هذا الأسبوع، أصدرت الجمعية الأميركية لكليات الطبّ مجموعة من التوجيهات لطلّاب الطب الذين يتطوعون للمساعدة خلال جائحة كوفيد-19. وحرصت الجمعية على الإشارة إلى أن هذه التوجيهات لا تستبدل أي تعليمات أصدرها مركز طبي أكاديمي لكنها لفتت بشكل خاص إلى أنّ الطلاب يجب ألّا يعملوا داخل المنشآت الطبية خلال هذه المدة.
وجاء في الوثيقة التوجيهية "كثيرٌ من طلابنا يعيشون في مناطق وضعت فيها توجيهات محلية أو على مستوى الولاية تقيّد الحركة. أفضل ما يمكن لطلاب الطب التابعين لنا أن يفعلوه للمساهمة في الجهود المحليّة وجهود الولاية هو الامتثال الكامل لهذه التوجيهات المُشدّدة. وعلى المنوال هذا، يساهمون في ضبط معدل الإصابات عبر تفادي إصابتهم شخصياً وتجسيد قدوة بالنسبة لعائلاتهم وأصدقائهم ومجتمعاتهم المحلية والعمل على تثقيفهم" .
كما أشارت التوجيهات إلى سعي الكليات الطبية إلى سبل لإشراك الطلاب في "نشاطات لا تشمل تعاملاً مباشراً مع المرضى" وقالت إنه يجب اعتماد هذا المسار ما لم تظهر ضرورات خاصّة واستثنائية.
ولفتت الوثيقة إلى أنّ "توجيهات الجمعية الأميركية لكليّات الطبّ تؤكّد دعمها الشديد لعدم تدخّل طلاب الطبّ في أي نشاط رعاية مباشر للمرضى إلّا في حال ظهرت حاجة محلية طارئة لليد العاملة في مجال الطب".
هاري تشونغ، 25 سنة، طالب في السنة الثانية في كلية الطب التابعة لجامعة ييل. وهو طالب في مرحلة التدريب السريري، ما يعني أنّه يرافق مؤقتاً الجولات الطبية الكبرى كافة التي تشمل اختصاصات مختلفة في المستشفيات أو العيادات. وطلبت الكليّة من الطلاب التوقف عن حضور الجولات السريرية حفاظاً على سلامتهم وعلى اللوازم الطبية الوقائية التي مخزونها قليل. ويستطيع الطلاب أن يساعدوا بطرق أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال السيد تشونغ "تصرّف بعض طلّاب صفّي بطريقة استباقيّة ورائعة فعملوا على تنظيم طرق تُمكّن الطلّاب من المساعدة عبر الاتصالات الطبية. ومن الأشياء التي نفعلها الاتصال بالمرضى بما أنّ الكثير من العيادات الخارجية اضطرّت إلى إلغاء مواعيد مرضاها بسبب الجائحة ولأن مجيء المرضى إلى المستشفى غير آمن".
ويتّصل العديد من طلّاب الطب في ييل بالمرضى الذين ألغيت مواعيدهم للاستفسار عن أحوالهم وعن شعورهم بأي تطوّر طارئ أو عن حاجتهم لتجديد وصفات الأدوية أو عن العوارض التي يختبرونها. كما أضاف السيد تشونغ أنّ بعض طلّاب الطب الذين أنهوا مدة الـعزل الذاتي 14 يوماً عرضوا المساعدة في تموين الغذاء وبعضهم عرض خدماته لرعاية أطفال العاملين في المجال الطبي الذين لا يستطيع أطفالهم الذهاب إلى دور الحضانة. والسيد تشونغ يساعد حالياً في بحث يتناول الإصابات في ولاية كونيتيكت وهي دراسة تتغيّر بسرعة.
وتطمح روبرتا بارنز، 27 سنة، طالبة السنة الأولى في كليّة الطب التابعة لجامعة ولاية نيويورك، إلى أن تصبح طبيبة أمراض معدية وهي تتابع دروسها حالياً عبر الإنترنت بسبب الجائحة. وقالت إنها تتمنى لو كانت تمتلك المؤهلات اللازمة من أجل تقديم المساعدة.
وأضافت الآنسة بارنز "أكثر ما أندم عليه خلال هذا الوقت هو أنني غير مؤهّلة للمساعدة بعد. ما زلت بحاجة إلى عزل نفسي عما حولي كي أستطيع النجاح في امتحاناتي لأنني لن أقدر على بلوغ درجة التأثير التي أريدها في المستقبل إن لم أصبح طبيبة".
وعبّر طالب آخر من كلية الطب في جامعة ولاية نيويورك عن قلقه المستمرّ بشأن الامتحانات التي تشكّل جزءاً كبيراً من معظم مناهج كليات الطب. وأرناف رانا البالغ من العمر 25 سنة طالب يتابع السنة الثانية من الدكتوراه في الطب. وقال إن دراسات السنة الثانية من الطب في كليّته تتمحور حول التحضير لامتحان "ستيب 1" وهو أحد امتحانات رخصة مزاولة المهنة، من مارس (آذار) حتّى مايو (أيّار). وغالباً ما يعمل الطلاب وحدهم لكنه قال إنه يشعر بالعزلة أكثر بكثير مع إغلاق العديد من أبنية الكلّية والتباعد الجسدي بين الجميع.
وقال رانا "يسود شعورٌ بعدم اليقين. ويجد كثيرون من طلاب السنة الثانية صعوبة في الجلوس والتحضير لهذا الامتحان لأنهم ليسوا واثقين متى سيجرونه. فمثلاً شركة بوميتريك المسؤولة عن إجراء هذه الامتحانات أغلقت مراكز امتحاناتها كافة حتّى 15 أبريل (نيسان)".
وأضاف رانا أن العديد من الطلاب الذين يعرفهم من المفترض أن يجروا الامتحان في أوائل مايو (أيّار) لكن الناس يتساءلون إن كان الإغلاق سيستمرّ في هذه الأوقات المتغيّرة. وهو يسعى لنيل شهادة الدكتوراه في اختصاص الكيمياء الحيوية كما يركّز على القلب وعمل المتقدّرات، أي محطات إنتاج الطاقة في الخلايا، لكن وضع العالم ولّد احتمالات جديدة بالنسبة له.
وعلّق قائلاً "يجعلني هذا الفيروس أفكّر إن كان من الأفضل لي أن أضع جهودي في مختبر يدرس الأمراض المعدية".
كما أضاف السيد رانا أنّ الابتعاد الاجتماعي والجسدي عن الآخرين خدمة كذلك لأنّه "يبسّط المنحنى" [يكبح معدل الإصابات]، وهي العبارة المستخدمة للإشارة إلى إبطاء انتشار الفيروس كي لا يضع مقدمو الخدمات الطبّية في وضع يتخطى قدرتهم الاستيعابية.
وقالت سيدني راسل ليد، البالغة من العمر 26 سنة والطالبة في كلية في ولاية نيويورك، إنّ طلّاب الطب في دُفعتها يساعدون في خط الاتصال المختص بكوفيد-19. وأضافت أنّ معظم العاملين في هذا الخط ممرضات مسجّلات وهي تخشى أن يأخذ طلّاب الطب المتطوّعون جولات عمل قد تذهب إلى الممرضات اللواتي يحتجن للعمل عن بعد من أجل كسب بعض الدّخل.
إستُبدلت جولات الآنسة ليد السريرية بالتعلم التفاعلي عبر الفيديو. وأعربت عن شعورها ببعض خيبة الأمل لأنها لن تشارك في أي جولة جراحيّة. فهي لن تتخصص في الجراحة ولن تتسنّى لها فرصة أخرى لدخول غرفة العمليات الجراحية.
وعلّقت "لكن الابتعاد عن المستشفى هو التصرّف الأخلاقي".
أمّا أورلي نادل فاربر، الطالبة في كلية الطب التابعة لجامعة ستانفورد، فكتبت مقالة رأي لسات نيوز يوم 14 مارس.
وقالت الآنسة فاربر "لا يمكن للتعليم الرقمي أن يستبدل تعلّم رعاية المرضى مباشرة، وإرسال الطلاب إلى منازلهم سيعيق تعليمهم على الأرجح. وقد يؤخّر تخريج دفعة كاملة من الأطبّاء الجدد بما أنّ الطلاب يعملون وفقاً لجداول زمنية ضيقة من أجل إنهاء المتطلبات كافة لكي يصبحوا أطبّاء".
بازيا جياناكاكوس تبلغ من العمر 26 سنة، وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية الطب في جامعة ولاية نيويورك، تقول إن كثيراً من زملائها متحمسون للمساعدة. وشرحت أنّ بعضهم أعربوا عن رغبتهم في العمل في الجبهة الأمامية وأداء دور مختلف عمّا يتطلّبه منهم منهاج كلية الطب التقليدي، مثل دور مساعد ممرّض مثلاً. لكنها أضافت أنهم مدركون أيضاً لحاجتهم للمراقبة باعتبارهم طلّاب طبّ. وفي الأزمات الطبية، قد تتطلب المراقبة تركيز عمّال الرعاية الصحية وتحدّ من قدرتهم. لذا يبحث الطلاب عن طرقٍ أخرى للمساعدة.
وقالت الآنسة جياناكاكوس إن الطلاب في دفعتها يساعدون من خلال إدارة حملة تبرّع بالدم وعيادة للمصابين بالسكّري حيث يفحصون مستويات السكر في الدم للمساعدة في نواحٍ أخرى من الرعاية الطبية خلال الجائحة. كما يمدّ طلاب آخرون يد المساعدة من خلال الخط الساخن المخصص لكوفيد -19 الذي أسسته جامعة ولاية نيويورك يوم ٨ مارس وهو يساعد في الإجابة عن أسئلة المرضى القلقين بشأن أعراضهم.
وتقول الآنسة جياناكاكوس "نشعر بالحاجة كي نكون مفيدين، ونحن على وشك بلوغ تلك النقطة لكننا ما زلنا في مرحلة مبكرة جداً في مسيرتنا المهنية كي نكون مستقلّين ونقدر على المساعدة باستقلالية. لذلك هذه من أفضل الطرق التي يسعنا أن نساعد من خلالها لأننا أصبحنا نعلم في هذه المرحلة من مسيرتنا المهنية كيف نتكلّم مع الآخرين. لقد تعلّمنا الكثير عن ذلك".
وفي الوقت الحالي، لا يمكن للطلاب أن يساعدوا داخل المستشفيات. يوم الثلاثاء الماضي، أصدرت الجمعية الأميركية لكليّات الطب توجيهات حول مشاركة طلاب الطب في الجولات السريرية.
وجاء فيها "بدءاً من هذه اللحظة، تدعم الجمعية الأميركية لكليات الطب بشدّة كلياتنا الطبية في تعليق مشاركة طلاب الطب في النشاطات كافة التي تقتضي احتكاكاً مباشراً مع المرضى لمدة أسبوعين بالحدّ الأدنى".
والهدف من هذه الخطوة كما يوضح البيان هو إتاحة أسبوعين لكليات الطب كي تضع برامج تثقيفية لطلابها تمهيداً لعودتهم للمشاركة في الجولات السريرية وهي خطة قد تتغير مع تطور الأنباء حول الجائحة. ومن المفترض أن تشمل البرامج معلومات حول كوفيد-19 وخطوات لضمان أمنهم وسلامتهم كما سلامة مرضاهم.
ومن الأسباب الأخرى التي دعت إلى تعليق نشاطاتهم لمدة أسبوعين الحفاظ على لوازم الوقاية الشخصية مثل كمامات التنفّس "إن95 " التي بات المركز الأميركي لمكافحة الأمراض ينصح باستخدامها فقط في حال الاحتكاك المباشر بالسوائل الصادرة عن مريض مصاب بالفيروس. ووفقاً للمجلة الطبية "نيو إنغلند جورنال أوف ميديسين"، هذا يعني المخاطرة بالتعرّض للفيروس إن استخدم عمال الرعاية الصحية أي نوع آخر من الكمامات الطبية التي قد لا توفر مستوى الحماية نفسه.
وقال السيد تشونغ الطالب في كلية ييل للطب إنه يشعر بأن إدارة كليّته تبذل ما بوسعها في مجال التواصل ولا سيّما خلال هذا الوقت العصيب.
وأضاف "(الإدارة) تدرك تقاطع رغبتنا في المساعدة بعدم امتلاكنا المهارات اللازمة كافة ربما أو القدرة على المساعدة بالطريقة التي نرغب. أظنها نشطة جداً في مساعدتنا على البقاء ملتزمين ومنخرطين في العمل".
وختم السيد تشونغ بقوله "باعتبارنا مقدّمي خدمة مستقبليين، نحاول أن نتحلى بالمرونة في وقت الحاجة الكبيرة. ونعمل مع بعضنا بعضاً من أجل المساعدة من خلال الاتصالات الهاتفية وغيرها. نبذل جهداً كبيراً من أجل خدمة المجتمع".
© The Independent