالب في جميع أنحاء العالم. المديرة العامة لـ"يونسكو"، أودري أزرلاي، تقول إن الخبرةَ وسِعة الأفُق الجماعية هما طوق النجاة للعبور من أزمة الفيروس غير المسبوقة. وأضافت "نعي جيداً أن العالم مليء بالشبان والشابات الذين ينبضون بأفكار جديدة ومبتكرة بشأن كيفية تسخير التكنولوجيا لكبحِ جماح هذه الجائحة". وعبرت عن أملها في قدرة هذا الهاكاثون "على بعث الحياة في أفكار الشباب غير التقليدية من خلال مرحلتين".
وتعمل الفرق المتسابقة في ثلاثة موضوعات هي ضمان استمرارية التعليم، وإدارة البيانات والمعلومات، وقضايا المجتمع والصحة بين الحاضر والمتسقبل.
وتقول المديرة العالمية لمركز "آي بي إم زد" العالمي للطلاب، ميليسا ساسي، أن الكثيرين من الشباب يقبعون اليوم في منازلهم بسبب إغلاق المؤسسات التعليمية، ما ولّد الحاجة لإيجاد أنماط رقمية وعمليّة تجعل من التعليم أمراً مرحاً.
قراصنة عنكبوتيون
ويُتوقع أن يكتسب "القراصنة" المشاركون في الفعالية الخبرة اللازمة لتوضيح وعرض ما في جعبتهم من حلول أمام عدد من المنظمات الداعمة ذات الصلة.
وتقوم هذه المبادرة على الجهود التي تبذلها "يونسكو" من أجل تعزيز المهارات الرقمية وتنمية القدرات المهنية لدى "شباب القراصنة العنكبوتيين"، مع التركيز بشكل خاص على مطوري ومصممي البرمجيات من الشابات.
الجميع يصارع من أجل الوصول إلى الغاية من التعلم عن بعد، ويسارع من أجل الخروج بمنافع من رحم الأزمة، ويبتكر للخروج بحلول ولو كانت بطريقة القرصنة، والطلاب ينتظرون صباح كل يوم إعلاناً عن مصير السنة الدراسية المحظورة الحالية، أو الإعلان في المساء عن مصير الامتحانات وما هم مقبلون عليه في شأن العام الدراسي الحالي، حيث القطة تمر في خلفية قاعة الدرس الافتراضية والبيجامة زي مريح لطرفي العملية التعليمية.
